الدبلوماسية التضامنية للملك محمد السادس تواكب ضمان النيجر للأمن الطاقي
في استمرار لحضور البعد التضامني والتنموي في السياسة المغربية تجاه دول القارة السمراء، تبرع الملك محمد السادس إلى دولة النيجر بمحطة لتوليد الكهرباء مكونة من تسعة مولدات وبقدرة إنتاجية تبلغ 22.5 ميجاوات؛ فقد أجرت أمادو حواء، وزير الطاقة في حكومة النيجر، رفقة السفير المغربي المعتمد لدى بلادها، زيارة إلى هذه الوحدة الإنتاجية التي انطلقت أشغال بنائها، فيما كشف سفير الرباط لدى نيامي عن وجود مشاريع أخرى مستقبلية في طور الإنجاز، حسب ما أفادت به هيئة البث الإذاعي والتلفزي في هذا البلد الإفريقي.
من جهتهم، يرى مهتمون أن هذه الخطوة المغربية تؤكد التزام المغرب بتطوير البنيات التحتية في النيجر انسجاما مع أهداف المبادرة الأطلسية، كما تؤكد الحضور اللافت للدبلوماسية التضامنية في تعاطي الرباط مع قضايا وهموم الشعوب الإفريقية انطلاقا من الإيمان المغربي الراسخ بضرورة تعزيز الحس التضامني والتعاون بين الدول من أجل مواجهة التحديات المشتركة وإعادة بناء فضاء قاري مستقر بعيدا عن منطق الوصاية أو التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان الذي سبق أن رفضته الملكة في أكثر مناسبة.
“أفرقة” الحلول
قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، إن “هذه المبادرة الملكية تأتي في إطار التزام المغرب التاريخي بقضايا الشعوب الإفريقية من خلال البحث عن أرضية عمل مشتركة وفق رؤية إقليمية بمقاربة إفريقية خالصة قائمة على مواجهة التهديدات والمشاكل بالاعتماد على الحوار الإقليمي الموسع ومتعدد الأطراف الذي يكرس مبدأ “أفرقة” الحلول وفق مقاربات شاملة تنطلق من التنمية المستدامة والأمن المستدام ومركزية دور الإنسان الإفريقي في تحقيق الأهداف المشتركة”.
وأوضح الخبير ذاته أن “انخراط المملكة المغربية في مشروع كهربة النيجر ومشاريع أخرى لدعم جهود التنمية بها ينسجم بشكل كامل مع المقاربة المغربية الشاملة وفقا للرؤية الملكية المرتكزة على دعم الشعوب الإفريقية لمواجهة الأخطار الأمنية عن طريق المزاوجة بين البعد الأمني والتعاون الإقليمي والدولي والعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والحفاظ على الهوية الثقافية والدينية”.
وأشار المصرح لهسبريس إلى أن “المغرب انتقل إلى التنزيل الفعلي لبنود الإستراتيجية الأطلسية لدول الساحل من خلال إطلاق مشاريع هيكلية إقليمية فوق – وطنية بأبعاد تنموية”، موضحا أن “هذه المبادرة الملكية في النيجر تؤكد انخراط المغرب والتزامه بتطوير البنية التحتية التي تلامس الإنسان الإفريقي بشكل مباشر، كما تؤكد على صدق النوايا المغربية تجاه دول الساحل”.
وخلص إلى أن “الدبلوماسية التضامنية تشكل إحدى ركائز العقيدة الدبلوماسية المغربية والسياسة الخارجية للمملكة في إفريقيا، إذ يحضر هذا البعد الإنساني بقوة وبشكل مستدام من خلال العديد من المبادرات الإنسانية كبناء المستشفيات الميدانية والمشاركة في العمليات الأممية لحفظ السلام وتشييد المشاريع التنموية وتوزيع المساعدات الإنسانية العاجلة، على غرار إرسال المغرب لطائرات محملة بمعدات طبية وقائية موجهة إلى 13 دولة إفريقية، من بينها دولة النيجر، إبان جائحة كورونا”.
نهج مغربي متوازن
قال محمد عطيف، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، إن “تبرع المغرب في شخص الملك محمد السادس بهذه المحطة الكهربائية إلى دولة النيجر من أجل ضمان أمنها الطاقي يأتي انسجاما مع المبادرات الأخيرة التي أطلقتها الرباط لفائدة دول الساحل الإفريقي والتي تؤكد من خلالها على أهمية المنهج التعاوني والتشاركي في مواجهة التحديات التي تشهدها هذه الدول، سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو الطاقي أو المناخي”.
وأضاف عطيف، ضمن حديث لـ هسبريس، أن “التزام المغرب بتعزيز وتطوير البنيات التحتية الطاقية في النيجر من خلال مجموعة من الآليات سيساهم بشكل كبير في إعادة بناء الاقتصاد النيجيري وضمان الاستقرار الاجتماعي في هذا البلد باعتبار أن الأمن الطاقي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي والاجتماعي لأية دولة”، مشيرا إلى أن “هذا التوجه المغربي يعكس التزام المملكة بإعادة بناء إفريقيا التي تريدها الشعوب”.
وشدد الباحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي على أن “البعد الإنساني والتضامني حاضر بقوة في السياسة الخارجية المغربية تجاه إفريقيا؛ غير أن ما يميزه هو أن الهدف منه هو تكريس البعد الأخوي والتعاوني في العلاقات ما بين الدول ومساعدة هذه الدول على استغلال قدراتها ومواردها الوطنية لخدمة التنمية المحلية والاستقرار، خاصة في ظل تنامي الفجوات ما بين الاستهلاك والإنتاج في العديد من المجالات، ولا تهدف من ورائه المملكة إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو التأثير على قراراتها السيادية”.
وسجل المتحدث ذاته أن “هذا النهج المغربي المتوازن الذي يؤمن بوحدة التاريخ والجغرافيا ووحدة المصير ما بين دول القارة، تكرس بشكل كبير منذ عودة الرباط إلى الإطار المؤسساتي القاري ممثلا في منظمة الاتحاد الإفريقي”، لافتا إلى أن “ما يعزز ثقة الدول في هذا التوجه المغربي وفي حسن نواياه هو حرص مجموعة من البلدان على الحفاظ على علاقات قوية مع المغرب بالرغم من تغير الخرائط السياسية وأنظمة الحكم في هذه الدول”.