مجهودات مكافحة الاتجار بالبشر تتوج المغرب برئاسة اجتماع أممي في فيينا
استقبل محللون وباحثون انتخاب المملكة المغربية للرئاسة المشتركة للدورة الرابعة عشرة لاجتماع مجموعة العمل حول الاتجار بالبشر، التي ستنعقد بمقر الأمم المتحدة بفيينا يومي 8 و9 يوليوز المقبل، إلى جانب مملكة الأراضي المنخفضة بالكثير من الارتياح؛ لما لذلك من انعكاس على “مكانة المغرب دوليا وأمميا”، لاسيما أن الانتخاب تم من لدن مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية بالإجماع.
ولأنها ليست المرة الأولى التي ينتخب فيها المغرب، سواء قاريا وإفريقيا أو أمميا ودوليا، فقد اتضح أن “المغرب يواصل الاشتغال داخل إطارات التعاون التي يتيحها المنتظم الدولي”؛ وهو ما دفع المحللين الذين تواصلوا مع هسبريس بهذا الخصوص إلى القول إن “الرباط صارت من خلال عملها تحظى بثقة كبيرة من لدن العديد من الأطراف في القضايا المناخية والاجتماعية والأمنية من خلال محاربة الهجرة غير النظامية ومكافحة الجريمة المنظمة والاتجار الدولي بالبشر”.
“مصداقية مغربية”
البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، قال إن “انتخاب المغرب يعكس العمل الجاد والدؤوب للآلية الوطنية المعنية بمكافحة الاتجار بالبشر من خلال الالتزام بالرؤية الملكية عن طريق الانخراط الكامل للمملكة المغربية في الجهود الأممية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبشكل خاص الجرائم المرتبطة بمكافحة هذا النوع الخطير من الجرائم الذي يطرح تحديات كونية”.
وشدد المتحدث، في تصريحه لهسبريس، على أن الرباط تعد من ضمن إحدى أهم الدول الفاعلة وطرفا محوريا في الحملة العالمية لمكافحة الاتجار بالبشر والجريمة عبر الوطنية من خلال انخراطها المستدام في كل الجهود الإقليمية والدولية المبذولة للقضاء على هذه الظاهرة”.
وزاد: المغرب كان من أوائل دول المنطقة التي صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة سنة 2002، وصادق على البروتوكول المكمل لها سنة 2009.
ولفت البراق إلى إصدار المغرب القانون الشامل رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر سنة 2016، فضلا عن إحداث اللجنة الوطنية لتنسيق الإجراءات المتعلقة بمكافحة الاتجار بالبشر في 2018 والتي تقوم بعمل رائد من خلال اعتماد مقاربة شمولية حداثية ذات محاور أربعة هي: الوقاية والحماية والتكفل والشراكة وفق منظور يتميز بالشمول بشكل متفرد عن باقي التجارب العالمية والإقليمية ذات الشأن”.
وتابع: “هذا الانتخاب يؤكد بالملموس المصداقية التي تميز المغرب في مجال العمل الدبلوماسي متعدد الأطراف على الصعيد الدولي، وبالتالي لا يمكن فصل حدث انتخاب المملكة المغربية للرئاسة المشتركة للدورة الرابعة عشرة لاجتماع مجموعة العمل حول الاتجار بالبشر عن سيرورة متكاملة من الإنجازات الحقوقية والسياسية والدبلوماسية والأمنية، التي يحققها المغرب ومؤسساته الإستراتيجية في مختلف الساحات والمسارح وبشكل خاص في مجال الدبلوماسية متعددة الأطراف”.
وخلص المتحدث إلى توفر الرباط على سجل حافل في مجال مكافحة هذه الجريمة؛ مبرزا أنه فتئت مختلف المتدخلين والفعاليات الوطنية وأصحاب المصلحة على العمل الجدي من أجل مكافحة هذه الجريمة وتوفير الترسانة القانونية المساعدة على مكافحة هذه الجريمة، ونحن نعرف كيف وهبت أمينة أفروخي رئيسة قطب النيابة العامة المتخصصة والتعاون القضائي والخبيرة في مجال مكافحة الاتجار بالبشر مسارها المهني بكل مسؤولية والتزام لمحاربة هذه الجريمة ومساعدة المتأثرين بها”.
“خبرة للتقاسم”
سعيد بركنان، محلل سياسي، قال إن “عملية الانتخاب هذه هي مؤشر ينضاف إلى بقية المؤشرات الدامغة السابقة التي تثبت ارتفاع أسهم المغرب في مجال الأمن الإقليمي والعالمي”، مسجلا أن “الموقع الجغرافي المتميز للمغرب هو الذي فرض عليه أن ينخرط في تأسيس منظومته الأمنية ويربطها بالتطورات الإقليمية والعالمية من محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود؛ بما فيها جريمة الاتجار بالبشر”.
وأضاف بركنان، ضمن قراءة قدمها لهسبريس، أن “تطور المنظومة الأمنية المغربية ومواكبتها لتطور الجريمة أكسب المغرب تجربة يحتذى بها ويقدم نموذجا في محاربة جريمة الاتجار بالبشر، خاصة أنه يقع في طرق التجارة الدولية للبشر الذي تستغله العصابات الدولية بين إفريقيا وأوروبا”، مشددا على أن “ترؤس المغرب لهذا الاجتماع هو شهادة إثبات الخبرة الدولية لهذه التجربة الأمنية التي راكمها المغرب منذ سنوات”.
ولفت المتحدث إلى السبق الذي تميزت به أيضا المملكة المغربية من خلال خلق ترسانة قانونية ذات عقوبات ثقيلة لتشديد الخناق على كافة أشكال الاتجار بالبشر، معتبرا أن هذه التجربة صارت تحظى بمصداقية كبيرة دوليا، وهذه شهادة تكرس جودة الاستراتيجية المغرب الأمنية التي يشتغل بها المغرب، والتي مؤداها أن أمن المغرب يبدأ بالأمن الإقليمي والعالمي وأن محاربة الاتجار بالبشر هو بداية القضاء على الهجرة غير الشرعية.
ولم يغفل الباحث في العلوم السياسية ذكر أن “المغرب انتبه بشكل مبكر إلى أن تجفيف منابع جريمة الاتجار بالبشر في إفريقيا يمثل بداية القضاء على بُؤر الإرهاب الذي يهدد استقرار المنطقة والعالم”، خاتما بالتأكيد على أن “الانتخاب هو مواصلة للاعتماد على ما يمكن أن تتيحه التجربة المغربية للمنتظم الدولي، وهو ما يمكن أن يكون أيضا فرصة ليستفيد من خبرات أخرى في هذا المجال”.