أخبار العالم

صعود اليمين المتطرف يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي في فرنسا



تشكل الانتخابات الفرنسية هاجسا للعديد من الفرنسيين والدول في المنطقة العربية، ولا سيما الدول المغاربية؛ نظرا لأهميتها في إفراز من سيقرر في الأوضاع الداخلية والسياسات الخارجية لفرنسا، على اعتبار أنها أحد الدول المؤثرة في المنتظم الدولي، ولارتباطها بقضايا تخص الجاليات المسلمة في فرنسا، وقضية الهجرة والاندماج في المجتمع الفرنسي وتشكل الهوية الفرنسية.

للاقتراب أكثر من الموضوع، نضع مجموعة من الأسئلة على محمد واموسي، الإعلامي والخبير في الشؤون الفرنسية والأوروبية.

في هذا الحوار، مع جريدة هسبريس، يرسم واموسي صورة واضحة عن معالم الانتخابات الفرنسية، ويحلل كيف يمكن أن تؤثر هذه الانتخابات في أوضاع الجالية المسلمة في فرنسا، ويفسر كيفية ارتباطها بقضايا داخلية كالبطالة وتردي الوضع الاقتصادي في فرنسا، ويوضح السيناريوهات الممكنة للائتلاف الحكومي في حال تصدر اليمين المتطرف للانتخابات الفرنسية.

ما الذي يجعل هذه الانتخابات الفرنسية تاريخية، حسب تعبير “مراقبين”؟

هناك أسباب عديدة تجعل هذه الانتخابات التشريعية الفرنسية توصف بأنها تاريخية؛ في مقدمتها تغول اليمين المتطرف في بلد يضرب به المثل في قيم التعايش والتنوع العرقي والهجر. فلأول مرة في تاريخ فرنسا، وجد الناخب الفرنسي نفسه بين خيارين متطرفين؛ الأول أقصى اليمين، والثاني أقصى اليسار.

كذلك فرنسا هي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي وواحدة من الدول المؤثرة في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو). لذلك، فإن التغيرات في الحكومة الفرنسية يمكن أن تؤثر على السياسة الخارجية والأمنية الدولية.

وهي واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم، ومن الأعضاء الرئيسيين في مجموعة الدول السبع ومجموعة العشرين. لذلك، فإن السياسات الاقتصادية التي تتبناها الحكومة الفرنسية يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، خاصة في الاتحاد الأوروبي.

فرنسا تلعب دورا رئيسيا في الاتحاد الأوروبي، ونتائج الانتخابات يمكن أن تؤثر على السياسات الأوروبية المتعلقة بالتجارة والهجرة والسياسة النقدية، وغيرها من القضايا المهمة.

كذلك فرنسا تعتبر واحدة من الدول القيادية في المبادرات العالمية لمكافحة التغير المناخي. ومن هنا، نتائج الانتخابات يمكن أن تؤثر على التزامات فرنسا في هذا المجال، مما ينعكس على الجهود الدولية للتعامل مع التغير المناخي.

نتائج الانتخابات قد تعكس توجهات سياسية واجتماعية جديدة يمكن أن تكون مؤشرا على تغيرات مماثلة في بلدان أخرى، خاصة في أوروبا.

كذلك تواجه فرنسا تحديات أمنية كبيرة، ونتائج الانتخابات يمكن أن تؤثر على السياسات المتعلقة بالأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، مما يثير اهتمام الدول الأخرى. أيضا فرنسا لها علاقات دبلوماسية واسعة النطاق، وتأثير الانتخابات على السياسة الخارجية يمكن أن يغير مواقف فرنسا تجاه العديد من القضايا الدولية؛ مثل الصراعات الإقليمية والتجارة الدولية.

وبالتالي، فإن الانتخابات التشريعية في فرنسا ليست مهمة فقط على المستوى الوطني، بل لها تداعيات دولية يمكن أن تؤثر على العديد من القضايا العالمية والمحلية في بلدان أخرى.

لماذا صوّت الفرنسيون لصالح اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية؟

ظاهرة التصويت لصالح اليمين المتطرف في فرنسا تعتبر معقدة ومتعددة الأبعاد. هناك أسباب عديدة وراء هذا الاتجاه؛ من بينها ما يتعلق بالوضع الاقتصادي، حيث يعاني بعض الفرنسيين من البطالة وعدم الاستقرار الاقتصادي، مما يدفعهم إلى البحث عن حلول جديدة والتوجه نحو أحزاب اليمين المتطرف التي تعدهم بتغييرات جذرية وتحسين الأوضاع الاقتصادية.

هناك قضايا الهجرة والأمن التي تشكل هواجس كبيرة للكثير من الفرنسيين، اليمين المتطرف يتبنى غالبا مواقف صارمة تجاه الهجرة ويعِد بتشديد الإجراءات الأمنية؛ مما يجذب الناخبين القلقين من هذه القضايا.

أيضا هناك الشعور بفقدان الهوية الوطنية والثقافية في ظل العولمة والهجرة الذي يمكن أن يدفع البعض إلى الالتفاف حول أحزاب اليمين المتطرف التي تروج للهوية الوطنية التقليدية والقيم الفرنسية الأصيلة.

من بين الأسباب كذلك عدم الرضا عن الأحزاب التقليدية والإحباط من أدائها، وسواء كانت يسارية أو يمينية يمكن أن يدفع الناخبين إلى البحث عن بدائل، واليمين المتطرف يمثل بديلا جديدا بالنسبة للكثيرين.

من بين الأسباب كذلك التي دفعت بالناخب الفرنسي إلى منح صوته لليمين المتطرف التأثير الإعلامي والسياسي؛ فالحملات الإعلامية والخطاب السياسي لليمين المتطرف تكون غالبا مؤثرة وتستطيع استقطاب الناخبين من خلال استخدام لغة بسيطة ومباشرة والتركيز على القضايا التي تهم المواطنين.

وبالطبع، هناك أسباب أخرى مرتبطة بالتوتر الداخلي في البلاد على خلفية الأزمات الاجتماعية؛ مثل احتجاجات السترات الصفراء، وكلها تعكس التوترات الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن تزيد من شعبية اليمين المتطرف.

هذه الأسباب وغيرها ساهمت مجتمعة في تعزيز شعبية اليمين المتطرف في فرنسا، وجعل عدد كبير من الناخبين ينظر إليه كخيار سياسي جاد ومناسب لحل المشاكل التي تواجه البلاد.

هل كانت حرب غزة ورقة انتخابية لليسار الفرنسي في الانتخابات التشريعية الفرنسية؟

حرب غزة لم تكن ورقة انتخابية رئيسية بالنسبة لليسار في الانتخابات الفرنسية، فهذه الأخيرة تركز عادة على القضايا الداخلية مثل: الاقتصاد، البطالة، الهجرة، الأمن، والهوية الوطنية. هذه القضايا تكون غالبا أكثر تأثيرا على الناخبين من القضايا الخارجية.

ومع ذلك، كانت القضايا الخارجية مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي موضوعا للنقاش السياسي؛ لكنها لا تكون عادة العامل الحاسم في الانتخابات الفرنسية.

قد يتطرق السياسيون إلى قضايا دولية لإبراز موقفهم الإنساني أو الدولي، ولكن القضايا المحلية هي التي تحتل الصدارة في حملاتهم الانتخابية.

في الانتخابات الفرنسية، يمكن أن تتأثر النتائج أيضا بأداء الحكومة الحالية ورد فعلها على الأحداث الدولية؛ ولكن التركيز الأساسي يبقى دائما على القضايا الداخلية التي تمس حياة المواطنين اليومية بشكل مباشر.

كيف سيؤثر صعود اليمين المتطرف في أوضاع الجاليات المسلمة في فرنسا؟

صعود اليمين المتطرف في فرنسا يمكن أن تكون له تأثيرات كبيرة على أوضاع الجاليات المسلمة في البلاد. وهذه التأثيرات قد تشمل بالدرجة الأولى سياسات الهجرة واللجوء، حيث يمكن أن يؤدي صعود اليمين المتطرف إلى تبني سياسات أكثر تشددا تجاه الهجرة واللجوء؛ مما قد يجعل من الصعب على المسلمين من الدول الأخرى القدوم إلى فرنسا أو الحصول على إقامة دائمة.

أيضا قد يدفع حكم اليمين المتطرف نحو سياسات تهدف إلى تقليص التعددية الثقافية والتركيز على الاندماج وفق القيم الثقافية الفرنسية التقليدية، مما قد يضع ضغوطا على الجاليات المسلمة للتخلي عن بعض جوانب هويتهم الثقافية والدينية.

كذلك يمكن أن يؤدي الخطاب السياسي لليمين المتطرف إلى زيادة التمييز والعنصرية ضد المسلمين. وبالطبع، إذا ما نجح حكم اليمين المتطرف في تعزيز المواقف العدائية تجاه الإسلام والمسلمين يمكن أن يؤدي الأمر إلى تصاعد حوادث الكراهية والعنف ضدهم.

قد يسعى اليمين المتطرف أيضا إذا ما وصل إلى السلطة إلى فرض قوانين أكثر صرامة بخصوص الرموز الدينية في الأماكن العامة، مثل حظر الحجاب في المدارس والأماكن الحكومية والأماكن العامة؛ وهو ما يمكن أن يقيد حرية المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية.

اليمين المتطرف يبني برامجه على الشعبوية والتخويف من الآخر بدعوى وجود خطر على الأمن الداخلي؛ وبالتالي يمكن أن يؤدي التركيز على الأمن ومحاربة الإرهاب إلى زيادة المراقبة والضوابط على المجتمعات المسلمة، مما قد يؤثر على حياتهم اليومية ويزيد من شعورهم بعدم الثقة في المؤسسات الحكومية، دون إغفال التأثير الاجتماعي والنفسي على الجالية العربية والمسلمة، لأن زيادة الضغوط والتمييز يمكن أن تؤدي إلى مشكلات اجتماعية ونفسية داخل الجاليات المسلمة، مثل الشعور بالعزلة والتهميش والانفصال عن المجتمع الأكبر.

لكن على الرغم من هذه التحديات المحتملة، لا يمكن إغفال وجود جهود من قِبَل منظمات المجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسية الأخرى للدفاع عن حقوق الأقليات وتعزيز التعايش السلمي والتعددية الثقافية في فرنسا.

هل يمكن أن يؤثر تولي اليمين المتطرف السلطة على العلاقات الفرنسية المغربية؟

صعود اليمين المتطرف في فرنسا قد يؤثر على العلاقات الفرنسية المغربية؛ ولكن بشكل طفيف جدا. وحجم هذا التأثير يعتمد على مجموعة متنوعة من العوامل؛ بما في ذلك الدستور الفرنسي الذي يمنح الرئيس صلاحيات مهمة في مجالي السياسة الخارجية والدفاع.

وفقا للدستور الفرنسي، يحتفظ رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة في مجالات السياسة الخارجية والدفاع، حتى لو تولى حزب يميني متطرف معارض للرئيس قيادة الحكومة، فإن الرئيس يحتفظ بحق إدارة العلاقات الدولية لفرنسا.

هذا يعني أن العلاقات الفرنسية المغربية قد تستمر بشكل كبير وفقا للسياسات السابقة ولن تشهد أي تغيير، العلاقات الاقتصادية والتجارية بين فرنسا والمغرب قوية ومتنوعة، المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين تساعد في الحفاظ على استقرار العلاقات، حتى في ظل تغيرات سياسية في فرنسا.

الجالية المغربية الكبيرة في فرنسا تعتبر جسرا مهما بين البلدين؛ وبالتالي فإن السياسات الداخلية التي تؤثر على الجاليات المسلمة يمكن أن تلعب دورا في توجيه العلاقات الثنائية، ولكن قد يسعى الرئيس الفرنسي إلى ضمان ألا تؤثر الحكومة الجديدة على علاقات باريس والرباط.

ثم يجب ألا ننسى أن موقف حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان ورئيسه جوردان بارديلا إيجابي جدا، وقد سبق أن عبرت قيادته في مناسبات عديدة عن احترامها وتقديرها للمغرب وللشعب المغربي ولجلالة الملك محمد السادس.

ألن يؤثر صعود اليمين المتطرف في تنامي العنصرية في أوساط المهاجرين في فرنسا؟

نعم، صعود اليمين المتطرف يمكن أن يؤثر سلبا على تنامي العنصرية في أوساط المهاجرين في فرنسا.

الأحزاب اليمينية المتطرفة تنشر غالبا رسائل تحرض على الكراهية ضد المهاجرين وتروج للعنصرية والتمييز العنصري؛ وهو ما يمكن أن يزيد من التوترات والانقسامات في المجتمع.

كما أنها قد تؤثر على السياسات الحكومية المتعلقة بالهجرة والتنوع الثقافي، مما يعزز من مشاعر الاستياء والعزلة بين المهاجرين ويؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية.

صعود اليمين المتطرف في فرنسا قد يعزز أيضا من التمييز العنصري بشكل مباشر من خلال دعم سياسات تهدف إلى تقييد حقوق المهاجرين وتعزيز الفصل الاجتماعي. هذا النوع من السياسات قد يؤدي إلى انعزال المهاجرين عن المجتمع الأوسع وتعقيد اندماجهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي النشاط السياسي لليمين المتطرف إلى زيادة الأعمال العنصرية والعنف ضد المهاجرين، مما يعزز من مشاعر الخوف والعداء بين الجماعات الاجتماعية المختلفة في البلاد.

كذلك، يمكن أن يؤثر صعود اليمين المتطرف في تقويض الجهود المجتمعية والحكومية لتعزيز التعايش الثقافي والتنوع في فرنسا، فعندما تتبنى الأحزاب اليمينية المتطرفة سياسات تعتمد على التمييز والتفرقة، يمكن أن تقلل من فرص التفاهم والتعاون بين الثقافات المختلفة.

هذا بدوره قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية وزيادة الانعزالية بين المجتمعات، مما يعوق جهود بناء مجتمع متكامل ومتعدد الثقافات في فرنسا.

باختصار، صعود اليمين المتطرف في فرنسا يمكن أن يؤثر حتى على الاستقرار السياسي والاجتماعي للبلاد بشكل عام، فالأحزاب اليمينية المتطرفة تعارض غالبا القيم الديمقراطية وتسعى إلى تقويض المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان.

هذا قد يؤدي إلى زيادة الجدل السياسي والانقسامات بين السكان، وتقليل من قدرة الحكومة على التعامل بفعالية مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد.

بالتالي، فإن الاستقرار الوطني والوحدة الوطنية يمكن أن تتأثر سلبا بتصاعد نفوذ اليمين المتطرف في الساحة السياسية الفرنسية.

ما السيناريوهات المحتملة في حال تصدر اليمين المتطرف للانتخابات في الجولة الثانية لتشكيل الائتلاف الحكومي؟

تصدر اليمين المتطرف للانتخابات في الجولة الثانية هو بوابته لتشكيل حكومة لوحده في حال حاز الأغلبية المطلقة، أو تشكيل الائتلاف الحكومي في حال تصدر النتائج. ويمكن أن تحدث سيناريوهات مختلفة؛ منها أن فوز اليمين المتطرف قد يؤدي إلى تشكيل حكومة تضم أحزابا يمينية متشددة، وهذا قد يؤدي إلى تنفيذ سياسات قاسية تجاه الهجرة، وتقليص الحقوق الاجتماعية، وتعزيز سياسات القمع والتحفظ

ومهما يكن فإن تقدم اليمين المتطرف قد يزيد من التوترات الاجتماعية بين المجموعات العرقية والثقافية المختلفة في المجتمع الفرنسي، مما يؤدي إلى انعزالية واستقطاب أكبر. كذلك قد يؤدي تصاعد اليمين المتطرف إلى زيادة الاحتجاجات والتظاهرات من قبل المجموعات المعارضة، مما قد يؤدي إلى مواجهات واشتباكات في الشوارع.

هذا الفوز قد يتسبب لفرنسا في تدهور العلاقات مع بعض الدول الأخرى، خاصة تلك التي تعتبر حقوق الإنسان والديمقراطية من القيم الأساسية، وكذلك قد يؤدي تغيير في الحكومة إلى تأثيرات اقتصادية واسعة النطاق، مثل تقلبات في الأسواق المالية وانخفاض الاستثمارات الأجنبية بسبب عدم الاستقرار السياسي.

بالمجمل، تصدر اليمين المتطرف للانتخابات في فرنسا قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في السياسات الحكومية والمجتمعية، وقد يكون له تأثيرات عميقة على الاستقرار والتوافق الاجتماعي في البلاد وعلى علاقاتها الدولية أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى