أخبار العالم

الكوفية الفلسطينية تسائل مساحة حرية الطلبة والأساتذة في الجامعة المغربية



أثار رفض عميد كلية العلوم بنمسيك بالدار البيضاء توشيح طالبة متفوقة في حفل أقيم بالمدرسة العليا للتكنولوجيا التابعة لجامعة الحسن الثاني بالمدينة ذاتها، نهاية الأسبوع الماضي، جدلا كبيرا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين انتقدوا تصرف المسؤول الجامعي؛ فيما عبر مكتب الطلبة بالمدرسة ذاتها، في بيان تم تداوله على نطاق واسع، عن استنكاره لهذه الواقعة معتبرا أن الأمر ينطوي على “إهانة” للقيم الأكاديمية والإنسانية التي تقوم عليها المؤسسات التعليمية.

وفي وقت ندد فيه الكثيرون بهذا التصرف الذي اعتبروه “اجتهادا فرديا” لا يجد له أي سند قانوني في القوانين الداخلية للجامعات والمؤسسات التعليمية المغربية التي لا تحظر ذلك، خاصة أن الأمر يتعلق بفضاء عمومي مفتوح، استنكر فيه آخرون مصادرة حق المسؤول الجامعي في التعبير عن مواقف وقناعاته الشخصية إسوة بالطالبة، معتبرين أن ارتداء الرموز الدينية والسياسية في المناسبات العلمية والأكاديمية يفتح الباب أمام “أدلجة” الفضاء الجامعي ويفتح المجال أمام أطراف أخرى لاستغلال هذا الفضاء لتمرير مواقفها والترويج لأطروحاتها ولو ضدا ضد الوحدة الترابية للمغرب.

اجتهاد ورأي عام

قال أوس الرمال، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “الفضاءات العمومية والمؤسّسات الرّسمية تحكمها قوانينها وأنظمتها؛ وبالتّالي فإن عميد المؤسسة الجامعية المعني بهذه الواقعة ليس من حقه أن يفرض أو يمنع أي طالب أو طالبة من ارتداء الكوفية أو أي لباس آخر لا تمنعه القوانين الداخلية للمؤسسات”.

وأوضح الرمال أن ارتداء “الكوفية” لا تمنعه الوزارة الوصية ولا قوانين المؤسسة التي احتضنت الحفل موضوع النقاش، حيث إن “الجامعات والمؤسسات التعليمية في المغرب تؤطرها قوانين داخلية مرتبطة بالهندام ولا يوجد هناك أي مقتضى أو نص يمنع الطلبة من ارتدائها، كما لا يوجد أي نص يعطي للعميد الحق في الرفض أو الامتناع عن تسليم شواهد التخرج للطلبة بهذا المبرر؛ وبالتالي فهذا غلط كان يمكن تحاشي الوقوع فيه بقليل من الذكاء”.

وتفاعلا مع سؤال حول أحقية الجميع في ارتداء الرموز السياسية التي تعكس تصوراتهم ومواقفهم تجاه قضية معينة، قال رئيس حركة التوحيد والإصلاح إن “الجامعة فضاء عمومي ومن يريد أن يحمل معه أي رموز، بما في ذلك علم إسرائيل أو حتى علم انفصاليي البوليساريو، يتحمّل مسؤوليته في إطار القوانين التي تحكم المؤسّسات وفي إطار النقاش الفكري والسياسي الجدي، ويتحمل مسؤوليته أمام الرأي العام الذي يبقى له الحق في الحكم على هذا التصرف أو ذاك”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن “التوجه نحو منع الكوفية أو غيرها من الرموز الأخرى في الفضاءات الجامعية يحتاج إلى تدخل تشريعي وصياغة مشروع قانون بذلك يحال إلى البرلمان، وليس باجتهادات فردية؛ إلا أن المؤسف في ما وقع هو أن تأخذ هذه الواقعة حيزا كبيرا من النقاش العمومي على حساب قضايا أخرى أكثر أهمية، على غرار ملف ضحايا زلزال الحوز واستمرار العدوان والجرائم اليومية المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني في غزة”.

حرية واستغلال

قال يوسف بن الشيخ، ناشط حقوقي، إن “الحق في حرية الرأي والتعبير كما هو منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو حق كوني وغير قابلة للتجزيء، ويشمل حق الشخص في اعتناق الآراء دونما قيد أو مضايقة؛ وبالتالي فإنه من غير المقبول أن لا يتم الاعتراف بهذا الحق للمسؤول الجامعي الذي رفض توشيح الطالبة بمبرر حملها لشعارات سياسية، في حين أن هناك فضاءات خاصة للنقاش الفكري والسياسي ومن داخل الجامعات نفسها”.

وسجل بن الشيخ، ضمن حديث مع هسبريس، أن “المفترض في الأصل أن تبقى الجامعة فضاء مفتوحا على جميع الأفكار؛ ولو أن المناسبة موضوع هذه النازلة هي مناسبة لمناقشة أفكار علمية والاحتفاء بالمتفوقين أكاديميا، وليست مناسبة لارتداء القبعات السياسية أو لتمرير خطابات ومواقف معينة ضد السياسة الخارجية للدولة وضد مواقف بعض مكونات المجتمع المدني التي لها الحق هي الأخرى إذا ما فتحنا هذا الباب من أجل استغلال مثل هذه المناسبات لتمرير مواقف وارتداء رموز تناهض هذه الخطابات”.

واعتبر الناشط الحقوقي أن “الكوفية ترمز إلى صراع عسكري في الشرق الأوسط لا علاقة للجامعة المغربية به، باعتبارها وسطا منفتحا على هموم محيطه السيوسيو-ثقافي”، مشيرا إلى أن “الاعتراف بحق هذه الطالبة في التعبير عن موقفها يفترض بهذا المعنى وبهذا المنطق الذي تبناها المدافعون عن هذا الحق، الاعتراف أيضا للعميد بحقه في الرفض؛ بل وأيضا لجميع الأطراف بما فيها الأطراف الانفصالية بحقها في استغلال الفضاءات العلمية والجامعية من أجل ضرب الوحدة الترابية للمغرب جهارا نهارا”.

وشدد المتحدث ذاته على أن “هذه الحادثة تؤكد وجود أطراف معينة ومعروفة تحاول استغلال جميع المناسبات لتمرير مواقفها وتحاول كذلك إحراج الدولة المغربية في شخص مؤسساتها العمومية، بما في ذلك الجامعة، من أجل فرض تصور معين للصراع في الشرق الأوسط الذي عبرت الدولة المغربية عن مواقفها تجاهها بكل جرأة ومسؤولية”، مشيرا إلى أن “مثل هذه الحوادث تسيء إلى الموضوعية والنزاهة العلمية في الوسط الجامعي، وإلى صورة الجامعة التي تعاني أصلا من أزمات بنيوية؛ من خلال تكريس الأدلجة في الوسط الأكاديمي والجامعي المغربي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى