مؤلف يستغور وحدة اليسار بالمغرب
صدر عن منشورات اليسار الديمقراطي كتيب يجمع عددا من المقالات التحليلية التنظيرية ضمن قضايا سياسية، جاء موسوما بـ”وحدة اليسار في المغرب..لماذا وكيف؟”.
وحسب معطيات عن الإصدار الجديد فإن المقالات تتناول الوضع السياسي المغربي في راهنيته وتفاعله مع التحولات التي طالت العالم على الصعيدين الحكومي والشعبي، ولحقت أيضا النظم الاقتصادية والسياسية بمختلف مقارباتها وأطروحاتها.
وذكرت معطيات الكتاب أن مقاربات اليسار الجديد بالمغرب تنطلق من منظور المنظومة الفكرية المستندة إلى إيديولوجية محض اشتراكية، لافتة إلى أنه “رغم تأثر الفكر الاشتراكي عالميا تأثرا عميقا برياح الليبرالية وقيم النظام العالمي الجديد (العولمة، انتشار وسائل الاتصال الحديثة والمتطورة) التي زحزحت العديد من القناعات القائمة على التحليل الأرثودوكسي والنظرة المعيارية للتاريخ والثقافة والإنسان، فإن اليسار المغربي ظل يراوح مكانه ويقول بتمجيد الأطروحات الماركسية واعتبارها الإطار الأنسب للاشتغال الحزبي والممارسة السياسية، بل مازال هناك من يعتبر البديل الديمقراطي هو تطبيق الاشتراكية وإشاعة قيم وثقافة اليسار”.
وتلخص الكلمة التي جاءت على غلاف الكتاب مضامين أطروحة اليسار: “…إن اليسار اليوم مطالب باستئناف الثورة الثقافية لتأصيل ثقافة سياسية ديمقراطية في الحقل السياسي، وإخراجه من النقاشات التي لا يتحكم في مصيرها (لأنه لا يحتضنها) وفي كل الأحوال تبقى حبيسة الجزئيات ولا ترقى إلى مستوى التعاطي مع الأسئلة الكبرى التي تفرض بإلحاح أجوبة عنها، وفي ضوئها تتحدد كيفيات التعاطي مع الظرفية، ويتحدد برنامج المرحلة”.
وورد ضمن المعطيات ذاتها أن المقالات المتضمنة في هذا المؤلف الجماعي “تنخرط في إطار الاختيارات النظرية التي يراهن عليها اليسار، في محاولة منه لملمة صفوفه وتجميع جهوده، وذلك عبر طرح الأسئلة ومناقشة القضايا التي يعنى بها مناضلو اليسار على اختلاف مواقعهم وحساسياتهم الإيديولوجية”، موردة: “إذا كانت جل الأصوات في اليسار واليسار الجديد تحديدا ترفع شعار ‘من أجل تأصيل ثقافة سياسية ديمقراطية’ فإن اليسار المغربي بالأمس (السبعينيات)، الممثل في حزب التحرر والاشتراكية (الحزب الشيوعي المغربي سابقا)، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (الحزب الذي قاد حكومة التناوب التوافقي برئاسة عبد الرحمان اليوسفي)، كان سباقا إلى رفع شعار ‘تأصيل الوعي الديمقراطي’، وهو شعار كما نلاحظ نفس التصور، مع تعديل طفيف في الصيغة والتعبير”.
وفي هذا السياق تسلط مقدمة الكتاب الأضواء على أهمية النظرية في الممارسة السياسية (جدلية النظرية والتطبيق)، وهي أطروحة ماركسية لينينية، تتضمن جملة من المقولات المؤسسة للإطار النظري لليسار، من قبيل اليسار الجديد والديمقراطية والاشتراكية وسواها، فضلا عن عدد من المقالات التي تستعرض مراحل التشكل التاريخي للمجتمع المغربي؛ وذلك في تبنينه وسيرورته داخل المجالات الجغرافية، والهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وتعتمد جل المقاربات التي سلكها المؤلفون في تناولهم الأوضاع المغربية على اختلاف مستوياتها ومشاربها على التقطيع السوسيولوجي، بحيث يعرض الكتيب ضمن ما يعرض له معطيات تاريخية، متسائلا عن طبيعة وفرضية المشروع المجتمعي الذي يحتمل أن ينهض بالمغرب وتدب في أوصاله الحياة؛ وذلك في تفاعل تام مع المحيط السياسي والواقع التاريخي في تقاطع مع “دولة المخزن”، والمجتمعين المدني والسياسي، ومع الذات المتمثلة في مختلف التجارب الحزبية، المؤدية، حسب مؤلفي هذه المقالات، إلى الفشل والتقوقع على الذات، والدخول في صراعات سياسوية وفئوية .
كما ينتقل المؤلف إلى طرح سؤال أنطولوجي، يعنى بوجود اليسار وعما إذا كان هذا الوجود بنيويا أملته ضرورات موضوعية وذاتية أم ظرفية؛ كما يظهر سعيه إلى بسط الطرق والوسائل التي يراها ناجعة في جعل اليسار متميزا في أهدافه وأسلوبه العملي.
وفي هذا الصدد يطرح الكتاب سؤالا حول النظام السياسي بالمغرب، بحيث يعتبر المجتمع المغربي أمم الملكية بعدما كانت مخصوصة. ونقرأ في هذا الباب ما خطه الكتيب: “…والتجسيد الأساس لهذا التصالح يتمثل جوهريا في الانتقال من الواقع التاريخي القائم على خوصصة الملكية للمجتمع إلى واقع تاريخي أرقى يتمثل في تأميم المجتمع لها”.
وبخصوص تناوله مسألة الوحدة الترابية للمملكة يرى المؤلف أن “الحل الأمثل لقضية الصحراء هو الحل الديمقراطي الوطني الذي يسهم في بناء فضاء مغاربي حداثي ومندمج”، وزاد: “يقدم اليسار الجديد على لسان المؤلف نقدا ذاتيا لما ارتكبه من أخطاء في تجربته، ولاسيما حيال موضوع الصحراء، رغم رفعه شعار ‘تقرير المصير’ في زمن ماض”، مشيرا إلى أنه في “الوقت الحالي وبحكم توافر معطيات جديدة إقليميا ودوليا، وبحكم التغييرات التي شملت حركات التحرر في العالم، أصبح اليسار المغربي الجديد ينظر إلى الصحراء كقضية وطنية”. ونقرأ في هذا الصدد ما خطه الكتاب: “خلاصة القول إن اليسار الجديد مطالب بتجاوز حساسية الماضي بكل ما يتطلبه الأمر من جرأة وصرامة، سواء إزاء أخطائه أو أخطاء الآخرين”.
ويدعو اليسار الجديد من خلال أطروحته إلى “بناء المؤسسات وتجسيد الإرادة الشعبية، وذلك في إطار تصور سياسي إيديولوجي يحدد معالمه في العلاقة بثقافة ومنظومة الفكر الحقوقي، والاختلاف والتعدد الاجتماعيين والسياسيين والاثنيين (الفكر المتعدد)، والحق في حرية الاختيار والتعبير، إلى جانب نبذ العنف وحرية المعتقد”.
ويخلص الكتاب إلى تقديم مشروع التصور السياسي المشترك بين فصائل اليسار الجديد، كما يبسط نظرته للقضايا الكبرى دوليا وعربيا ووطنيا، ويركز بوجه خاص على المسألة الدستورية (فصل السلط فصلا حقيقيا)، باعتبارها مدخلا لبناء دولة الحق والقانون. وفضلا عن هذا ينص المشروع المشترك على قضايا أخرى مثل حقوق الإنسان والاقتصاد والإدارة وقطاع الخدمات، والمسألة التعليمية والبيئة، وسواها من القضايا الشائكة والمصيرية.