لقاء يقدم “الأرض الموبوءة” بطنجة
شهد مسرح رياض السلطان بمدينة طنجة، نهاية الأسبوع الماضي، لقاء فنيا ونقديا لتقديم وتوقيع ديوان “الأرض الموبوءة” للشاعر المغربي مخلص الصغير.
وعرف الحفل مشاركة الفنان حمد الله رويشة الذي عزف على آلة الوتر الإيقاعَ المغربي الأمازيغي، فيما أبدع في إخراج الحفل الفنان المسرحي المغربي الزبير بن بوشتى، مدير مسرح رياض السلطان، بينما قدم الناقد نجيب العوفي دراسة في ديوان “الأرض الموبوءة” لمخلص الصغير، الذي اختتم اللقاء بقراءات شعرية من ديوانه الجديد.
وأكدت زهور أمهاوش، المديرة الجهوية لوزارة الثقافة بجهة طنجة تطوان الحسيمة، في كلمتها الافتتاحية، أن “هذا اللقاء شكل فرصة للقاء بواحد من أهم الأصوات الشعرية المغربية والعربية الراهنة، الشاعر مخلص الصغير، كما شكل فرصة للاحتفاء بديوانه الصادر حديثا عن دار نشر عريقةٍ هي المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، في حين شَكَّلَ صدورُ الديوان حَدَثاً ثقافيا عربيا، واستهل سلسلة الإصدارات التي جرى توقيعها في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط في دورته الأخيرة”.
وأضافت أمهاوش أنه “ليس غريبا أن تحتضن مدينة طنجة حفلَ تقديمِ وتوقيعِ ديوان الشاعر مخلص الصغير، وهو ابن هذه الجهة، أولا، حيث ينتمي إلى أسرة وثقافة أندلسية استقرت ما بين تطوان وطنجة، كما أن الانطلاقة الشعرية الحقيقية لهذا الشاعر إنما كانت من هنا، من مدينة طنجة، منتصف تسعينيات القرن الماضي، حين فاز بالجائزة الوطنية للشعراء الشباب. وقبل ذلك، استمع المغاربة إلى شعره لأول مرة عبر أثير إذاعة طنجة، يوم كان طالبا جامعيا يتوافد الطلبة من مختلف مناطق الجهة من أجل الإنصات إلى قصائده في مدرجات الجامعة المغربية”.
ومن جانبه، اعتبر الناقد المغربي نجب العوفي الديوان محفلا شعريا، وقال إن “بهجته لا تكتمل، ونغمته لا تستوي، إلا بقارئ ذواق لعذب الكلام وجيده يكون على بينة من بعض الشيفرات السرية والنصوص الغائبة، وهما السمتان الأساسيتان المهيمنتان على نصوص ‘الأرض الموبوءة’، بما يعني أن هذه النصوص تعقد وفاقا إبداعيا بين الشعري والثقافي، وهي المعادلة الصعبة التي تغيب أو تكاد عن نصوصنا الكاثرة الماطرة – ما بعد الحداثية، الهائمة في براري اللغو الشعري، والملامة هنا صافية النية”.
وتوقف العوفي عند العتبة -العنوان “الأرض الموبوءة” وقال إنه “يتناص مع رائعة ‘إليوت’ وملحمته ‘الأرض الخراب’، التي كتبها سنة 1922، وهي القصيدة التي وصف فيها بجرأة إبداعية رسولية الخرابَ الروحي والإنساني لحضارة الغرب، وتنبأ فيها بسوء المصير، وها هو أحد قرائه في عشرينيات القرن الحادي والعشرين مخلص الصغير يلتقط الشيفرة الإيليوتية ليكتب ‘الأرض الموبوءة’، بعد أن تكالب الغرب الأرعن المتصهين خصيم إليوت والعالم، من جديد، على الشرق وعاث فيه خرابا ويبابا”.
وأكّد نجيب العوفي أن “أجمل قصائد الأرض ليست محصورة فحسب في مباهج الأرض ومباذلها، بل إن أبلغ وأجمل قصائد الأرض أيضا ما انبجس من أنين وحنين الأرض، وعلى غرار ‘الأرض الخراب’ لإليوت، تبدو ‘الأرض الموبوءة’ لمخلص الصغير مرثية شجية، أو مراث شجية للوقت العربي الرديء – القميء”.
وإذا كانت قصائد الأرض الموبوءة قد كتبت خلال العشرين سنة الماضية، فإن “هذه العشرينية الأولى من الألفية الثالثة”، يقول العوفي: “كانت من أعوص وأقسى الفترات التاريخية وأشدها احتقانا ووبالا؛ ففي هذه العشرينية اهتزت الأرض ومادت وهاجت فيها زلازل وبراكين وأعاصير، وصحت مشدوهة على جوائح وقتية غريبة ما خطرت بذهن بشر، كان عنوانها الفاقع – الفاجع جائحة كورونا التي حشرت الناس في الأقفاص، وكرثتها حروب واجتياحات عدوانية لم ير لها التاريخ نظيرا، وذروتها وسنامها العدوان على غزة”.
يشار إلى أن نجيب العوفي خلص إلى أن “هذه الأرض الموبوءة بالسعار البشري والاحتباس الحراري واختناق الأوزون الروحي والإنساني لهي في حاجة مدقعة إلى من يعيد الروح للروح، وفي حاجة إلى وخزة الشعر والشعراء، والنُّسخ الرمزية والطفولية للرسل والأنبياء، فهؤلاء هم فتيل الشمعة الصامدة في الأرض الموبوءة/ الخراب”.