أخبار العالم

السياقة تحت تأثير السُكر تعيد المطالب بتشديد العقوبات جنائيا في المغرب



هي ليست الأولى ولا الأخيرة تلك السياقة الخطيرة التي يشتبه في تورط فرنسي من أصل مغربي فيها تحت تأثير حالة السكر والتسبب في حادثة سير وصدم مجموعة من المركبات بالشارع العام بمراكش وإصابة ثلاثة دراجين وراجلين اثنين بجروح متفاوتة الخطورة؛ فقبله بشهور فقط تم اعتقال شخص للاشتباه في تورطه في قضية تتعلق بالسكر العلني البين والإيذاء المتعمد بواسطة ناقلة ذات محرك بأكادير.

هذه الحوادث ترصدها أحياناً العين المجردة إثر سياقة متهورة تبدأ عقب مغادرة الملاهي الليلية في أوقات متأخرة من الليل ببعض المدن السياحية المغربية، ولكن النقاش المرتبط بها، حسب ما أوضحته جهات حقوقية وقانونية لهسبريس، يعود إلى كون “القوانين المغربية لا تحقّق الردع الكافي لضمان عدم التكرار وبتر مسببات حالات العود، وذلك من خلال إدراج السكر العلني الذي تصحبه سياقات خطيرة ضمن الجنايات”، مبرزين أنها “صارت بالفعل متكاثرة ومخيفة وتتسبّب في الموت”.

المادة 172 من مدونة السير تنص على أن “كل سائق ثبتت مسؤوليته عن حادثة سير وتسبب، نتيجة هذه الحادثة، بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته لأحد التزامات السلامة أو الحيطة المقررة في هذا القانون أو في النصوص الصادرة لتطبيقه في قتل غير عمدي، يعاقب بالحبس من ثلاثة (3) أشهر إلى خمس (5) سنوات وبغرامة من سبعة آلاف وخمسمائة (7.500) إلى ثلاثين ألف (30.000) درهم”.

وتنص المادة نفسها على أن العقوبة ترفع إلى الضعف “إذا كان الفاعل في حالة سكر أو تحت تأثير الكحول أو تحت تأثير مواد مخدرة (…)”، لكن التساؤل يظل مطروحا عن اختلاف مقتضيات هذه المادة عن الفصل 403 من مجموعة القانون الجنائي المغربي الذي ينص على الإيذاء أو العنف المتعمد المؤدي إلى الموت دون نية إحداثه وعقوبته المحددة بين 10 و20 سنة سجنا نافذا، وكذلك عن الفصل 137 الذي ينص على أن “السكر (…) تعاطي مواد مخدرة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعدم المسؤولية أو ينقصها”.

تقويض للحقّ

عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، قال: “هناك نقاش مجتمعي واسع حول القيادة في حالة سكر، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، يعكس حاجة ملحة لضمان سلامة المواطنين وحماية الحق في الحياة”، مشيرا إلى أن “القيادة تحت تأثير الكحول عمل مشين وخطير جدا ليس فقط على السائق نفسه بل على المواطنين، راجلين كانوا أو مستعملي الطريق”.

ومن هنا، شدد الخضري، في حديثه لهسبريس، على أنه يتفهم المطالبة برفع العقوبات وتكييفها لتشمل عقوبات جنائية في الحالات التي يكون فيها الخطر مضاعفًا، مثل القيادة المتهورة، خاصة بعد الخروج من الحانات في وقت متأخر من الليل، أو القيادة الاستعراضية التي يقوم بها بعض المراهقين في حالة ثمالة لاستعراض مهاراتهم في الشارع العام أو إثارة الانتباه.

ولفت المتحدث إلى سياق مراجعة قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي المغربي، الذي يستوجب التأكيد على أنه “لا بد من الأخذ بعين الاعتبار هذه المطالب لتوفير ردع كافٍ لمن يستهينون بسلامة الآخرين عبر القيادة تحت تأثير الكحول”، معتبراً “العقوبات الثقيلة وسيلة فعالة للحد من هذه الظاهرة، إذ إنها ترسل رسالة واضحة بأن المجتمع والقانون لا ينبغي أن يتسامحا مع مثل هذه السلوكيات الخطيرة والمستهترة بأرواح الأبرياء”.

وبالإضافة إلى ذلك، أشار الفاعل الحقوقي إلى أنه “يجب أن تكون هناك جهود متكاملة تشمل التوعية والتحسيس بمخاطر القيادة تحت تأثير الكحول، عبر حملات موجهة، مع زيادة الرقابة والتطبيق الصارم للقوانين، والأخذ في الاعتبار تكييف العقوبات بناءً على مستوى الخطر الناتج عن السلوكيات المرورية الخطيرة”، مبرزاً أن “هذه الخطوات يمكن أن تسهم في تعزيز ثقافة احترام القانون وضمان سلامة الجميع على الطرقات”.

وشدد رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان على وجوب “التصدي لأصحاب النفوذ الذين يسعون للتغطية على أبنائهم وأقاربهم الذين يتم ضبطهم يقودون مركباتهم في حالة سكر وبشكل يعرض حياة الناس للخطر، ويبذلون قصارى جهودهم لحمايتهم من القانون ومن العقوبات، وهذا سلوك يجب ردعه وفضحه لأنه تسبب في كثير من الآلام والمآسي لأبرياء”.

تكييف فعل جنائي

محمد ألمو، محام بهيئة الرباط، قال إن “كثرة هذه الأحداث في الواقع تستدعي إعادة النظر في المقتضيات القانونية المؤطّرة للسياقة في حالة سكر”، مسجلاً أن “الحالات أصبحت كثيرة، وهناك من يشرب الكحول إلى درجة فقدان القدرة على التحكم في المركبة ويمكن أن يرتكب مجزرة حقيقية في هذه الحالة، ثمّ تتم متابعته بالسكر العلني وبمقتضيات مدونة السير من خلال خصم بعض النقط من رخصة السياقة والسجن لمدة قصيرة”.

وضمن تصريحه لهسبريس، شدد ألمو على أن “هذه الحالات المتواترة صارت تقتضي وضعها ضمن الجنايات، لأن القصد الجنائي الافتراضي والاحتمالي يتحقق بمجرد ركوب سيارة في وضعية سكر”، مضيفاً أن “التعديلات التي يخضع لها القانون الجنائي المغربي يجب أن تضمن مقتضيات قانونية زجرية قادرة على تحقيق الردع العام والخاص لتجاوز العقوبات المخففة وجعل السياقة في حالة سكر فعلا خطيرا يستدعي عقوبات مشددة مع إمكانية تكييف الأفعال التي يتسبب فيها السكر جنائيا”.

وقال الفاعل القانوني إن ما يمنح هذه المطالب “مصداقية” هو أن “الأمر يتعلق بأرواح المواطنين وبحقهم في السلامة النفسية والجسدية، والواقع العملي بين لنا أن هناك من لم يلتزم بالقواعد لكونه يشعر بأن المقتضيات الحالية غير رادعة كأن يظل لساعات رهن تدابير الحراسة النظرية مثلاً أو تغريمه، إلخ، وهو ما يحتاج نظرة مختلفة لهذا الموضوع لكونه أصبح أكثر خطورة مما كان عليه في السابق”.

وأبرز المتحدث أن “عددا من الناس مازالوا ينظرون إلى السياقة في حالة سكر كمسألة جد عادية على الرغم من إمكانية أن تنهي حياة طفل أو رجل مسن أو رب أسرة فيتسبب سلوك متهور في مأساة مجتمعية حقيقية قد تكون لها تبعات أخرى”، خالصاً إلى أن “القوانين المغربية الجنائية لا بدّ أن تضع وضعاً جنائيّا خاصّا تحصّن به المجتمع وتحمي أفراده من السلوكيات غير محسوبة العواقب التي يقوم بها شخص ثمل قد تجده يتجول بعربته في ممر الراجلين وقد يتسبب لأطفال في عاهات مستديمة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى