الثقافة الأمازيغية تتصدر جبهات مواجهة “التيارات السلفية” في المغرب
على ضوء النقاش الذي طال احتفالات الأمازيغ بطقوس بوجلود والهجوم الذي تعرضت له من طرف بعض الوجوه السلفية على مواقع التواصل الاجتماعي، التي دعت إلى مقاطعة هذه الاحتفالات، وقبلها الهجوم الذي تعرض له بعض الفنانين الأمازيغ، أكدت فعاليات أمازيغية أن الأمر لا يعدو كونه مجرد محاولات لاستغلال الخطاب الديني لدغدغة العواطف وتجاوز حالة العزلة المجتمعية التي يعاني منها التيار السلفي بالمغرب.
وشددت الفعاليات ذاتها على أن الحركة الأمازيغية توجد اليوم في مقدمة جبهة مواجهة هذا الخطاب المتعصب الذي يستهدف رموز ومكونات الحضارة والثقافة الأمازيغيتين، بالنظر إلى التاريخ الطويل الذي راكمته الأمازيغية في الدعوة إلى قيم التسامح وتكريس التعددية في المجتمع، وأيضا ما اعتبرته “ترهل إيديولوجيات الأحزاب” وتركها الساحة فارغة للخطابات الدخيلة على المجتمع المغربي.
أفكار وافدة
قال عبد الله بوشطارت، كاتب ناشط أمازيغي، إن “السنوات الأخيرة عرفت ظهور وسطوع تيارات سلفية متطرفة، تنشط بالأخص على منصات التواصل الاجتماعي بكل أشكالها، تشن حربا منسقة ومغرضة تجاه كل أشكال الثقافة والحضارة الأمازيغيتين، بدءا باحتفالات السنة الأمازيغية إلى الكتابة الأمازيغية تيفيناغ وأشكال الاحتفال ببيلماون وبوجلود وإمعشار، ثم الحملة المكثفة ضد الروايس والفن الأمازيغي”.
وأضاف بوشطارت، في تصريح لهسبريس، أنه “في غضون هذه المحطات تخرج هذه التيارات السلفية المتشددة إلى المنابر الافتراضية للهجوم على الأمازيغية، بينما تقوم هذه الأخيرة بالدفاع عن الثقافة والحضارة بكل ما أوتيت من قوة الإقناع الفكري والتاريخي والأركيولوجي واللغوي، وغالبا ما تحدث تصادمات وصراعات قوية داخل فضاءات النقاش والتواصل الاجتماعي، تنتهي بتحقيق الحركة الأمازيغية انتصارات ومكتسبات في الدفاع عن حقوقها المشروعة، مثل جعل رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا ويوم عطلة بقرار ملكي تاريخي، ثم أيضاً بمحاولة مأسسة الاحتفالات الأمازيغية وتحصينها وترصيد وتثمين الموروث الثقافي الأمازيغي، مثل ما يحدث في احتفالات بيلماون وتنظيم مهرجانات ثقافية وفنية وغيرها”.
وشدد المصرح لهسبريس على أن “الملاحظ أن الأمازيغية اليوم هي التي تواجه وحيدة هذه التيارات السلفية المتشددة وشيوخها، سواء على منصات التواصل الاجتماعي أو في الميدان داخل المجتمع، لأن الأمازيغية هي إفراز وإنتاج ثقافي اجتماعي يتملكه المجتمع من الأسفل، أما أفكار السلفية هي وافدة ودخيلة عن التربة المغربية وتعول فقط على الخطاب الديني لدغدغة عواطف الجماهير، فحين دعا السلفيون إلى مقاطعة بوجلود وبيلماون، لأنهم يعتبرونهما من طقوس الجاهلية والشرك، فإن المجتمع لم يبال بخطاب هؤلاء وخرج يحتفل ببيلماون كما كان يفعل الأسلاف منذ قرون”.
وخلص بوشطارت إلى أن “الأمازيغية قادرة على ردع أفكار السلفية المتشددة لأنها ثقافة مبنية على الحرية والعقلانية، وتنشر السعادة والفرح ولا تدعو إلى التزمت، وبالتالي بقيت الأمازيغية وحدها في الميدان تواجه أفكار الوهابية والسلفية بعد ترهل إيديولوجيات الأحزاب وغرقها في الصراعات على المناصب ولم تعد تهتم بالتكوين والتثقيف وتركت التيارات الوهابية والسلفية تنفرد بالشعب والشباب”.
معركة تنويرية
يوسف بن الشيخ، ناشط أمازيغي، قال إن “الحركة الأمازيغية هي أول حركة اجتماعية ساهمت في بلورة مفهوم التعددية وتعزيز حضوره في المشهد السياسي والثقافي المغربي. وبالتالي، فمن الطبيعي أن تتصدر اليوم الواجهة في مجابهة التعصب السلفي”، مضيفا أن “الأمازيغية تقود معركة تنويرية في مواجهة القوى الأصولية السلفية المعادية لقيم تيموزغا، والتي عادت إلى المشهد الرقمي بخطابها الشاذ حول المجتمع والثقافة والدولة بعد انسحاب تكتيكي فرضته التحولات السياسية التي اندلعت سنة 2011 في منطقتي شمال أفريقيا والشرق الأوسط”.
وأوضح المتحدث لهسبريس أن “هذه التحولات عمقت العزلة المجتمعية للتيار السلفي أكثر من أي وقت مضى، إذ حاولت قوى الإسلام السياسي حينها استغلال الشروط السياسية والأمنية القائمة للهيمنة على السلطة كهدف وحيد لها، قبل أن تفشل في تحقيق رهانها الإقليمي في بلوغ السلطة وتجد نفسها أخيرا خارج المجتمع والتاريخ كنتيجة طبيعية لجمود تفكيرها وعجزها عن مواكبة ديناميات المجتمع وتحولات التاريخ”.
وتابع بأن “ما يحدث اليوم هو هجوم منظم من طرف الحركات الأصولية الإسلامية في المغرب على القيم والثقافة الأمازيغيتين بعد أن وجدت هذه القوى أن الأمازيغية لها باعا طويلا في ترسيخ قيم التسامح وأنسنة المجتمع والإنسان وتكريس التعددية والاختلاف من خلال عودة العديد من الجهات والجماعات في سوس وخارج سوس إلى مضاعفة تنظيمها واحتفائها بالموروث الأمازيغي المحلي بمختلف أشكاله التعبيرية”.
وشدد بن الشيخ على أن “هذه الدينامية الأمازيغية لا تطيقها المذاهب المتطرفة لأن الموروث الأمازيغي يسير دوما بجانب العقائد الدينية المتعاقبة على المجتمع الأمازيغي دون أدنى تصادم ودون أن يفقد الإنسان الأمازيغي كينونته وهويته الثقافية. لهذا، تحاول التيارات الأصولية اليوم تحريم وتجريم هذا الموروث كتمهيد لإحلال نمط التدين السلفي المتطرف محل هذا الموروث الإنساني، وهي محاولات بدأت منذ مدة دون أن تلقى قبولا في الأوساط الشعبية وموروثها الثقافي”.