هل يحل رجال الدولة الأقوياء في إيران محل رجال الدين في السلطة؟
- Author, مسعود آذار
- Role, بي بي سي – الخدمة الفارسية
منذ انتصار ثورة 1979، احتل رجال دين مناصب هامة في السلطة في جمهورية إيران الإسلامية.
وبصرف النظر عن المرشد الأعلى، شغل رجال الدين أدواراً مثل رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء (قبل التعديل الدستوري)، ورئيس السلطة القضائية، والمئات من المناصب المهمة الأخرى على مر السنوات. رغم ذلك، شهدنا في السنوات الأخيرة تراجعاً متزايداً في حضورهم في المشهد السياسي والاجتماعي.
ومن الثابت تاريخياً أن رجال الدين كانوا هم المرجع للشعب في إيران، لذا تمكنوا بفضل ثقة العامة فيهم من السيطرة على السلطة بعد الثورة الإسلامية.
لكن على مدى أكثر من أربعة عقود من الحكم الإسلامي، يبدو أن الناس فقدوا ثقتهم في رجال الدين تدريجياً، ولم يعودوا يتمتعون بنفس المصداقية.
وتجلى انعدام الثقة في رجال الدين المسيطرين على السلطة في احتجاجات عام 2022، التي خرجت في شوارع إيران على نطاق واسع بعد وفاة مهسا أميني، والتي واجه خلالها العشرات من رجال الدين احتجاجات “إسقاط العمائم” التي تضمنت أن يخلع المتظاهرون، الذين يريدون إهانة رجال الدين، العمائم من على رؤوس رجال الدين وتصوير ذلك للسخرية منهم.
وكان هذا الاستياء الشعبي واضحاً أيضاً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة والانتخابات الرئاسية هذا العام. وحصل مصطفى بور محمدي، رجل الدين الوحيد الذي ترشح للرئاسة، على أصوات أقل من الأصوات الباطلة رغم تصريحاته القوية والجريئة.
ومثله مثل الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، الذي توفي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر، كان بور محمدي عضواً في ما يسمى بلجنة الموت في الثمانينيات، وهو متهم بإصدار أوامر إعدام بإجراءات موجزة لسجناء سياسيين. كما أنه شخصية أمنية طالما شغل مناصب حساسة.
وفي رد فعل على هزيمته الثقيلة في الانتخابات، قال بور محمدي إن نتيجة الانتخابات كانت متوقعة بالنسبة له، وكان يعلم أن الحصول على نسبة عالية من الأصوات “مستحيل”.
وهنا تبرز أهمية بعض التساؤلات؛ ما هي الرسالة التي يبعث بها الشعب من خلال توقف المحاباة لرجال الدين؟ وإذا لم يتم انتخاب رجال الدين لمناصب السلطة، فمن سيحل محلهم؟
رجال دين في السلطة
كانت الاحتجاجات الحاشدة عام 2022 بمثابة نقطة تحول في تاريخ الجمهورية الإسلامية. وخلال الاحتجاجات قبل عامين، وسط شعار “المرأة، الحياة، الحرية”، واجه رجال الدين تحدياً كبيرا ًومحورياً.
وهتف المتظاهرون “يجب أن يرحل رجل الدين”، وكان “إسقاط العمامة” جزءاً رمزياً من هذه الحركة الاحتجاجية، إلى حد أن رجال الدين شعروا بعدم الأمان في الشوارع والقلق من الهجمات من الخلف، إلى حدٍ دفع بعضهم إلى التوقف عن ارتداء الجلباب والعمامة في الأماكن العامة.
ولم تتطور الكراهية وانعدام الثقة تجاه رجال الدين بين عشية وضحاها، بل ازدادت حدتها على مدى فترة طويلة. كما بدأ الشعب يحمل رجال الدين مسؤولية الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد. وقد أثر أداؤهم حتى على المؤسسات الدينية في البلاد. وفي الوقت الحالي، أصبحت المساجد، وهي أهم قاعدة لرجال الدين في إيران، فارغة تقريباً.
وبحسب مسؤول حكومي كبير، فإنه “من بين حوالي 75 ألف مسجداً في البلاد، أُغلق حوالي 50 ألف مسجد، وهي كارثة”. وأشارت تقارير أيضاً إلى انخفاض كبير في عدد طلاب المعاهد الدينية في السنوات الأخيرة. ويشار إلى ارتفاع تكاليف المعيشة والرسوم الدراسية كأسباب لهذا الانخفاض. وفي السنوات الأخيرة، وفرت الدولة وظائف في المدارس ومؤسسات أخرى مثل البنوك لتشجيعهم على البقاء في هذه المعاهد.
وحاول النظام إخضاع المعاهد الدينية لتأثيره – بوسائل مختلفة بما في ذلك المال والنفوذ – كما زاد من المخصصات المالية والمساعدات الاقتصادية التي تذهب لصالح هذا النوع من التعليم.
ويرى محللون إن أداء رجال الدين هو السبب في تراجع الشعائر الدينية في إيران وتنامي العلمانية بين مختلف فئات المجتمع، خاصة الشباب.
من يملأ الفراغ؟
وسط تراجع حضور رجال الدين في المناصب الحكومية العليا، من يتولى هذه الأدوار؟ وعلى وجه التحديد، يبدو أن هذا الفراغ الذي خلفه رجال الدين يتم ملؤه من قبل الحرس الثوري وقوات الأمن.
وباستعراض نشاط الحرس الثوري في البرلمان والحكومة والمؤسسات والقطاعات الاقتصادية، يتبين أن هناك اتجاه إلى وجود قوي للعسكريين والأمنيين بدأ في الظهور منذ عهد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد.
وفي الدورة الماضية للبرلمان، كان هناك ما لا يقل عن 26 عضواً جاءوا إلى المجلس التشريعي من الحرس الثوري حيث كانوا يحملون رتباً عسكرية ما بين عقيد وعميد. وفي البرلمان الحالي، الذي بدأ أعماله في يونيو/ حزيران الماضي، هناك نحو 30 نائباً كانوا أيضاً يعملون في الحرس الثوري. كما أن الوزراء في مختلف الحكومات لديهم خلفيات أمنية وعسكرية.
وشارك في حكومة إبراهيم رئيسي عدة شخصيات بارزة من الحرس الثوري مثل أحمد وحيدي الذي يشغل منصب وزير الداخلية. ومع ذلك، بين نواب الرئيس والمحافظين، هناك وجود قوي للغاية لأفراد الحرس الثوري في مناصب متنوعة، إذ عُين معظم حكام المقاطعات في إيران من بين أعضاء الحرس الثوري الإيراني.
ورجح محللون أنه في ظل غياب أحزاب سياسية قوية في إيران، أصبح الحرس الثوري هو المنظمة الأكثر تماسكاً وقوة في إيران، مما يجعله لاعباً حاسماً في الحياة السياسية الإيرانية استناداً إلى قوته الاقتصادية والأمنية الكبيرة.
علاوة على ذلك، فإن اصطفافهم وولائهم للمرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية ربما يكون أقوى وأكثر كثافة من اصطفاف رجال الدين. ونظراً لتزايد الأزمات الأمنية داخل جمهورية إيران الإسلامية وانخراطها بقوة في قضايا إقليمية على مدى العقدين الماضيين، فقد تجاوز دور وأهمية الحرس الثوري الإيراني في هيكل الجمهورية الإسلامية دور وأهمية أي مؤسسة أخرى، وخاصة رجال الدين.
وعلى الرغم من انخفاض عدد رجال الدين في البرلمان وبين كبار المسؤولين الحكوميين، إلا أن تأثير ودور رجال الدين في إيران لا يزال كبيراً. ويلعب ممثلو المرشد الأعلى، وهم من رجال الدين ويعملون تحت إشرافه مباشرة، دوراً حاسماً في جميع المؤسسات الحكومية والعسكرية. كما لا يزال أئمة صلاة الجمعة في المدن الصغيرة والكبيرة وعدد لا يحصى من المساجد في إيران يسلطون الضوء على الدور البارز لرجال الدين في هذا البلد.