الطفل والرقمنة .. خبير يوضح المرحلة العمرية الآمنة لامتلاك هاتف شخصي
يجد عدد من الآباء والأمهات وأولياء الأمور أنفسهم في حيرة من أمرهم، حين يطالبهم أبناؤهم بضرورة تمكينهم من هاتف شخصي أو حاسوب يسمح لهم بولوج عالم التكنولوجيا والاتصال والإعلاميات إسوة بأقرانهم؛ وهو ما يستجيب له البعض أملا في مساعدة أطفالهم على مواكبة هذا العصر الرقمي، في حين يحرص آخرون على تأجيل تلبية هذا النوع من الطلبات، مستعينين في ذلك بسلبيات ومخاطر الشبكة العنكبوتية.
وفي هذا الإطار، تُثار بين الفينة والأخرى نقاشات بين الآباء والأمهات حول المرحلة العمرية المناسبة لربط الطفل بعالم التكنولوجيا والرقمنة، متسائلين عن السن المناسب لتمكين فلذات أكبادهم من هواتف شخصية أو حواسيب مرتبطة بشبكة الأنترنيت، دون أن يتسببوا في إلهائهم عن دراستهم فيُفسدونهم من حيث يريدون الإصلاح.
الطفل والرقمنة
عياد أبلال، باحث في علم الاجتماع وأنثروبولوجيا الثقافة، قال إن “العالَم، منذ بداية الألفية الثالثة، دخل عصر التكنولوجيا والرقمنة بامتياز، وصار العالم عبارة عن مجتمعات مرقمنة فائقة خاصة في الغرب؛ وهو ما ينطبق بشكل كبير على المجتمعات النامية، ومن بينها المغرب. لذلك، من الصعب جدا وقف زحف هذه الرقمنة التي تحمل مخاطر كبيرة على الصحة النفسية للأطفال، كما هو الحال بالنسبة إلى الشباب”.
وأضاف أبلال، في تصريح لهسبريس، أنه “يجب الاقتداء بتوصيات منظمة الصحة العالمية، وخاصة الجمعية الأمريكية لعلم النفس، والتي توصي بضرورة منع الرضيع إلى حدود 18 شهرا من الجلوس أمام شاشة التلفاز، مع منح الآباء أكبر وقت ممكن للأبناء إلى حدود السنتين، ومن سنتين إلى خمس سنوات يجب ألا يتجاوز وقت النظر إلى شاشة التلفاز ساعة واحدة، وفي هذه الحالة ينصح بعدم تمكين الطفل نهائيا من أي هاتف أو لوح ذي شاشة الكترونية إلا بوجود الآباء، على ألا يتجاوز الساعة يوميا”.
وأكد الباحث ذاته أنه “ما بين سن السادسة إلى 15 سنة، يجب ألا يتجاوز الوقت المخصص للأنترنيت الساعة ونصف الساعة في اليوم، وإلى حدود ساعتين ما بعد سن 18، مع الحرص في كل مراحل نمو الطفل على ضمان النوم الكافي والراحة الكافية للطفل، مع نظام غذاء متوازن ونشاط حركي رياضي مناسب”، منبها إلى أن “ما تعيشه مجتمعاتنا يشي بالكثير من المخاطر النفسية والبصرية، خاصة أن تأثير شاشات وألواح الأجهزة الإلكترونية بات معروفا”.
وذكر عياد أبلال بـ”ضمور الرابط الاجتماعي وجمود العواطف الأسرية، وفق ما نسميه عزلة مجتمعات الرقمنة”، مشيرا إلى أن “هذا الأمر يتضح من خلال الإدمان على الأنترنيت، وخصوصا شبكات التواصل الاجتماعي في البلدان النامية، ومنها المغرب؛ وهو ما يتجلى من خلال الشعور الدائم والمزمن بالقلق والتوتر، والميل إلى العزلة والوحدة، وعدم التواصل مع الآخرين، وهي أعراض قد تؤدي إلى الاكتئاب والاضطرابات النفسية التي تمس الشخصية”.
السن المناسب
عن السن المناسب لتمكين الطفل من حاسوب أو هاتف شخصي، قال الباحث في علم الاجتماع وأنثروبولوجيا الثقافة إنه “حسب الجمعية الأمريكية لعلم النفس، وتبعا لعدد من الدراسات، ينصح بتمكين الطفل من حاسوبه في سن ما بعد العاشرة، مع مراعاة ضرورة إعداد الطفل ثقافيا ومعرفيا لولوج عالم الأنترنيت، مع اقتصار برامج الحاسوب على برامج تعليمية وتربوية تراعي الجوانب العاطفية، والحس حركية، والمعرفية، تناسب سن الأطفال بالتدرج”.
وشدد أبلال على أن “الهاتف الشخصي يجب أن يستعمل لأغراض وظيفية ترتبط بالتواصل الإيجابي، دون السماح للأطفال بولوج منصات التواصل الاجتماعي”، موردا أن “هناك اختلافات في الدراسات بخصوص السن المناسب لامتلاك الهاتف الشخصي والحاسوب الشخصي المزود بالأنترنيت؛ لكن كل الدراسات تجمع على ضرورة تربية المتعلمين والأطفال على عالم التكنولوجيا، وتوضيح السلبيات والإيجابيات”.
وفي السياق ذاته، دعا الباحث في أنثروبولوجيا الثقافة المجتمعات النامية، من بينها المغرب، إلى “إدخال مناهج ومقاربات للتربية والتعليم على الأنترنيت، حتى يكتسب المتعلمون مناعة ضد كل السلبيات، ويتهيؤون لولوج التكنولوجيا دون خوف على صحتهم الجسدية والنفسية والجنسية، مع ضرورة الحرص على تحصين الأطفال ضد التحرشات والاضطرابات الجنسية التي ترتبط ببعض برامج الأنترنيت الجنسية”.
سلبيات حاضرة
بشأن سلبيات التعجيل في تمكين الطفل من هاتفه الشخصي، أكد عياد أبلال أنها كثيرة، مضيفا أن “أكثرها ترددا هو القلق والتوتر والانعزال والجمود العاطفي، دون أن نسيان تراجع دور الأسرة والتربية الوالدية في التأثير في الطفل الذي يصبح أكثر انبهارا وتأثرا بعالم النماذج الرقمية، سواء تعلق الأمر بنماذج القدوات في عالم الحياة أو الغناء أو الرياضة…”.
ونبه الباحث في علم الاجتماع إلى أن “التأثر بعالم النماذج الرقمية يجعل الفضاء الأسري فاقدا للتأثير الوجداني والمعرفي والعاطفي، وهو شيء خطير بالنظر إلى بروز شخصية قاعدية جديدة تتغذى على النماذج الموجهة، وهي نماذج افتراضية بعيدة كل البعد عن الواقع، مما يُسقط الطفل، كما هو حال بعض الشباب، في الاحتراق العاطفي والنفسي، ناهيك عن تأثير ذلك على المسار الصحيح للتعلم والتربية”.
وفي السياق ذاته، سلط الباحث في علم الاجتماع وأنثروبولوجيا الثقافة الضوء على “خطورة تشكيل المجتمع التلصصي- الفضائحي الذي يتغذى على اختراق الخصوصيات والحياة الحميمية للناس، والتشهير والفضائح، بحيث يصبح الطفل مهيأً، بفضل التعود والتطبيع مع شبكات التواصل الاجتماعي، على تمثل واستبطان قيم المجتمع الفضائحي”.