ارتفاع الطلب على الماء في الصيف يهدد عدة مناطق مغربية بشبح العطش

مع دنوّ فصل الصيف، واشتداد وتوالي موجات حرّ تطال معظم أقاليم المملكة، تظل جلّ المدن والقرى المغربية تحت رحمة “تمدُّد رقعة التهديد بالعطش”، خاصة مع ارتفاع قياسي للطلب على الماء في أشهر الصيف، الذي يتزامن مع فترة الاحتفاء بشعيرة عيد الأضحى، التي تتطلب استهلاك كميات وفيرة من المياه.
ولا يبدو المغاربة القاطنون بمعظم المدن المجاورة لحوضي أم الربيع وتانسيفت، أو في الجنوب الشرقي وشرقي البلاد، في منأى عن “انقطاعات متكررة” للتزود بهذه المادة الحيوية، في تكرار لسيناريو فصلي الصيف عاميْ 2022 و2023؛ وهو ما توصلت جريدة هسبريس بشأنه بمعطيات منبهة من هيئات وفعاليات مدنية في مدن مختلفة من المملكة، مع بداية شهر يونيو الجاري.
“الانقطاع المتكرر” للماء الشروب بمدينة وادي زم، على سبيل المثال، أثار حفيظة المكتب الجهوي لـ”المرصد الدولي للإعلام وحقوق الإنسان” بجهة بني ملال-خنيفرةن الذي استنكر بشدة، ضمن بيان، “الانقطاعات المتكررة للماء الصالح للشرب بمدينة وادي زم لفترات طويلة قد تصل في بعض الأحياء إلى يومين أو ثلاثة”، وفقه، محذرا من أن ذلك “يتم دون أي إشعار أو إخبار مسبق من المكتب المعني بالأمر، ودون معرفة السبب الحقيقي، خصوصا مع ارتفاع درجة الحرارة”.
وناشَدت الهيئة المدنية السلطات المحلية “العمل على أن يؤخذ هذا المشكل على محمل الجد، لإيجاد الحل الدائم في إطار البرنامج الوطني للتزود بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، وفق التوجيهات الملكية”.
إجراءات وزارية
كان نزار بركة، وزير التجهيز والماء، أكد خلال أجوبته عن أسئلة الفرق البرلمانية بمجلس النواب، في بداية ماي 2024، أن “السنتين الماضيتين عرفَتا تعبئة 4 مليارات و300 مليون درهم من أجل استفادة 119 مركزا قرويا و2400 دوّار”، موردا أنه “توجه يدخل في إطار تعميم الولوج إلى الماء بالنسبة للدواوير غير المزودة وتأهيل منظومة التزود بالدواوير التي تتوفر على منظومات مائية غير قارة”، وفق تعبيره.
وتفيد آخر المعطيات المتوفرة، الواردة على لسان الوزير الوصي، بـ”اقتناء 1200 شاحنة صهريجية خلال الفترة ذاتها لإيصال الماء إلى ساكنة العالم القروي، خاصة في ظل الجفاف الذي عرفته السنوات الأخيرة، وتطلَّب مجهودا خاصا في هذا المجال؛ إضافة إلى اقتناء 200 محطة متنقلة لتحلية ومعالجة المياه، زيادة على تشييد نافورات وسدود تلية، تنضاف إلى العمل الذي يقوم به المكتب الوطني للماء الصالح للشرب على مستوى إنجاز 5425 ربطا فردياً بالجماعات”.
ورغم “انطلاق برنامج السدود الصغرى والتلية مع الجهات، وبرنامج الربط ما بين الأحواض المائية؛ على غرار الربط بين حوضي سبو وأبي رقراق الذي كان له وقع إيجابي على ضمان الماء الصالح للشرب للرباط والدار البيضاء والمدن المجاورة”، إلاّ أن عدداً من الحواضر والمراكز القروية والحضرية مازالت تعاني من “شبح العطش في صيف 2024”.
“وضعية جد دقيقة”
محمد بنعبو، خبير في قضايا الماء والمناخ، قال إن “الوضع المائي بالمغرب لهذه السنة يختلف كثيرا عن السنوات السابقة بفضل التساقطات المطرية والثلجية التي عرفتها المملكة أواخر شهر مارس وبداية أبريل، التي حسَّنَت حقينة السدود والفرشات المائية، خاصة في مناطق الشمال والغرب التي استقبلت أمطاراً غزيرة في ظرف أسبوع تقريبا (زائد مليار متر مكعب)”، غير أنه استدرك: “لكن هذا لا يعني أننا في وضعية آمنة أو مطمئِنة، رغم أنها تبقى عامّة أحسَن بكثير من السنوات السابقة”.
وتابع بنعبو شارحاً، في تصريح لهسبريس، بأن “تحسن حقينة السدود يمكن أن يجعلنا نجتاز هذا الصيف بنوع من الأريحية، مع الأخذ بالاعتبار أن مناطق واسعة أخرى في أحواض سوس وأم الربيع (تحديدا) مازالت تعاني شبح الإجهاد المائي والعطش، إذ تعيش نتيجة تراكم سنوات جافة وضعا كارثيا، خصوصا في مناطق وأقاليم برشيد، سطات وكذا واد زم…”.
ونبه المتحدث ذاته إلى أن “موارد الفرشات المائية المتراجعة بشكل خطير هي نتيجة سياسات فلاحية منتهَجة منذ سنوات (مزروعات الجزر مثلا)، أدت إلى استنزاف موارد مائية باطنية، في غياب حكامة جيدة في تدبير الشأن المائي”.
“هي مرحلة جد دقيقة تتطلب منا جميعاً تضافر الجهود ورفع الوعي الجماعي من أجل تجاوز مرحلة صيفية صعبة، وإيجاد بدائل واقعية مستعجلة، قبل أن تتدهور مؤشرات الأمن المائي والغذائي في خط تنازلي ما لم تكن هناك بدائل، مثل صهاريج المياه أو محطات تحلية مياه باطنية، مع حفر أثقاب مائية”، يخلص الخبير ذاته.
“استنزاف فرشات جوفية”
محمد بازة، خبير دولي في الموارد المائية، نبه بدوره إلى خطورة الوضع المائي هذا الصيف بالقول إن “ثلاثين في المائة من مياه الشرب في المغرب مَصدرها المياه الجوفية”، موردا في حديث لهسبريس أنه “بالنظر إلى كون معظم الفرشات المائية الجوفية تم استنزافها عبر الضخ غير المنظَّم وغير المتحكم فيه، خاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة، فمِن المنتظر أن تصبح بعض المناطق النائية التي تعتمد على المياه الجوفية معرّضة لأزمة مائية خلال الصيف المقبل، وربّما قبله أو بعده”، حسب تقديراته.
وأضاف بازة أنه توصل بمعطيات، مؤخرا، عن كون المياه الجوفية التي لا يتجاوز عمقها 300 متر جفّت تماماً في بعض مناطق جهة بني ملال، “وهو ما أرغم كبار الفلاحين على استغلال الفرشة المائية العميقة على مستوى 600 متر تحت سطح الأرض”، ولفت إلى أن “الفرشات المائية العميقة أصبحت -بدورها- شبه مستنزفة من قبل المكتب الوطني للماء والكهرباء”، خاتما: “هذا الوضع الكارثي حذّرنا من الوصول إليه خلال السنوات الأخيرة لكن دون مُنصِت”.
“سياسة مجالية مخصَّصة”
حاول علي شرود، خبير مناخي أستاذ جامعي مختص في جيو-ديناميات الأرض والبيئة، تفسير ندرة المياه وتفاقم الإجهاد المائي صيفاً بكونهما “من الكوارث التي تعرفها الأرض نتيجة تغيرات وقسوة ظروف المناخ التي لم تعد عصية على توقّع توقيتها”.
واعتبر شرود أن “المغرب بلد متنوع المورفولوجيا والخصائص الهيدرولوجية، بين أحواض مائية غنية بالموارد وأخرى تفتقر إليها وتتفاقم وضعيتها”، مسجلا في إفادات لهسبريس أن “جنوب الأطلس الكبير ومناطق سوس وكذا مناطق حوض أم الربيع هي أصلا مناطق جافة تتميز طيلة السنة عادة بمناخ حار”، مثيرا إشكالية “تهديد الجفاف لمناطق الواحات”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن “السياسة المجالية في تدبير المياه يجب أن تكون حتمية، لأن كل منطقة تتوفر على مناخ خاص، ومميزات هيدرولوجية وبنيوية متباينة الموارد والاستهلاك”، داعيا في هذا الصدد إلى “مضاعفة جهد تعبئة المياه السطحية وحفظ مخزونات الفرشات المائية، مع تسريع مشاريع الربط المائي للاستفادة من المخزون المائي السطحي بين الأحواض”.
ورغم أن بعض المناطق تتوفر على “اكتفاء ذاتي يَقِيها خطر العطش صيفًا”، بحسب الخبير المناخي، فإن “عوامل جيو دينامية تجعل المراقب العام هو المناخ يمكن أن تدفع إلى معاناتها في المديين المتوسط والبعيد”، ما يقتضي “تقنيات جديدة وجب استعمالها (مثل ضخ المياه السطحية في المياه الجوفية)”، داعيا إلى “تكثيف جهود التواصل والتحسيس وتوعية المواطنين بحيوية الماء خلال فترة عيد الأضحى”.