الكراوي يرصد واقع التدريس والبحث في العلوم الاقتصادية داخل الجامعة المغربية
تعززت المكتبة المغربية بكتاب جديد يحمل عنوان “التدريس والبحث في العلوم الاقتصادية بالجامعات العمومية المغربية” لإدريس الكراوي، الأكاديمي والخبير الاقتصادي المغربي ورئيس الجامعة المفتوحة للداخلة، صادر بشكل مشترك عن دار النشر الفرنسية “L’HARMATTAN” والجامعة المفتوحة للداخلة ضمن سلسلة “إفريقيات الغد”.
وعبر صفحاته التي ناهزت المائة وسبعين، رصد الكتاب مجموعة من الحقائق المتعلقة بوضعية التدريس والبحث في العلوم الاقتصادية بالمغرب؛ أبرزها “انعدام مقاربة مشتركة ومنسَّقة بين أعضاء هيئة التدريس بشأن الأسس التي يقوم عليها تكوين النخب الاقتصادية”. وفسر الكاتب هذا الأمر بـ”غياب بنية للتتبع المؤسساتي والموحد للتفكير الجماعي المشترك للاقتصاديين المغاربة بشأن هذه الإشكالية على الصعيد الوطني”.
وحول الوضعية الراهنة للتدريس والبحث في هذا المجال، رصد هذا العمل الجديد تطور أعداد الطلبة المسجلين في الجامعات العمومية المغربية في شعبة العلوم الاقتصادية، هذا العدد الذي ارتفع في سنة 2020 بأزيد من 39 ضعف العدد المرصود سنة 1976، مسجلا ارتفاع جاذبية هذه الشعبة مع مرور السنوات، إذ تستهوي هذه الأخيرة الطالبات اللواتي تضاعف عددهن بأكثر من 138 مرة ما بين السنتين سالفتي الذكر.
وبالمثل، رصد الكاتب تطور عدد الخريجين في شعبة العلوم الاقتصادية الذي بلغ عددهم أكثر من 25 ألف طالب خلال سنة 2020؛ فيما ناهز عدد الأساتذة الباحثين في الشعبة المذكورة بقطاع التعليم العالي العمومي أكثر من 1290 أستاذا خلال السنة ذاتها، لافتا إلى أن إنتاج المؤلفات الاقتصادية عرف بدوره تطورا إيجابيا، على الرغم من انخفاض الإنتاج السنوي بين سنتي 2000 و2020 من 32 إلى 25 مؤلفا سنويا.
في المقابل، كشفت نتائج بحث استقصائي متضمن في الكتاب، استهدف عينة مكونة من الطلبة خريجي من الجامعات العمومية في شعبة العلوم الاقتصادية، عن “عجز الأجيال الجديدة من الخريجين عن ذكر أسماء عشرة اقتصاديين قدموا قيمة إضافية لمسارهم الأكاديمي”، مشيرا إلى أن “مقارنة اقتراحات خريجي الجامعات العمومية المغربية الأصغر والأكبر سنا، بصرف النظر عن نوع الشهادة (إجازة أو ماستر أو دكتوراه)، تُظهر أنهم يجهلون جهلا حقيقيا المؤلفات المنشورة من قبل الاقتصاديين ببلدهم”.
وفي استعراضه لأبرز المشاكل الرئيسية التي اعترضت التدريس والبحث طيلة مسار التكوين، كشفت معطيات الدراسة عن مجموعة من المشاكل؛ أهمها “جودة التكوين وتأطير مشاريع نهاية الدراسة والأطروحات”، وغياب الدروس التطبيقية، وعدم ملاءمة التكوين مع احتياجات سوق الشغل، إضافة إلى مشكل اللغات وغياب الشراكات مع الجامعات الأجنبية والفاعلين في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي على الصعيد الوطني.
وأضاف الكتاب في هذا الصدد أن “الأطراف الفاعلة المباشرة في المنظومة الوطنية للتدريس والبحث في العلوم الاقتصادية بالجامعات العمومية المغربية تتقاسم رؤية واضحة ووثيقة الصلة واستشرافية للجوانب الظاهرة والخفية لهذه الإشكالية الحاسمة، من أجل إنتاج وإعادة إنتاج أجيال جديدة من الباحثين الاقتصاديين المشهود لهم بالتميز”.
وأشار الكراوي إلى عدد من الأعطاب العميقة والتحديات التي تعيق تمكين الجامعات العمومية المغربية من الاضطلاع بمهامها في إنتاج نخب علمية وتكوين الكفاءات وتحفيز دينامية الابتكار؛ على غرار “الطبيعة المفككة للتدريس والبحث في العلوم الاقتصادية، ووجود باحثين “معزولين” وأبحاث لا تمت بأنه صلة إلى الواقع الاقتصادي والمجتمعي والترابي، ثم الضعف الشديد للتمويل الموجه للأبحاث، وتمويل مهم مخصص للتعليم دون أن ينتج مردودية، وغياب منظومة وطنية شاملة ومندمجة للإعلام ومعززة بقيادة مؤسساتية موحدة”.
ومن أجل الارتقاء بمنظومة التدريس والبحث في العلوم الاقتصادية بالجامعة المغربية، أوصى المؤلف بإعادة تأهيل الأساتذة وتعبئتهم وتحفيزهم، وإعادة النظر في إعادة التفكير في المهام المسندة للمدرسة والمقاربات المعتمدة لتشجيع البحث الأكاديمي، وإشراك الباحثين الاقتصاديين وترسيخ ثقافة التدريس والبحث في المجالات الترابية، مع منح الطلبة دورا أكبر في هذا الإطار.