أخبار العالم

القوة الحدسية للراحل المهدي المنجرة تضاهي نيتشه وديستوفسكي



أفاد الكاتب المغربي والمفكر والأستاذ الجامعي حسن أوريد بأن “المثقف ليس بالضرورة عالما أو عارفا ولكنه شخص له مواقف، والأمر الثاني الذي يميز المثقف هو قدرته الاستشرافية، أي أن يكون له حدس يتيح له ما لا يتاح لغيره ليستطيع استشراف المستقبل”، قائلا: “أرى حقيقة من منظوري أن ذلك لا يتحقق في جيل المهدي المنجرة إلا فيه وحده؛ وأنا وقفت عند بعض الأسماء الوازنة ولا أرى أنها وفّقت في استشراف المستقبل بالقدر الذي أتيح للمنجرة”.

وللتأكيد على أن المنجرة الذي غادر دنيا الناس في 13 يونيو 2014 كانت قدرته تضاهي ما هو موجود في أقطار خارج المجال “العربي الإسلامي”، استدعى أوريد الكاتب والروائي الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي، وقال: “حين تقرأ له ترى أنه استشرف بقوة حدسية ما يمكن أن يقع في روسيا؛ وحينما تقرأ فريدريك نيتشه وترى ما آلت إليه الأمور في ألمانيا ترى أنه كان يستشعر بقوّة حدسيّة ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في العالم”، وزاد: “هذا الأمر لا أجده إلا عند صاحب ‘زمن الذلقراطية’”.

مؤرخ المملكة السابق شدد، وهو يتحدث ضمن لقاء نظمته مؤسسة أماكن لجودة التربية والتعليم بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل عالم المستقبليات المغربي، على أن “المنجرة كانت له قوة استشرافية وحدس يعبّر عنه أحيانا بغضب أو بنفحة راديكالية مثلما يُقال”، وأورد: “قد يُغضب في الحاضر ولكن لكي يكون منسجما مع المستقبل. وأنا حقيقة أتساءل بخصوص ما قد تؤول إليه بعض الأسماء المجلجلة مستقبلا؟ لا أدري، ولكن المؤكد أن اسم المهدي المنجرة سيبقى داخل حدود الوطن وخارجه”.

وكاشف المتحدث الحاضرين بأنه لم يتخلف عن اللقاء و”تجشّم عناء السّفر” على اعتبار أن الموعد “تترافع فيه قيمة ما أحوجنا إليها، وهي الوفاء”، مردفا: “ونحن نتحدث عن القيم التي كان المنجرة ضليعا فيها لابد أن نفي بحق من نذروا حياتهم لهذا البلد؛ لذلك أريد أن أفي لذاكرتي الشخصية فذّا لم أعرفه معرفة وثيقة وإن كنا التقينا مرات قليلة”.

وهو يتحدث في مناسبة تستحضر اسما مغربيّا لن ينساه التاريخ، سجل أوريد أن “الأمم لا تقوم إلا من خلال تعاضد الأجيال، ولابد لكل جيل أن يحمل المشعل للذي يليه”، وتابع: “الأمم هي عبارة عن نسيج تنسج الأحداث، ولكن يأتي جيل آخر لينظم هذا النسيج”، وواصل: “جهدي أنا على الأقل، وغيري، أن أنسج ما أحدثه السابقون حتى نبني أمة. الأمة التي ليست لها ذاكرة ليس لها وجود، ولذلك أنا أشعر بواجب وبدين تجاه الجيل الذي سلف من أجل الجيل المقبل”.

وتطرق صاحب كتاب “عالم بلا معالم” للحرب الدائرة في قطاع غزة، معتبرا أنها “حرب حضارية جديدة”، ومشيرا إلى أن “أول من استعمل هذا المصطلح هو المهدي المنجرة؛ وتم استعماله لاحقا بتوصيف ‘صدام الحضارات’، لكن مصطلح الحرب الحضارية صاغه المنجرة في خضم الحرب على العراق”. ويرى أوريد من هذا المنطلق أننا “نعيش فصلا جديدا من هذه الحرب التي تنبأ بها المنجرة، وتتخذ أشكالا عدة السلاح مجرد وجه منها”.

وتابع المفكر ذاته شارحا: “حضرت جنازة المهدي المنجرة وكتبت عنه؛ والحقيقة أن كل شيء كان يُفرق بيننا. كانت حدته تزعجني وأحكامه تثير غضبي. كنت بطبعي ميالا إلى الاعتدال، وكان ذلك مصدر حكم عن الشخص (..) كما جمعنا لقاء في باريس خلال التسعينيات، فكانت حدته في ذلك اللقاء مصدر إزعاج لي، وأنا كنت أعرفه كشخصية عامة. ولكن في ما بعد أصبحت أستأنس بالرجل وأظن أن جزءا كبيرا من اللقاء معه يعود إلى مؤسسة أماكن”.

واستدرك المتحدث موضحا: “حاولت أن أتخلص من بعض الأحكام المسبقة عن الشخص واستمعت بإمعان إلى حوار كان أجراه مع قناة عربية، فضلا عن المحاضرات التي كان يلقيها، وتبينت من أن الرجل لربما قد يكون حادا ولكن هي فقط حدة الرجل الصادق، وحينما يكون الصدق فهو يجبّ كل شيء”، وقال: “قد نختلف ولكن نتفق حول قيمة الصدق. لذلك شعرت بأنني لست بعيدا عنه وحضرت جنازته وكتبت عنه ووقفت عند فكره”.

واعتبر المفكر المغربي أن “هناك جانبا آخر يشرح شخصية المهدي المنجرة، وهو زيغ وتسلط الآلة الاستعمارية وغطرستها، لكنه تأثر كذلك بروني ماهو، الذي كان أول مدير عام لليونسكو، وكان ينادي بحضارة كونية، ويدرك بأنه ليست هناك فقط الحضارة اليهودية المسيحية والإغريقية الرومانية، ولكن هناك حضارات أخرى ينبغي لمنظمة اليونسكو أن تنفتح عليها”، وسجل أنه “أثر كثيرا في المهدي المنجرة لأنه كان مديرا لثانوية مولاي إدريس بفاس”، وزاد: “كان شخصا وازنا يرى في المهدي المنجرة خلفا له بالنظر إلى ذكائه وإلى ما له من ارتباط بالحضارة العربية”.

وتطرق الروائي ذاته إلى عنصر آخر يفيد في فهم فكر صاحب كتاب “قيمة القيم”، الذي رفض منصب الوزير الأول في فترة الملك الراحل الحسن الثاني، وهو أنه “سليل أسرة عالمة، فأجداده كانوا علماء وكان له جد عالم اسمه عبد الله، وكان مجايلا لسيدي محمد بن عبد الله؛ وقد حرصت في روايتي ‘الباشادور’ على أن أتحدث عن هذا الشخص”.

ورفعا للغطاء عن أوجه رائقة للمنجرة بقبعة الحقوقي لفت أوريد إلى أنه “كان سباقا لقضايا حقوق الإنسان، فهو أول شخص نادى بمنظمة مغربية لحقوق الإنسان، وكان ذلك في 10 دجنبر 1988″، كاشفا أن “وزارة الداخلية لم تمنح التنظيم الترخيص، واتخذت المسألة أبعادا أخرى؛ وأُنشئت في النهاية منظمة لحقوق الإنسان ولكن بدون المهدي المنجرة”.

وتطرق مؤلف كتاب “إغراء الشعبوية في العالم العربي” إلى نقطة كانت بدورها منعطفا جديدا بالنسبة للمنجرة، وهي حين كان موظفا دوليا له مكانة معينة، وارتأى أنه “يمكن أن يكون مديرا عاما لمنظمة اليونسكو، كممثل للحضارة العربية الإسلامية، غير أنه لم ينتخب”. وأكد أوريد أن “رجلا عارفا بقواعد اللعبة لن يجد مشكلاً في ألا يتم انتخابه، لكن ما أوغر صدره وأثر فيه هو أنه لم يجد الدعم من حكومة بلده”.

ولم يغفل المتحدث، الذي أكد أنه يتحدث عن المنجرة بتقدير كبير، “الحرب على العراق التي أظهرت شخصا آخر غاضبا، لكونه وقف على مبدأ الكيل بمكيالين ونذر نفسه ليندّد بهذا الكيل؛ فلم يكن يتحرج من الحقيقة” (…) وقال: “نحن أحوج ما نكون إلى مثقفين وأشخاص لهم قيم ومبادئ ولهم حدس، مثل المنجرة، ولا عيب إن أخطأ، فالخطأ جزء من حياة الإنسان. وما كان يُنظر إليها كحدّة في خطابات المهدي أبانت الأيام أنه رغمها كان صائباً، لاسيما في ما يخص الكرامة كقيمة القيم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى