أخبار العالم

الوالي الجواهري يعدّد أعطاب التشغيل أمام الملك في التقرير السنوي لبنك المغرب



لم يتردد عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، في الكشف عن أعطاب التشغيل أمام الملك محمد السادس، بمناسبة تقديم التقرير السنوي للبنك بين يديه، حيث أكد عدم انعكاس التحسن النسبي للنمو الاقتصادي على سوق الشغل، التي عرفت تدهورا ملموسا السنة الماضية، وذلك بفقدان عدد مهم من مناصب الشغل، وتراجع ملحوظ في معدل النشاط، وارتفاع قوي في نسبة البطالة، التي بلغت 13 في المائة، وهي الأعلى منذ 2001.

وأفاد التقرير بتسجيل الفلاحة خسارة جديدة قدرها 202 ألف منصب شغل، لتتراجع بذلك حصتها في التشغيل الإجمالي إلى 27.8 في المائة السنة الماضية، في حين لم يحدث قطاع الخدمات سوى 15 ألف منصب، عوض 164 ألفا في 2022؛ فيما واصلت دينامية التشغيل في الصناعة تباطؤها، بما فيها الصناعة التقليدية، مع ارتفاع لم يتجاوز 7 آلاف منصب، ليصل بذلك مجموع المناصب المحدثة منذ 2015، أي السنة الأولى لتفعيل مخطط التسريع الصناعي، إلى 71 ألفا، موازاة مع إحداث 19 ألف منصب في قطاع البناء والأشغال العمومية، وبالتالي انتقل حجم خسائر الاقتصاد الوطني بهذا الشأن من 24 ألف منصب إلى 157 ألفا بين 2022 و2023.

واعتبر بنك المغرب، في تقريره، أنه بالنظر إلى وتيرة النشاط الاقتصادي تحسنت الإنتاجية الظاهرة للعمل في القطاعات غير الفلاحية بنسبة 2.9 في المائة السنة الماضية، مقابل 0.8 في المائة في 2022، فيما سجلت الأجور ارتفاعات بالقيمة الاسمية بلغت 4.3 في المائة، بعد 2 في المائة في القطاع الخاص، و1.2 في المائة، عوض 3.5 في المائة في الوظيفة العمومية، موضحا أنه في ظل تطور التضخم تراجعت بالقيمة الحقيقية بنسبة 1.8 في المائة، بعد انخفاض قدره 4.4 في المائة، وبواقع 4.6 في المائة، بدلا من اخفاض بحوالي 2.9 في المائة، على التوالي.

معدل التشغيل الأدنى عالميا

سلط البنك المركزي الضوء في تقريره السنوي على مواصلة معدل التشغيل، أي نسبة السكان النشيطين المشتغلين البالغين من العمر 15 سنة فما فوق، تراجعه ليصل إلى 38 في المائة، وهو أحد أدنى المعدلات في العالم، وفق قاعدة بيانات منظمة العمل الدولية ILOSTAT الخاصة بسنة 2022، حيث احتل المغرب الرتبة 93 من بين 97 دولة تتوفر المعطيات بخصوصها، فيما بلغ التدني في المناطق القروية 2.2 في المائة، إلى 44.3 في المائة؛ علما أن انخفاض المعدل المذكور برز بشكل كبير في صفوف النساء، بينما بلغت النسبة في المدن 0.5 نقطة، إلى 34.8 في المائة، وشمل الرجال حصرا.

وفي تعليق على هذه المعطيات أكد محمد أمين الحسني، خبير اقتصادي، مسؤولية السياسات الاقتصادية الحالية والتحديات الهيكلية التي تواجهها سوق الشغل الوطنية عن تأخر المغرب في تصنيف معدلات التشغيل العالمية، موضحا أن “انخفاض التشغيل في المناطق القروية يمكن ربطه بتداعيات موسم الجفاف، إلا أن هذا التراجع يعكس ربما تحولا في النشاطات الاقتصادية أو نقصا في الاستثمارات القروية أيضا”، منبها في السياق ذاته إلى أن تدهور التشغيل في المناطق الحضرية يعود إلى بطء نمو بعض القطاعات الاقتصادية التي تعتمد على اليد العاملة.

وأضاف الحسني، في تصريح لهسبريس، أن وضع سوق الشغل الذي يتناقض مع نسب النمو الاقتصادي المحققة يستدعي من الحكومة تحفيز الاستثمارات، عبر التركيز على خلق بيئة جاذبة للاستثمار، خاصة في القطاعات التي تتطلب عمالة مكثفة، وتوفير برامج تكوينية وتعليمية تساعد على تأهيل الشباب للولوج إلى سوق الشغل، مؤكدا أهمية تبني سياسات داعمة للتشجع على مشاركة النساء في السوق المذكورة، مثل توفير الدعم لرائدات الأعمال وتحسين ظروف الشغل، وتعزيز الاستثمار في البنية التحتية والمشاريع التنموية، التي تحفز النشاط الاقتصادي في المناطق القروية.

تصاعد مخاطر الهجرة القروية

لاحظ بنك المغرب في تقريره السنوي أنه بعد إطلاق مخطط “المغرب الأخضر” شهد نشاط القطاع الفلاحي تحسنا ملموسا ناهز 7.5 في المائة في المتوسط السنوي بين 2008 و2017، وهو ما يفوق بكثير نمو الناتج الداخلي الإجمالي، الذي تزايد بواقع 3.8 في المائة فقط، فيما أخذت هذه الوتيرة تتباطأ ابتداء من 2018 لتصل إلى 0.3 في المائة، مقابل 2 في المائة بالنسبة إلى النمو الاقتصادي؛ بينما تكبد التشغيل في القطاع خسارة بلغت 15 ألف منصب في المتوسط السنوي بين 2008 و2017، و136 ألفا بين 2018 و2023، ليستقر مجموع الخسارة التراكمية على مدار الفترة المذكورة عند 965 ألف منصب.

وأيد مروان ناقري، خبير في تدبير الموارد البشرية، في تصريح لهسبريس، التبريرات التي ساقها البنك المركزي بشـأن خسارة مناصب الشغل في القطاع الفلاحي، وارتباطها بالاحتباس الحراري وتعاقب سنوات الجفاف، وتفاقم مشكل الإجهاد المائي، موضحا أن البنك الدولي في أحدث تقاريره حول علاقة التغيرات المناخية بالنمو الاقتصادي أكد أن تحولات المناخ قد تؤدي بحلول 2050 إلى نزوح 1.9 مليون مواطن مغربي، أي ما يعادل 5.4 في المائة من إجمالي السكان، إلى المناطق الحضرية، ما سيشكل تصاعدا قويا محتملا لظاهرة الهجرة القروية.

وشدد ناقري، في السياق ذاته، على حاجة المغرب إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة من أجل وقف نزيف خسارة مناصب الشغل، خصوصا في الوسط القروي، وذلك من خلال تحسين بيئة الأعمال وتحديث التشريعات، وتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد، مشيرا إلى أهمية تنفيذ هذه الإجراءات، بما يمكن المملكة من تسحين معدل التشغيل والمساهمة في تحقيق نمو اقتصادي أكثر استدامة وعدالة اجتماعية، ومنبها إلى أن تدهور التشغيل في القطاع الفلاحي مرتبط بدرجة أقل بعامل المكننة، إذ ساهم ارتفاع عدد الآلات الفلاحية بين 2008 و2018، حسب تقرير بنك المغرب، في انتقال عدد الجرارات من 40 ألفا إلى 75 ألفا، وعدد آلات الحصاد من 3 آلاف إلى 7 آلاف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى