المخدرات: كيف ضربت “الموجة الرابعة” من انتشار مُخدر الفنتانيل جميع مناطق الولايات المتحدة؟
- Author, نادين يوسف
- Role, بي بي سي نيوز
تتسبب الجرعات الزائدة من مخدر الفنتانيل في موت عدد كبير من الأمريكيين أكثر من أي وقت مضى، وذلك مع اجتياح ما يعرف بـ “الموجة الرابعة” من المواد الأفيونية المخدرة كل مجتمع، في كل أركان البلاد تقريبا.
مرت ست سنوات منذ وفاة الشاب شون كيم بليك، الذي كان يبلغ عمره 27 عاماً، جراء تعاطي جرعة زائدة من الفينتانيل في بورلينغتون، فيرمونت.
وكتبت والدته السيدة بليك في مدونة خصصتها لابنها في عام 2021، “في كل مرة أسمع فيها عن فقدان حياة أحدهم بسبب تعاطي المخدرات، ينكسر قلبي أكثر”.
“لقد تحطمت عائلة أخرى، حزينة إلى الأبد على فقدان الأحلام والاحتفالات”.
شهدت الولايات المتحدة في ذلك العام علامة فارقة، فلأول مرة على الإطلاق، قتلت الجرعات الزائدة من المخدرات أكثر من 100 ألف شخص في جميع أنحاء البلاد في عام واحد فقط.
كانت أكثر من 66 في المئة من بين تلك الوفيات مرتبطة بمخدر الفنتانيل، وهو مادة أفيونية اصطناعية أقوى 50 مرة من الهيروين.
وهو ما يشكل فرقاً واضحاً عما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن. ففي عام 2010، توفي أقل من 40,000 شخص جراء جرعات زائدة من المخدرات في جميع أنحاء البلاد، وكان أقل من 10 في المئة من تلك الوفيات مرتبط بالفينتانيل.
في ذلك الوقت، كانت الوفيات في الغالب، ناجمة عن استخدام الهيروين أو المواد الأفيونية الموصوفة طبياً.
صدرت هذا الأسبوع دراسة من قبل باحثين في جامعة كاليفورنيا،، لوس أنجليس، أوضحت هذا التناقض. وتستعرض الدراسة اتجاهات الوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة في الولايات المتحدة في الفترة من 2010 إلى 2021 باستخدام البيانات التي جمعتها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها.
وكتب مؤلفو الدراسة: “إن ظهور الفنتانيل المصنع بشكل غير مشروع أدى إلى أزمة جرعات زائدة في الولايات المتحدة بحجم غير مسبوق”.
كل مناطق في الولايات المتحدة تقريباً، من هاواي إلى ألاسكا إلى رود آيلاند، تأثرت بمخدر الفينتانيل.
وتشير البيانات إلى أن ارتفاع حالات الوفاة المرتبطة بالفينتانيل لأول مرة، لوحظ في عام 2015.
منذ ذلك الحين، انتشرت المخدرات في جميع أنحاء الولايات المتحدة وارتفعت معدلات الوفيات بشكل حاد.
وقالت تشيلسي شوفر، الأستاذة المساعدة في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، وهي المؤلفة المشاركة في الدراسة، لبي بي سي: “في عام 2018، وقعت حوالي 80 في المئة من جرعات الفنتانيل الزائدة شرق نهر المسيسيبي”.
لكن في عام 2019، “أصبح الفنتانيل جزءاً من شحنات المخدرات المنتشرة في غرب الولايات المتحدة، وفجأة ظهر هذا بين السكان الذين كانوا محاطين به، وبدأت معدلات الوفيات في الارتفاع”، كما قالت شوفر.
وفي دراستهم، دق الباحثون ناقوس الخطر بشأن اتجاه آخر آخذ في النمو، وهو أن الوفيات مرتبطة باستخدام الفنتانيل وعقار منشط آخر، مثل الكوكايين أو الميثامفيتامين.
ويُلاحظ هذا الاتجاه في جميع أنحاء الولايات المتحدة، على الرغم من وجود اختلافات في أنماط استخدام المخدرات من منطقة إلى أخرى.
على سبيل المثال، اكتشف الباحثون معدلات وفاة أعلى مرتبطة باستخدام الفينتانيل والكوكايين في ولايات شمال شرق الولايات المتحدة، مثل فيرمونت وكونيتيكت، حيث كان الكوكايين متاحاً تقليدياً بشكل أكبر.
ولكن في معظم أنحاء البلاد الأخرى، من فرجينيا الغربية إلى كاليفورنيا، كانت الوفيات ناجمة في المقام الأول عن استخدام كل من الميثامفيتامين والفنتانيل.
السيدة بليك، التي تعمل أيضاً كطبيبة مُدرِبة، قالت إن ابنها كان يستخدم الكوكايين بشكل عرضي، على الرغم من أن تقرير السموم أظهر وجود الفينتانيل فقط في جسمه.
لقد علمت السيدة بليك أن الكثيرين يستخدمون الفنتانيل مع منشط آخر للحصول على مرحلة أعلى من النشوة لفترة طويلة.
وقالت السيدة بليك، لبي بي سي: “ليس من المفاجئ بالنسبة لي أن نشهد مثل هذه الزيادة في مجموعات المنشطات والأفيونيات”.
وقالت الأستاذة الجامعية شوفر إنه عندما وصل الفنتانيل لأول مرة إلى الولايات المتحدة كجزء من شحنات المخدرات غير المشروعة، “لم يكن الكثير من الناس يريدون ذلك”. لكن المواد الأفيونية الاصطناعية أصبحت متاحة على نطاق واسع لأن إنتاجها أرخص مقارنة بالمخدرات الأخرى.
كما أن هذه المادة تسبب الإدمان بدرجة كبيرة، مما يعني أن الأشخاص الذين يعانون من تعاطي المخدرات ويتعرضون لها، غالباً ما يبحثون عنها لتجنب أعراض الانسحاب المؤلمة.
وفي جميع أنحاء الولايات المتحدة، حددت الدراسة ولايات مثل ألاسكا، ووست فيرجينيا، ورود آيلاند، وهاواي، وكاليفورنيا، ولايات ذات أعلى معدلات للوفيات جراء تعاطي جرعات زائدة من المخدرات، تشمل الفينتانيل وأنواع مخدرة أخرى.
هذه الولايات كانت تاريخياً لديها معدلات عالية من تعاطي المخدرات، وقالت الأستاذة الجامعية شوفر إنه مع وصول الفينتانيل إلى كثير من المناطق، أصبحت المخدرات في تلك المناطق أكثر فتكاً بمن يتعاطونها.
“لم تعد مشكلة لدى البيض فقط”
كانت أزمة المواد الأفيونية القوية عادة ما يتم تصويرها على أنها “مشكلة للبيض فقط”، وفقاً لشوفر.
إلا أن دراستها كشفت أن الأمريكيين الأفارقة، يموتون بمعدلات أعلى نتيجة لتناول الفينتانيل والمخدرات الأخرى، عبر الفئات العمرية والخطوط الجغرافية.
بالنسبة إلى رشيدة واتس بيرسون، المتخصصة في الحد من الأضرار في ولاية أوهايو، فإن البيانات تعكس ما شاهدته في منطقتها.
لقد شاركت في أعمال التوعية مع منظمة “أيه 1 ستيغما فري”، وهي منظمة شعبية تأسست قبل ثمانية أشهر فقط، لمواجهة الارتفاع الملحوظ في حالات الوفاة الناجمة عن الجرعات الزائدة من المخدرات داخل المجتمع الأفروأمريكي، في سينسيناتي.
وفي إطار عملها، تزور السيدة واتس بيرسون بشكل متكرر صالونات الحلاقة، والحانات، ومحلات البقالة للتحدث مع الأشخاص حول الآثار القاتلة للفينتانيل.
وبينت أنها تقوم بذلك بسبب قلة الوعي، ويرجع ذلك -جزئيا- إلى الفوارق التاريخية في الرعاية الصحية التي تعاني منها الأقليات العرقية والإثنية.
وأضافت أنه حتى الحملات الترويجية تم إطلاقها لزيادة التوعية بأزمة المواد الأفيونية لم تستهدف الوصول للأمريكيين السود.
وقالت واتس بيرسون: “يمكنني أن أقود سيارتي في أفونديل الآن، هناك لوحة إعلانية تقول “أزمة المواد الأفيونية”، ولكن هناك شخصان من البيض بجوار تلك اللوحة”.
وقالت إن النقطة الكبيرة المظلمة بالنسبة لمجتمعها كانت مخدرات الشوارع المليئة بمادة الفنتانيل، ما أدى إلى استخدام الناس دون إدراك للمواد الأفيونية الاصطناعية القاتلة، وزيادة الاعتماد عليها.
وأضافت: “مكتب الطبيب الشرعي يرى أشخاصا يتعاطون جرعات زائدة، ويموتون بسبب الكوكايين، والكراك، والحبوب، مع آثار للفينتانيل”.
“لقد تسللت إلى المجتمع الأسود الآن، وليس هناك ما يكفي من الأشخاص الذين يتحدثون عنها ويحذرون من خطرها”.
“الموجة الرابعة”
قال باحثون إن الاستخدام المميت للفنتانيل مع أنواع أخرى من المخدرات يمثل “الموجة الرابعة” من أزمة الجرعات الزائدة في الولايات المتحدة.
وحذر خبراء مثل شوفر من أن خيارات العلاج في الولايات المتحدة لم تواكب التطور في مجال استخدام المواد.
وقالت: “النظام العلاجي لاضطراب تعاطي المخدرات يركز في كثير من الأحيان على مخدر واحد في كل مرة”.
“لكن الواقع هو أن العديد من الأشخاص الذين يستخدمون المخدرات يستخدمون أكثر من نوع واحد من المخدرات”.
وللحفاظ على ذكرى ابنها حية، تحدثت السيدة بليك بصراحة عن خسارتها وساعدت عائلات أخرى في التغلب على حزنها بسبب فقدان أحد أبنائها بسبب جرعة زائدة.
وقالت: “كل شخص لديه قصة، وبالنسبة للوالدين الذين فقدوا طفلاً، فإن قصتى تدوم إلى الأبد”.
وتم تسجيل ابنها للعلاج عدة مرات خلال معركته مع اضطراب تعاطي المخدرات.
وتشكلت لدى السيدة بليك تجربة مفادها أن خيارات الرعاية تختلف من ولاية إلى أخرى، وفي كثير من الحالات، ما يتاح ليس كافياً.
وأضافت: “من الناحية المثالية، أعتقد أننا سنرى شيئًا يتيح للأشخاص الحصول على العلاج بسرعة، متى أرادوا ذلك، وعلى المدى الطويل”.
وطرحت السيدة بليك أيضاً فكرة مراكز الوقاية من الجرعات الزائدة، حيث يمكن للأشخاص استخدام المخدرات بأمان وتحت إشراف مختصين.
كما دعت السيدة بليك إلى التعاطف والتفاهم مع أولئك الذين يعانون من مشكلة تعاطي المخدرات.
وقالت: “معظم الأشخاص الذين أتحدث إليهم، أطفالهم لا يريدون أن يموتوا”.