التحذيرات الصحية الأوروبية من منتجات مغربية .. ابتزاز أم معطيات مغلوطة؟
تارة مستهدِفة الفواكه والخضروات، ومرات أخرى منتجات بحرية (خاصة منتجات الصيد البحري من فواكه البحر)، لا تتوقف الإنذارات الصحية الصادرة عن “نظام الإنذار السريع للأغذية والأعلاف” (RASSF) التابع للاتحاد الأوروبي، في توجيه “أصابع الاتهام” إلى أسماك أو مواد فلاحية مغربية تعبُر عادة حدود التكتل الاقتصادي الأوروبي، من بوابة إسبانيا؛ الجار الشمالي للمملكة؛ ما يطرح أسئلة كثيرة، تظل مشروعة، حول “تنامي” هذه التحذيرات وتوقيتها، فضلا عن تداعياتها المحتملة.
لعلّ آخر التحذيرات تلك التي صدرت (قبل أيام قليلة فقط) بداية شهر يوليوز الجاري، بعدما نقلت صحف إسبانية خبراً عن “مصادرة السلطات الإسبانية المختصة شحنة من الحبار (كالمار) من المغرب بسبب عدم الامتثال لمتطلبات سلسلة التبريد”، بناء على تحذير جديد أطلقه “نظام الإنذار السريع للأغذية والأعلاف” التابع لمفوضية الاتحاد الأوروبي، يُبلّغ عن مشكلة في الحفاظ على جودة شحنة مأكولات بحرية قادمة من المغرب.
وفقا للهيئة التي تعدّ جهازاً تابعاً للمفوضية الأوروبية فالأمر يتعلق بـ”حدَثِ انقطاع طال سلسلة التبريد للحبّار، ما قد يساعد على انتشار العديد من البكتيريا الخطرة في أوساط المستهلكين”، وفق ما نقلته صحف إسبانية وطالعته هسبريس.
وسجل المصدر ذاته أن “هذه لم تكن إلّا حالة شاذة تم اكتشافها أثناء مراقبة الحدود؛ فيما احتجزت السلطات الإسبانية جميع الشحنات”. بينما وصفت الوكالة الحادث بأنه “خطر محتَمَل على صحة المستهلك”.
في المقابل تبرز تساؤلات عن المغزى والأبعاد التي قد يكتسيها الموضوع، خاصة أن متتبّعين ومهنيين مغاربة، تحدثت جريدة هسبريس إلى بعضهم، عبّروا عن “مخاوف جدّية متعاظمة” من مقاصد هذه التحذيرات حول السلامة الصحية للمنتجات، رغم أن المكتب الوطني المختص بالمغرب (أونسا) ووزارة الفلاحة ما فتئا يخرجان بـ”بلاغات تكذيب” تتحدث عن “حملات تشويه ممنهجة أحياناً” حول المنتجات المغربية.
“معطيات مغلوطة”
حسن السنتيسي الإدريسي، رئيس “الاتحاد المغربي للمصدرين “(COMEX )، قال إن “الأمر لا يمكن أن يكون مَدعاةً للضغط أو الحسابات بين المنتجين والمصدّرين في أي دولة، خصوصًا أن إسبانيا التي عادة ما تأتي منها التحذيرات تربطنا بها اتفاقيات عديدة في إطار اتفاقية الصيد البحري الأوروبية مع المملكة المغربية، التي تظل صاحبة السيادة في هذا الصدد”.
ورفض رئيس “الجمعية المغربية للمصدرين” (التسمية السابقة)، في حديث لجريدة هسبريس، “كل ما يروج في الأشهر الأخيرة من تحذيرات عن بكتيريا أو فيروسات محتملة في بعض المنتجات المغربية، سواء البحرية منها أو الفلاحية”، معلقا بأنها “تظل مجرّد معلومات مغلوطة تنتعش في فترات معينة، خاصة بعد انتهاء مدة سريان اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي صيف العام الماضي، ثم أحيلت على محكمة العدل الأوروبية”.
وتابع السنتيسي: “ليس لدينا أدنى مشكل في منتجاتنا البحرية، لاسيما فواكه البحر التي يتم اصطيادها بالسواحل المغربية وتُحترم فيها شروط صحية وسلامة سلاسل التخزين والتبريد”، نافيا صحة التحذيرات الأخيرة التي همّت شحنة مغربية من سمك الحبار.
“لا يمُكن لبعض الدول الأوروبية أن تجعل من هذه المسائل ورقةَ ضغط أو ابتزاز”، يردّ رئيس الاتحاد المغربي للمصدّرين، الذي يضم تجمعات شركات ومنتجين مغاربة، متفاعلا مع هسبريس، قبل أن يخلص إلى أن “الأمر يتعلق بالسيادة الوطنية للمغرب، فقطاع التصدير بمثابة محرك للدينامية الاقتصادية المغربية، ويعمل على تحسين عوامل القدرة التنافسية”.
“تسييس التحذيرات”
من وجهة نظر حقوقية، متفاعلا مع الموضوع ذاته، قال إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إن “المتتبعين لمسار الاقتصاد الوطني، وبالأخص المنتجات الفلاحية والأسماك، تفاجؤوا ممّا تم إصداره من تقارير ذات طبيعة علمية حول جودة المنتجات المغربية”.
وفي السياق ذاته استدعى السدراوي، مصرّحاً لجريدة هسبريس، “تواتر وقائع التشكيك مؤخرا في جودة بعض أنواع الأسماك، بعدما سبق أن صدَر عن نظام الإنذار السريع للأعلاف والأغذية ‘RASFF’، المعمول به على مستوى الاتحاد الأوروبي، تحذير صحي من مستوى ‘خطير’ يهم شحنة من الفراولة ملوثة بفيروس ‘التهاب الكبد الوبائي أ’، وهو ما كذّبه المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية جملة وتفصيلا بناء على تحليلات مخبرية مضادّة”.
تبعاً لذلك قال الفاعل الحقوقي المغربي: “إن شكوكنا تتأكد حول جدّية تلك التحذيرات التي تحمل طابعا سياسيًا وليس علميا، ومرتبطة بمحطات مهمة في مسار المفاوضات بين المغرب والاتحاد الأوروبي”؛ خاصّاً بالذكر “اتفاقية الصيد البحري التي انتهى أجلها”.
وتشدد الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، بحسب رئيسها، على “أهمية فرض المغرب في إطار اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والاتحاد الأوروبي ضرورة التنصيص على إنشاء مختبرات علمية مشتركة ومستقلة، وليس اعتبار الدول المورّدة بمثابة خصْم وحَكم”؛ كما أثار “ضرورة تنويع الأسواق المغربية وتشجيع المنتج المحلي، وبالأخص من منتجات اللحوم، إثر ما عايّناه مؤخرا من فشل السياسة الفلاحية في تلبية السوق الداخلية”، وفق تعبيره.
وختم الحقوقي ذاته موصياً بـ”تطوير وتمكين ‘ONSSA’ من علامات جودة عالمية وتقوية قدرات خبرائه تكوينا وتأطيرًا، مع ربط مجال عمله بالبحث العلمي وبالجامعات”، مع مطلب “دمقرطة اتفاقيات التجارة مع أوروبا وفتح نقاش عمومي بشأنها”.