للمرة الثانية خلال عام… الكهرباء تحمل المصريين عبئا جديدا
- Author, أميمة مجدي
- Role, بي بي سي- القاهرة
في منطقة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة) داخل إحدى الشقق السكنية كانت تمتلك نوران رمزي 180 جنيه مصري (3.69 دولار أمريكي) قيمة كارت شحن في عداد الكهرباء الخاص بشقتها، “كان يشير العداد إلى إنني في الشريحة الخامسة، والمبلغ الموجود يوفر 128 كيلو وات من الكهرباء للاستخدام”.
لكن أعداد الكيلو وات انخفضت عندما حاولت نوران إضافة 50 جنيها إلى 96 كيلو وات .
نوران واحدة من ملايين المصريين الذى تعرفوا على أسعار الكهرباء الجديدة بالصدفة خلال الأربع أيام الماضية.
ماذا حدث في الأيام الماضية؟
فوجئ المصريون، خلال الأيام الماضية، بتطبيق زيادة في أسعار شرائح الكهرباء المختلفة في المنازل، بنسب تراوحت ما بين 15 في المئة إلى 40 في المئة اعتبارا من مطلع الشهر الجاري، بحسب ما أكد مصدر لبي بي سي ووسائل إعلام محلية، وذلك دون إعلان رسمي عن جدول المحاسبة أو قيمة الزيادة في كل شريحة.
وبعد يومين من تداول أنباء حول تلك الزيادة، خرج رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في مؤتمر صحفي، مؤكدا إياها، وشدد على أن زيادة أسعار الكهرباء ستكون غير ملحوظة في شرائح الاستهلاك المتدنية، مقارنة بالشرائح الأعلى استهلاكا.
وأشار رئيس الوزراء المصري إلى أن الزيادة في أسعار الكهرباء بلغت لأول 3 شرائح من 10 إل 12 قرشا فقط، بينما ارتفعت الشريحة التالية التي تمثل الطبقة المتوسطة إلى نحو 25 إلى قرشا.
قال مصدر لبى بى سى نيوز عربي، إنه سيتم احتساب الزيادة الجديدة منذ مطلع الشهر الجاري بأثر رجعي فيما يخص العدادات مسبقة الدفع، وتطبيق هذه الزيادة على العدادات مؤجلة الدفع بدءا من فواتير سبتمبر/ أيلول المقبل.
تصفحنا الموقع الإلكتروني لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء ووجدنا أن آخر سعر لتحصيل رسوم الكهرباء تم العمل به في يناير/ كانون الثاني الماضي وينتهى العمل به في 31 يوليو/ تموز 2024، ولم يتم تعديل هذا السعر حتى كتابة هذه السطور.
وتطبق الحكومة المصرية نظام الشرائح في المحاسبة على فواتير الكهرباء منذ سنوات، وهو نظام يتضمن زيادة في سعر الكهرباء كلما زاد استهلاكها إلى حد معين.
تتكون شرائح أسعار الكهرباء التي تصل المنازل من سبع شرائح، وشرائح القطاع الصناعي والتجاري من خمس شرائح.
بحساباتنا في بى بى سى توصلنا إلى أن الزيادات الجديدة في أسعار الكهرباء تم حسابها وفقا لسعر الدولار الجديد في الموازنة العامة للدولة وهو 45 جنيه مقابل الدولار بدلا من 30.9 جنيه للدولار في أسعار الكهرباء السابقة.
ما تأثير هذه الزيادة على المواطنين؟
تعد هذه الزيادة الثانية لأسعار الكهرباء هذا العام، بعد أن رفعت الوزارة الأسعار في يناير/ كانون الثاني الماضي بنسب تصل إلى 26 في المئة بينما تصل الزيادات الجديدة إلى نسب تتراوح ما بين 15 في المئة إلى 40 في المئة.
يتوقع محمد عبد الحكيم رئيس قطاع البحوث بشركة أسطول لتداول الأوراق المالية أن يؤدي ارتفاع أسعار الكهرباء إلى ارتفاع معدل التضخم الشهري ما بين 1.5 إلى 2 في المئة.
ويقول عبد الحكيم لبي بي سي “سيظهر تأثير الأسعار الجديدة للكهرباء خلال قراءات شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، التي تُنشر في شهر أكتوبر/ تشرين الأول.
وكان معدل التضخم السنوي في مصر قد تراجع إلى 25.2 في المئة في شهر يوليو/ تموز 2024، وذلك مقابل 27.1 في المئة خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
زيادة أسعار الكهرباء ومن قبلها زيادة أسعار المحروقات، من الأمور التي سيكون لها انعكاسات سلبية على معدلات التضخم، وستؤدي لزيادته مع وجود زيادات في أسعار السلع، وفق مي قابيل الباحثة الاقتصادية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، “خاصة وأنها الزيادة الثانية هذا العام، وصاحبتها زيادات أخرى في سلع وخدمات مثل الوقود ووسائل النقل ورغيف الخبز المدعم ، بجانب انخفاض قيمة العملة بسبب التعويم، ما يعنى تدهور مستوى معيشة المواطن”.
وتقول مي : “زيادة أسعار الكهرباء على مدار العشر سنوات الأخيرة، تشير إلى أن طبقات محدودي الدخل الأعلى تأثرا من أي رفع في الأسعار، لن تتأثر بالزيادة الاخيرة ولكنها تتأثر بالزيادات التراكمية خاصة أن دخولها لم ترتفع بنفس النسبة”.
وتتابع مي : “إذا نظرنا لمعدلات التضخم فهي تنخفض منذ ثلاثة أشهر، ما يعني أن معدل زيادة الأسعار قد تراجع، ولا يعني أن الأسعار قد انخفضت، فإذا أضفنا مجموع معدل التضخم في العامين الحالي والسابق قد يصل معدل التضخم الفعلي إلى ما يقرب من 50 في المئة”.
بدءًا من أول يناير/كانون الثاني 2024 استقبل المصريون الساعات الأولى من العام الحالي 2024 بأنباء زيادات في أسعار الكهرباء والمترو والإنترنت والهاتف المحمول.
وفي مارس/ آذار 2024 قرر البنك المركزي تعويم الجنيه للمرة الخامسة منذ عام 2016 ليهبط سعر الجنيه مقابل الدولار من نحو 30 جنيها إلى نحو 50 جنيها للدولار الواحد.
في مايو/أيار أعلن رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفي، أن مصر سترفع سعر رغيف الخبز المدعوم من 5 قروش إلى 20 قرشا، بزيادة 300% مرة واحدة للمرة الأولى منذ عقود.
في الخامس والعشرين من يوليو/تموز قررت الحكومة المصرية زيادة أسعار البنزين بنسبة تصل إلى 15 في المئة وزيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق والقطارات بنسبة تتراوح بين 17 و33.3 في المئة.
ماذا سيحدث للسلع المصنعة محليا؟
الزيادات الجديدة في أسعار الكهرباء شملت رفع أسعار شرائح الاستهلاك التجاري بنسب تتراوح بين 30 إلى 35 في المئة، لأول مرة منذ أربع سنوات.
قال محمد حنفي المدير التنفيذي لغرفة الصناعات المعدنية لبي بي سي، إنهم في انتظار ردود أفعال من المصانع التي قد تتأثر بالتعريفة الجديدة، حيث لم يتم مخاطبتهم من أي جهة رسمية بالأسعار الجديدة.
وتوقع حنفي أن تؤثر الزيادات الجديدة بشكل سلبي على صناعتين بالتحديد وهما الألومنيوم والحديد بسبب الاحتياج إلى استهلاك عالي من الكهرباء، والتي تعتمد عليهما العديد من الصناعات الضرورية، كالنقل، والتعبئة، والأجهزة الكهربائية.
بينما توقع أحمد عبد النبي مدير إدارة البحوث بشركة مباشر لتداول الأوراق المالية، في اتصال مع بي بي سي “أن المستهلك النهائي سيشعر بأثر رفع الأسعار الناتج عن تمرير الزيادة في تكلفة انتاج السلع خاصة تلك التي تتطلب استهلاكا كثيفا للطاقة الكهربائية.
لماذا لجأت الحكومة المصرية للزيادة؟
تأتي الزيادات الجديدة في أسعار الكهرباء كجزء من شروط فرضها صندوق النقد الدولي لاستكمال منح مصر قرض بـ 8 مليارات دولار، حسبما ذكر الصندوق في بيان أعلن فيه الانتهاء من المراجعة الثالثة للقرض في يوليو/ تموز الماضي. وقال الصندوق: “استعادة أسعار الطاقة إلى مستويات رفع الدعم عنها ، بما في ذلك أسعار الوقود بحلول ديسمبر/ كانون الأول 2025، أمر ضروري لدعم التوفير السلس للطاقة للسكان والحد من الاختلالات في القطاع”.
وأشار رئيس الوزراء المصري أن السبب في الزيادة الجديدة يأتي لسد الفجوة في فاتورة الوقود التي تتحملها الحكومة لتشغيل محطات الكهرباء.
يشرح عبد اللطيف وهبة المتخصص في الشأن الاقتصادي لبي بي سي أسباب رفع أسعار الكهرباء: “القرار ليس بيد وزارة الكهرباء أو الحكومة، ولكنها قرارات فرضتها الأوضاع الاقتصادية سواء في مصر أو العالم”.
ويحدد وهبة متغيرين رئيسين في تحديد أسعار الكهرباء، الأول هو التغيرات المناخية، “لم يتوقع أحد أن ترتفع درجات الحرارة الى هذه المعدلات وبالتالي زادت معدلات استهلاك الكهرباء، والمتغير الثاني هو خطة مصر المعلنة لإلغاء دعم الكهرباء على مدار 5 سنوات، والتي كان من المفترض أن تنتهي في عام 2019”.
وكان رئيس الوزراء أعلن في نهاية شهر يوليو/ تموز الماضي، “أن الحكومة المصرية وضعت خطة من 4 إلى 5 سنوات لتحرير أسعار الكهرباء، وسيتم فرض زيادات طفيفة على الشرائح التي تشمل 80 في المئة من الشعب المصري”.
أجلت خطة إلغاء دعم الكهرباء كما يقول عبد اللطيف وهبة، “حسابات الحكومة المصرية التي اختلفت لسببين رئيسيين، الأول هو انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الامريكي وما فرضه من أعباء إضافية على الموازنة العامة للدولة”.
والسبب الثاني في رأى وهبة هو “التغير الكبير الذي حدث في طريقة تشغيل محطات الكهرباء المصرية سواء الحكومية أو الخاصة وتحولها من استخدام الوقود التقليدي إلى استخدام الغاز الطبيعي”.
ويتابع وهبة: “اللجوء للغاز كمشغل لمحطات الكهرباء خلق مشكلة بعد تراكم مديونيات الحكومة المصرية لدى الشركات الأجنبية العاملة في مصر لاستخراج الغاز، أصبح لدينا في مصر مشكلة استخراج الغاز الطبيعي وليس مشكلة في الكشف عنه”
وكان رئيس الوزراء أعلن في مارس/ آذار الماضي عن بدء الحكومة سداد مستحقات الشركاء الأجانب العاملين في مشروعات البترول في مصر، بإجمالي نحو 20 في المئة من المتأخرات، وذلك من خلال خطة مجدولة لسداد جميع المتأخرات تباعا خلال الفترة القادمة.
وأعلنت الحكومة المصرية الشهر الماضي، التعاقد على شحنات وقود جديدة، لإنهاء انقطاع التيار الكهربائي خلال فصل الصيف، ضمن ما يُعرف بخطة “تخفيف الأحمال”، مع تزايد الغضب بين المواطنين جراء الانقطاعات المتكررة للكهرباء، خلال فصل الصيف.
ووصل نحو نصف عدد شحنات الغاز، المقدر إجماليها 21 شحنة، والتي تحتاجها مصر لتشغيل محطات الكهرباء.
ويرى وهبة أن استيراد الوقود شكل ضغطا إضافيا على الموازنة المصرية في ظل نقص الموارد الدولارية، بالإضافة إلى زيادة كبيرة في مديونيات وزارة الكهرباء لوزارة البترول المصرية بسبب فارق الدعم في الأسعار”.
يضيف وهبة عنصرا آخر وهو زيادة تكاليف استيراد المواد البترولية والغاز الطبيعي بسبب الأحداث السياسية والحروب في العالم، وهو ما تعاني منه الدول الأوروبية وليس مصر فقط .
ويرى وهبة أن على الحكومة المصرية تحقيق نسب من التوازن بين تكلفة الإنتاج والاستهلاك في الفترات القادمة، ومراقبة أسعار كافة السلع والأسواق في الفترات القادمة حتى لا يحدث ارتفاع في معدلات التضخم.