أخبار العالم

لكريني يستعرض الردع والإدماج ضمن التجربة المغربية في مكافحة الإرهاب



قال الدكتور إدريس لكريني، أستاذ جامعي رئيس منظمة العمل المغاربي، إن “المغرب راكم إستراتيجية مهمة على مستوى التعاطي مع الإرهاب”، موضحا أن “التجربة المغربية تقوم على التعامل مع الظاهرة بمنظور شمولي يستحضر العوامل المختلفة التي تغذي التطرف والإرهاب، بأبعادها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية… ضمن مقاربة توازن بين المداخل الوقائية والزجرية”.

واستعرض لكريني، في مقال له بعنوان “مكافحة الإرهاب بالمغرب بين الردع والإدماج”، مجموعة من التدابير التي اعتمدها المغرب في التعاطي مع الإرهاب، مؤكدا في الوقت ذاته أن “هذه التجربة تظل بحاجة إلى مزيد من المواكبة، وإلى توخّي تشاركية تدعم تحقيق الأهداف المرسومة والمنتظرة، عبر انخراط الإعلام والمؤسسات التعليمية وهيئات المجتمع المدني والمقاولات”.

نص المقال:

أصبح التطرف والإرهاب من بين أكبر المعضلات التي تواجه دول العالم، بالنظر إلى انعكاساتهما على السلم والأمن الدوليين، فرغم الجهود الوطنية والدولية المبذولة لمكافحة الظاهرتين فإن خطرهما مازال قائما، بالنظر إلى تزايد عدد الجماعات المسلحة التي تتبنى العنف لتحقيق أهدافها، وانتشارها على امتداد مناطق مختلفة من العالم.

لقد طوّرت هذه الجماعات أساليب عملها مستثمرة في ذلك تطور وسائل الاتصال الحديثة وشبكة الإنترنت، كما استغلت عددا من بؤر التوتر المنتشرة على امتداد مناطق مختلفة من العالم لأجل بلورة وتنفيذ مخططاتها، واستقطاب عدد من الأعضاء الجدد لصفوفها.

إن تنامي المخاطر والتهديدات التي يخلّفها الإرهاب يطرح أكثر من سؤال حول سبل المواجهة، ومدى نجاعة التدابير المبذولة في السياقات الوطنية والدولية؛ ذلك أنه منذ أحداث 11 سبتمبر لعام 2001، التي شكّلت محطة صعبة وغير مسبوقة، برز حجم الخطورة التي أصبح يشكلها الإرهاب على السلم والأمن الدوليين، إذ قامت الولايات المتحدة الأمريكية باعتماد مجموعة من التدابير والإجراءات، فيما تم إصدار عدد من القرارات من داخل مجلس الأمن حول الموضوع، علاوة على عقد الكثير من المعاهدات والاتفاقيات واللقاءات على المستويات الإقليمية والدولية التي تروم تضييق الخناق على الإرهاب.غير أن ذلك لم يكن بالنجاعة المطلوبة، إذ استمر الإرهاب في الانتشار. ويبدو أن السبب يعود في جزء كبير منه إلى وجود قصور على مستوى الآليات المعتمدة في مواجهة الظاهرة، فقد طغت المقاربة الزجرية والبعدية المبنية على رد الفعل؛ والواقع أن مكافحة الإرهاب والتطرف تقتضي إرساء سبل إستراتيجية ومستدامة، تقف على مختلف العوامل المغذية للظاهرة، قبل معالجتها بصورة شمولية تتدرج بين الطرق الوقائية والزجرية.

لا يمكن إنكار المبادرات الهامة التي اتخذتها العديد من الدول في هذا الخصوص، التي كان لها الأثر الكبير في الحدّ من خطر هذه الآفة التي لم تستثن أي دولة أو مجتمع. وقد استأثر التعامل مع الجوانب النفسية والتربوية للإرهاب والتطرف بأهمية كبيرة ضمن المداخل التي اعتمدتها مجموعة من الدول، وتأكّدت مع مرور الوقت أهميتها ونجاعتها في مكافحة الآفتين.

وفي هذا السياق راكم المغرب إستراتيجية مهمة على مستوى التعاطي مع الإرهاب، منذ الأحداث العنيفة التي شهدتها مدينة الدار البيضاء بتاريخ 16 مايو من عام 2003. وتقوم التجربة المغربية على التعامل مع الظاهرة بمنظور شمولي يستحضر العوامل المختلفة التي تغذي التطرف والإرهاب بأبعادها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، ضمن مقاربة توازن بين المداخل الوقائية والزجرية.

فعلاوة على الانخراط ضمن الجهود الإقليمية والتعاون الدوليفي هذا الشأن، حرص المغرب على إصدار قانون يتعلق بمكافحة الإرهاب، كما قام بتعديل مجموعة من النصوص التشريعية في سياق مواكبة المخاطر التي أصبحت تطرحها الظاهرة، وبخاصة على مستوى تجريم الالتحاق ببؤر التوتر، والإشادة بالإرهاب، وتوظيف تكنولوجيا الاتصال الحديثة في هذا الخصوص. فيما تمّت مراجعة الكثير من البرامج التعليمية باتجاه تعزيز قيم المواطنة والحوار والتسامح ونبذ التطرف والتعصب، كما أعيد النظر في تدبير الشأن الديني من حيث تأطير وتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، وتحسين أحوالهم الاجتماعية، وتنظيم تدبير شؤون المساجد، وإعادة هيكلة التعليم الديني، والتأكيد على الثوابت الدينية للدولة، المبنية على الوسطية والاعتدال.

كما سعى البلد أيضا إلى اعتماد برامج ساهمت إلى حد ما في تأهيل عدد من المناطق القروية والأحياء الفقيرة داخل المدن، إلى جانب الجهود الردعية التي تمحورت حول تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية، ومحاكمة المتورطين في جرائم إرهابية، إضافة إلى اعتماد برامج توعوية وتأطيرية تنحو إلى الدفع بهؤلاء نحو مراجعة أفكارهم وتنوير عقولهم.

وفي هذا السياق أطلقت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بشراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان عام 2017، برنامج “مصالحة”، الذي يقوم أساسا على مكافحة التطرف والعنف، من خلال إطلاق برامج تكوينية مختلفة تستهدف السجناء المتورطين في ارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب والتطرف، يسهر عليها خبراء ومختصون في المجالات التربوية والدينية والقانونية والحقوقية والاقتصادية، على سبيل إرساء تربية دينية واعية، تقوم على فهم سليم ومنفتح للدين، وعلى ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، واستيعاب تطور المجتمع، مع المواكبة النفسية للمعنيين.

وينسجم برنامج “مصالحة” مع الأهداف المفترضة التي ينبغي أن تستأثر بها المؤسسات السجنية، ليس فقط على مستوى وظيفة الردع وحفظ الأمن والنظام العام ومحاربة الجريمة داخل المجتمع فقط، بل وبتحويلها إلى فضاءات للتربية على المواطنة وحقوق الإنسان، ودفع المعنيين إلى نشر ما يتلقونه من أفكار ومعطيات ومعلومات في محيطهم.

ويقوم البرنامج في جزء أساسي منه على تحقيق مجموعة من الرهانات التي تدعم إعلاء مكانة العقل والتفكير السليم، وتصحيح الالتباسات والمغالطات المتعلقة بعدد من المفاهيم، وترسيخ التعايش داخل المجتمع بكل مكوناته وتنوعه، في إطار من الحوار وتدبير الاختلافات بشكل سلمي، فالأمر يتعلق بمصالحة مع الذات، ومصالحة من النصوص الدينية، وأخرى مع المجتمع، بالشكل الذي يمكّن المستهدف نفسه من إعمال مراجعات تتيح له الاندماج بسلاسة داخل المجتمع بعد الإفراج عنه.

ويمثل البرنامج تجربة مهمة تعكس انخراط الدولة في مكافحة الظاهرة في إطار من الحوكمة التي توازن بين البعدين الزجري والإنساني. وتبرز المعطيات الإحصائية أن هناك تزايدا في نسبة المعتقلين “الإسلاميين” الذين استفادوا من هذا البرنامج، وكذا ارتفاع عدد المفرج عنهم أو المخفف من عقوباتهم في هذا السياق، من خلال العفو الملكي.

ورغم أهميتها، تظل هذه التجربة بحاجة إلى مزيد من المواكبة، وإلى توخّي تشاركية تدعم تحقيق الأهداف المرسومة والمنتظرة، عبر انخراط الإعلام والمؤسسات التعليمية وهيئات المجتمع المدني والمقاولات، وبخاصة على مستوى المساهمة في الحد من التطرف داخل المجتمع من جهة، وتمكين المستفيدين من البرنامج من الاندماج بكل يسر داخل المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى