الهجرة غير الشرعية: محكمة يونانية تسقط تهماً ضد تسعة مصريين في حادث غرق قارب للمهاجرين
- Author, نيك بيك وكوستاس كاليرغيس
- Role, بي بي سي نيوز
أسقطت محكمة يونانية تهماً كانت موجهة لتسعة شبان مصريين، على خلفية حادث انقلاب قارب يُقل مهاجرين، أسفر عن مقتل المئات في يوليو/تموز من العام الماضي، في كارثة وصفت بأنها الأكثر فداحة في البحر المتوسط منذ عقد من الزمان.
وقضت محكمة في مدينة كالاماتا جنوب اليونان صباح الثلاثاء، بعدم الاختصاص في نظر القضية، نظراً لوقوع الحادث في المياه الدولية.
وكانت سفينة الصيد “أدريانا” المكتظة بالمهاجرين قد غرقت قبالة سواحل اليونان قبل نحو عام، في رحلة من ليبيا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، ما أفضى إلى غرق نحو 600 مهاجر.
وكان المتهمون سيواجهون عقوبة السجن مدى الحياة، إذا أُدِينوا بتهريب البشر والتسبب في غرق القارب.
وسبقت المحاكمة انتقادات واسعة من منظمات حقوقية أوروبية، من بينها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، قائلة إن لديها تحفظات قوية بشأن نزاهة التحقيق والأدلة اليونانية، متسائلين عن مدى عدالة المحاكمة التي كان المتهمون سيخضعون لها.
وخلال تحقيق سابق لـ “بي بي سي”، اتهم ناجون قواتِ خفرِ السواحل اليوناني بالتسبب في انقلاب القارب إثر محاولة فاشلة لإنقاذه.
وقال ما لا يقل عن ستة من الناجين إن هذه القوات “أجبرتهم” على تقديم أدلة تدين المتهمين المصريين.
وعلت الهتافات بين المتظاهرين خارج المحكمة بعد أن أصبح قرار القضاة بإسقاط القضية أمرا نافذا.
وقال سبايروس بانتازيس، وهو محامٍ لأربعة من المتهمين لـ “بي بي سي”، إن القرار “انتصار لحقوق الإنسان”، وإنه يأتي بعد عام مما وصفه بـ “المعاناة والألم”، التي تعرض لها المتهمون.
وقالت جوديث ساندرلاند مديرة قسم أوروبا ووسط آسيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية لـ “بي بي سي”، إن قرار إسقاط التهم يمثل “خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة ومحاسبة خفر السواحل اليوناني لمعرفة السبب وراء مقتل المئات” من المهاجرين وطالبي اللجوء.
ولطالما نفى خفر السواحل اليوناني ضلوعه في الكارثة، ورفضت السلطات جميع مزاعم ارتكاب أي مخالفات أو تستر. وتنظر المحكمة البحرية اليونانية في هذه الاتهامات.
نحو 500 مهاجر في عداد المفقودين
تتراوح أعمار المتهمين المصريين التسعة، بين 20 و41 عاما، وقد مَثَلوا جميعاً أمام المحكمة صباح الثلاثاء.
وكان المتهمون على متن قارب الصيد “أدريانا” الذي غرق في المياه الدولية في 14 يونيو/حزيران من العام الماضي.
ومع ذلك، وقع الحادث في منطقة الإنقاذ التي تخص اليونان، والتي تُعَدُّ من أعمق مناطق البحر الأبيض المتوسط.
وتشير التقديرات إلى أن القارب كان يحمل ما يصل إلى 750 مهاجراً عندما انطلق قبل نحو أسبوع من وقوع الحادث، من ميناء طبرق في ليبيا.
وقد تمكنت السلطات من انتشال 82 جثة، لكن الأمم المتحدة تعتقد أن 500 آخرين كانوا على متن القارب لقوا حتفهم، وكان من بينهم 100 امرأة وطفل.
وقالت المحكمة إنه لا يمكنها توجيه اتهام للرجال المصريين بإنشاء منظمة إجرامية والتسبب في غرق سفينة؛ نظراً لحدوث ذلك بعيداً عن الساحل اليوناني.
ونتيجة لذلك، أعلنت المحكمة براءتهم من التهم الأخرى المتعلقة بالدخول غير القانوني إلى اليونان وحكمت بأنهم ليسوا مهربين.
وكان المدعي العام قد أقر في وقت سابق بالحجة التي ساقها الدفاع، بعدم وجود أساس قانوني لمحاكمة الرجال؛ نظراً لأن السفينة سقطت خارج المياه الإقليمية اليونانية، وإن كان ذلك في منطقة الإنقاذ الخاصة باليونان.
وكان خفر السواحل اليوناني يتابع القارب لمدة سبع ساعات على الأقل قبل وقوع الغرق، لكنه قال في وقت لاحق إنه لم يحاول الإنقاذ؛ لأن السفينة كانت تُبحر في أمان “بسرعة ثابتة” وفي “مسار ثابت” باتجاه إيطاليا، كما أن الركاب لم يكونوا في خطر.
لكن تحقيقاً سابقاً لهيئة الإذاعة البريطانية ألقى شكوكا جدية بشأن صحة هذه الادعاءات، وعرضت “بي بي سي” ما توصلت إليه على رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي قال إنه يجري التحقيق فيها، لكن المسؤولية تقع على عاتق المهربين.
وقال ميتسوتاكيس: “لقد أنقذ خفر السواحل اليوناني عشرات آلاف الأرواح في البحر، وعلينا أن نكون ممتنين للعمل الذي يقومون به”.
حالة القارب
وتكشف لائحة الاتهام، التي حصلت عليها بي بي سي، أن المدعين اليونانيين اتهموا المصريين التسعة بالتسبب في الكارثة من خلال قيادة سفينة مكتظة للغاية، والتي كانوا يعلمون أنها تشكل خطراً واضحاً على حياة من فيها.
وجاء في الاتهام: “لم تكن سفينة الصيد صالحة للإبحار لأنها كانت قديمة وسيئة الصيانة ولا تصلح لنقل هذا العدد الكبير من الأفراد، خاصة لهذه المسافة الكبيرة، في حين لم تكن هناك سترات نجاة”.
وقال الادعاء إن المتهمين تناوبوا على توجيه السفينة، وكانوا جميعاً على علم بأن الاكتظاظ الشديد على سطح السفينة وفي الداخل كان له تأثير سيء على ثباتها.
وزعمت لائحة الاتهام أيضاً أن الرجال المصريين التسعة كانوا جزءاً من عصابة تهريب، وفرضت على كل راكب مبلغاً يتراوح من 4000 إلى 8000 دولار (أي ما يعادل 3100 جنيه إسترليني و6300 جنيه إسترليني) مقابل مكان على متن القارب.
اتهامات “ملفقة”
استندت اتهامات الادعاء إلى مقابلات أجراها خفر السواحل نفسه مع تسعة ناجين آخرين في الأيام التي تلت الكارثة.
ويبدو أنه لم يُقدَّم أي دليل من الناجين الـ 95 الآخرين إلى المحكمة.
وسمع فريقنا سابقاً ادعاءات بأن بعض الناجين البالغ عددهم 104 تعرضوا للضغط لتعريف الرجال المصريين التسعة بأنهم مهربي بشر.
وقال رجلان سوريان، أطلقنا عليهما اسم أحمد ومصعب حفاظاً على هويتهما، لبي بي سي إن خفر السواحل أمرهما بالتزام الصمت بشأن العوامل الأخرى المسببة للكارثة، والاكتفاء بإلقاء اللوم على هؤلاء الرجال التسعة.
وقال مصعب: “لقد سُجِنوا واتهمتهم السلطات اليونانية خطأً كمحاولة للتغطية على جريمتهم”.
وفي مقابلات منفصلة في أثينا، قال أربعةٌ آخرون من الناجين إنهم يعتقدون أن المصريين كانوا مجرد ركاب مثلهم، دفعوا أموالاً مثل بقية المهاجرين، وجرى تلفيق التهمة لهم.
ومع ذلك، يقال إن ناجين آخرين ذكروا أنهم تعرضوا بالفعل لسوء المعاملة من قبل بعض المتهمين، الذين يشار إليهم باسم “بيلوس ناين”، في إشارة إلى عددهم وإلى اسم مدينة بيلوس اليونانية القريبة من موقع غرق القارب.
الادعاءات ضد خفر السواحل اليوناني لم تذكر في لائحة الاتهام
في الأسابيع التي تلت الكارثة، ادعى العديد من الناجين أن سفينة دورية يونانية، هي التي تسببت في انقلاب قارب المهاجرين، في محاولة فاشلة أخيرة لقطْره أو سحبه.
ولم تتضمن لائحة اتهام المحكمة هذا الادعاء، على الرغم من أن الأمم المتحدة قالت في وقت سابق إن هذه المزاعم تستحق إجراء تحقيق مستقل.
وزعم أحمد ومصعب، اللذان تحدثا إلى بي بي سي العام الماضي، أن السلطات اليونانية أسكتتهما وهددتهما، بعد أن أشارا إلى أن سفينة الدورية اليونانية تسببت في غرق السفينة.
وقال مصعب: “لقد ربطوا حبلاً من اليسار، وتحرك الجميع إلى الجانب الأيمن من قاربنا لتحقيق التوازن”.
وأضاف: “لقد تحركت السفينة اليونانية بسرعة، ما أدى إلى انقلاب قاربنا. وواصلوا جره لمسافة طويلة”.
في المجمل، وصف ستة ناجين بشكل مستقل لبي بي سي كيف تسبب خفر السواحل في انقلاب قاربهم، في تصريحات تتضمن تفاصيل تكاد تكون متطابقة.
الهواتف المحمولة لم تفحص
ولم يَظهر أي فيديو يخص السفينة “أدريانا” على الإطلاق، ناهيك عن لحظة الغرق.
وقال خفر السواحل إن كاميراتهم عالية الدقة لم تكن تسجل.
وقال بعض الناجين إنهم سجلوا جانباً مما حدث على متن السفينة، لكن خفر السواحل صادروا هواتفهم المحمولة بعد وقت قصير من إنقاذهم.
ويبدو أن هذه الهواتف فُقدت بعد ذلك قبل العثور عليها، بعد شهر تقريباً، في حقيبةٍ على متن سفينة خفر السواحل الوحيدة التي كانت موجودة عند غرق السفينة.
وكان محامو الدفاع قد طلبوا فحص بعض الهواتف بحثاً عن أدلة قد تكون مفيدة، لكن وثائق المحكمة التي حصلت عليها بي بي سي، تُظهِر أن قاضي التحقيق حكم العام الماضي بأن هذا سيكون إجراءً غير مجدي؛ لأن “النتيجة الواضحة” لوقوع المهاجرين في البحر هو أن هواتفهم جميعها قد تعرضت لأضرار لا يمكن إصلاحها.
وقيل إن “مياه البحر دخلت إلى الهواتف المُصادَرة، ما أدى إلى عدم القدرة على استخراج أي نوع من البيانات الرقمية المخزنة منها، وبالتالي فإن [محاولة استخراج البيانات] لا معنى لها”.
التحقيق العسكري اليوناني مستمر
في الأسابيع التي تلت الكارثة، فُتِحَ تحقيق منفصل للمحكمة البحرية، لتحديد مدى المسؤولية المحتملة لخفر السواحل، إلا أنه لا يزال في المراحل الأولية.
وكانت جماعات حقوق الإنسان قد ناشدت بأنه ينبغي الانتهاء من ذلك، قبل أي محاكمة جنائية للمتهمين المصريين.
وقالت الحكومة اليونانية، التي تعهدت بمحاسبة المهربين واتخاذ إجراءات صارمة ضد المعابر غير الشرعية، إن العدالة ستتحقق.