أخبار العالم

الشروع في الكتابة “عذاب ذو متعة” .. ورواياتي بحوث معمقة


نفى الروائي الأردني أيمن العتوم وجود شخص “يكتب منفردا عن العالم، أو مستقلا بخيال خاص، أو خروجا عن مسيرة قد بدأت قبله”؛ لأن هناك امتدادات.

وأضاف العتوم، الذي حضر ضيفا ضمن محور “تجارب أدبية جديدة” على هامش الدورة الثامنة عشرة لمهرجان “ثويزا” الثقافي، أن “البصمة الخاصة” مسألة أساسية لكل كاتب (…) كما كشف أنه يكتب أكثر من 42 عاما، أي منذ 1982؛ غير أنه لم يدخل غمار نشر ما يكتب إلا سنة 2012، بمعنى تفصله بين اليوم وبين أول مسودة 12 حولا كاملا.

وشدد الروائي ذاته على أنه “ليس لديه طقس واحد في الكتابة”. وزاد: “أنا متقلب المزاج دائما. ما يميز طقسي هو انضباط فوضاه؛ الفوضى الخلاقة كما يقولون. وهناك أنواع متعددة من العذابات التي أعاني منها حتى تسقط ثمرة الكتابة ناضجة؛ عذابات في مستويات هرمية”.

ووصف صاحب “كلمة الله” اختيار فكرة الرواية بـ”العذاب”، لافتا إلى أن “الاستعداد النفسي للكتابة عذاب، والشروع فيها عذاب، واختيار عنوان العمل عذاب، والخروج منه، بإنهائه بأية طريقة كانت، عذاب”، مستدركا: “هذا العذاب له وجه آخر من المتعة، فلولا أنني أستمتع بما أكتب لما اجترحت هذا العذاب طيلة هذه العقود الأربعة. أذرع البيت جيئة وذهابا إذا صادتني الفكرة”.

وتابع الروائي وهو يخاطب جملة من الكتّاب المغاربة المنخرطين حديثا في نادي الكتابة، قائلا: “أنا أكتب في الصمت؛ وما أكتبه في الصمت يأتي شاعريا سلسا عذبا” مسجلا أنه “إذا اضطر إلى الكتابة في الصخب، ستأتي كتابته على شاكلة هذا الصخب. فغالبا ما ينتهي الحال بإحدى الشخصيات في هذا الجو إلى الموت أو إلى الانتحار”.

وأضاف: “لكل رواية عندي دفتر؛ 20 رواية بـ20 دفترا حتى الآن؛ التخطيط الأولي لسير الأحداث مهم جدا عندي”.

وتحدث ضيف “ثويزا” عن اختيار المكان بدوره، الذي قال عنه: “غالبا ما أزوره أو أمكث فيه زمنا يتيح لتفاصيله أن تتغلغل في روحي. وإذا كان المكان مستحيلا مثل سجن جلبوع الذي كتبت عنه إحدى روايتي، فإنني لا أغامر بوصفه قبل أن ألتقي شخصا عاش بين جدرانه خمس سنوات على الأقل”، مؤكدا أن المشهديات عنده “مقدمة على الأسلوب؛ واللغة أداة الوصف الحية”، وزاد: “الخطة الأولية عندي مقدسة، ولكن التغيير في بعض تفاصيلها قد يحدث لأقل سبب”.

وتابع شارحا: “سيرورة الأحداث تتغير؛ وأنا أملك زمام الأحداث لأسيرها كيف أشاء ولكنها أحيانا في غفلة مني أرى أن هذه الأحداث هي التي تملك زمامي؛ في تلك اللحظة تصرفني في غير درب، ولكن الدروب لا تطول، واليقظة لا تلبث أن تصحو”.

وأفاد: “أنا وصاف في رواياتي؛ أتدرب على الوصف يوميا؛ آخذ في كل يوم مشهدا من حياة الناس وأقوم بوصفه؛ خروج الناس من محطة المترو مثلا (…) أو إشارة مرور تقف عندها عشرات السيارات تحمل وجوها لا تتفق في شيء”.

واعترف الروائي، الذي حرر “حديث الجنود”، بأن “التحدي الأكبر الذي يواجهني هو تحويل الحرف إلى عدسة، وهو أن أجعل القارئ لتلك الحروف يستعيد ذلك المشهد كأنه ماثل أمامه كأنه يراه بأم عينيه لا يقرأه بلسانه. فإذا نجحت في أن أدخل القارئ في سينمائية الحرف فتلك غاية لا أنفك أسعى إليها”.

وقال: “رواياتي أغلبها بحوث معمقة، أقوم بجهد مضن في البحث من أجل أن أحترم عملي. أدرك أن العمل إذا صار بين يدي القارئ فإن ملكيتي له تنتهي ويصبح ملكا للقارئ والناقد معا. ولذا، لا أقدم على الكتابة حتى أستوفي جوانب الموضوع الذي أكتب فيه”، موضحا أنه في رواية أرض الله (…) اضطر بالإضافة إلى الحصول على مذكرات البطل أن يقرأ عن تاريخ العبودية منذ الرومان إلى اليوم، وأن يقرأ عن تاريخ نشوء أمريكا، وعن مزارع القصب والتبغ والذرة وظروف العمل فيها.

وشدد على أن “هذا الجهد يأخذ منه شهورا متواصلة من التنقيب والبحث وأكثر من عشر ساعات للقراءة في اليوم الواحد”، وزاد: “هذا ما أتخذه نهجا لمعظم رواياتي؛ التاريخية منها على وجه الخصوص. ولا يمكن أن تكون كاتبا ناجحا دون بعض المؤهلات، وأولها القراءة العميقة والمستمرة؛ فلولا أنني أقرأ ما لا يقل عن مائة صفحة في اليوم لما كان استمراري في الكتابة شيئا ممكنا”.

وتحدث كاتب “طريق جهنم” عن “إعادة إنتاج ما تقرأ؛ ويتم ذلك بتدارس المقروء ومناقشته مع آخرين أيا كانوا، ثم تلخيصه ثم حفظ ما أعجبك منه”، منتقلا إلى ضرورة “وضوح الهدف والوسيلة التي توصل إليه، بالإضافة إلى القابلية للإبداع، وهو صوت داخلي يقود عنان الحرف، فضلا عن الانضباط الداخلي”. لذلك، قال العتوم بطنجة: “لا شيء يصنعه العبث، ولولا أن تكون خطة لما كان نص. والأمر يتطلب الصبر الدقيق، فكل شيء يحتاج إلى وقت، ولا حرمان إلا عن استعجال، وهو ما يستدعي العناد، فإن غاية سامية لن تصل إليها دون عناد، ولسوف تنكسر في الطريق ألف مرة قبل أن تبلغها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى