مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- Author, عدنان البرش
- Role, بي بي سي
وصلت السيدة أم محمد زيدان إلى المقبرة الجماعية التي تم اكتشافها داخل مستشفى ناصر الطبي في مدينة خان يونس، لتبحث عن جثة ابنها نبيل الذي قتل قبل عدة شهور خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي للمدينة، تسير بخطوات متثاقلة ونفس منكسرة وتحمل بين يديها باقة من الورود وزجاجتين من العطور وزيت الكافور، تبحث بين الجثث المتناثرة في محاولات حثيثة ويائسة للعثور عليه، لتقوم بتغطية جثته بالورود ورش العطور عليها لأنها كانت تخطط قبل الحرب لتزويجه وإقامة مراسم زفاف كبيرة له، كما قالت.
جثث متحللة وجماجم مدفونة ورائحة فظيعة
يضيف شاهد عيان آخر في حديثه لبي بي سي “شاهدت جماجم مدفونة في الأرض وأيدي وأرجل مقطعة وجثث متحللة وكانت الرائحة فظيعة جداً في المقبرة الجماعية التي اكتشفها جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في داخل مستشفى ناصر الطبي مقابل مبنى قسم أمراض الكلى في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة “وذلك بعد انتهاء العملية البرية الإسرائيلية في المدينة قبل عدة شهور.”
وتقول سيدة ثانية وصلت لمكان المقابر إن آثار ابنها اختفت منذ عدة شهور وعلمت لاحقاً أنه كان موجوداً برفقة صديق له داخل مستشفى ناصر. وبعد عدة أيام من محاصرة القوات الإسرائيلية لهم طلبت منهم الخروج ومن ثم أطلق جنود إسرائيليون النار عليه وقتلوه بثلاث رصاصات، تقول السيدة وقد بدى على ملامح وجهها التعب والإنهاك الشديدين بسبب حزنها الكبير وبكاها الكثير على نجلها، أنها جاءت اليوم لتبحث عنه بين الجثث، ولكنها تواجه صعوبة بالغة في التعرف عليه لأنها علمت لاحقاً من صديقه أنه قام بتبديل ملابسه التي كان يرتديها عندما اختفت آثاره، وأصبحت هي الآن في مهمة بحث ثانية تحاول الوصول إلى شكل الملابس التي كان يرتديها، ولكن المهمة تبدو معقدة ومستحيلة.
اختفاء ألفي شخص وتوقعات بدفن سبعمئة في ثلاث مقابر جماعية
استفاق سكان مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة على أنباء اكتشاف مقابر جماعية حفرتها قوات الجيش الإسرائيلي بعد توغلها في المدينة لعدة شهور قبل أن تتراجع على أطرافها الشرقية، وهرع هولاء السكان مسرعين لتفقد الجثث، حيث أن الكثير منهم فقدوا أبناءهم ولا يعرفون مصيرهم.
ومنذ يومين تواصل فرق الدفاع المدني الفلسطيني والأهالي عمليات انتشال عشرات الجثث، بل ربما المئات، إذ أعلن الناطق باسم الدفاع المدني بغزة انتشال أكثر من 283 جثمان من مختلف الفئات العمرية بينهم العشرات من داخل مستشفى ناصر كانت دفنتهم قوات الجيش الاسرائيلي، فيما ظل نحو 500 شخص في عداد المفقودين، مؤكدً أيضاً اختفاء 2000 فلسطيني فيما وصفه ” بمجزرة خان يونس” الأخيرة .
وأضاف في تصريح صحافي “الاحتلال الإسرائيلي يجرف عشرات الجثث ويدفنها قبل انسحابه من أي منطقة في القطاع والعدد الأكبر من ضحايا المقابر الجماعية واقتحام المستشفيات هم نساء وأطفال ومن المرضى والنازحين “.
“الجيش الإسرائيلي أعدم عشرات المرضى والكوادر الطبية”
“قام جنود الجيش الإسرائيلي بتعرية عشرات المرضى والنازحين وكوادر طبية قبل أن يقوم بإعدامهم بدم بارد رمياً بالرصاص، كما وأنهم قاموا بحفر مقبرتين جماعيتين داخل أسوار مجمع مستشفى ناصر الطبي بهدف إخفاء جرائمهم البشعة ونتوقع وجود 700 شهيد في تلك المقابر الجماعية”، وذلك وفقاً لمدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة.
وأكد الثوابته في بيان صحافي أن مصير عشرات ممن كانوا في مجمع ناصر لا يزال مجهولاً بعد انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من مدينة خان يونس.
وقال ” وجدنا في مجمع ناصر جثثاً دون رؤوس وأجساداً دون جلود وبعضهم سُرقت أعضاؤهم” مطالباً بفتح تحقيق دولي لمعرفة أسباب تبخر وتحلل جثث بعض منهم، على حد تعبيره.
يقول الطبيب الفلسطيني احمد أبو مصطفي من مستشفى ناصر لبي بي سي إنهم وجدوا جثثاً بلا جلود وأخرى بلا أعضاء وبعضها بدون رؤوس، وأن إحداها تعود لأحد الكوادر الطبية، وقد تمكنوا من التعرف عليه من الزي الذي كان يرتديه وقد كان مقيد اليدين وكانت ملامحه مختفية، على حد قوله.
الصليب الأحمر: يجب وقف شلال الدم في غزة
أشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن هناك مزيداً من الجثث تنتشر في كافة أرجاء قطاع غزة، وهذا ما يدلل على أن الفاجعة لا تزال مستمرة وتتكشف جراء تلك الحرب المأساوية والتي لا بد أن تتوقف، ويجب وقف شلال الدم في القطاع والسماح بالعمل بكل حرية للمؤسسات الدولية والإغاثية والإنسانية، وفقاً لما قاله هشام مهنا المتحدث باسم اللجنة في حديثه لبي بي سي.
حماس: الدعم الأمريكي السياسي والعسكري لإسرائيل يشجعها على “المجازر”
قالت حركة حماس من جانبها في بيان لها، إن ما وصفته بـ”الجرائم المروعة التي يقترفها الجيش المجرم، وعمليات القتل بالجُملة للمدنيين العزل، من أطفال ونساء وشيوخ، في المستشفيات، ومراكز وخيام الإيواء والنزوح، والأحياء السكنية؛ ما كانت لتتواصَل، لولا الدعم السياسي والعسكري اللا محدود، والغطاء الذي تمنحه إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، لهذا الكيان الفاشي”.
وأضافت الحركة ” إن المقبرة الجماعية الجديدة التي تم اكتشافها في مجمّع ناصر الطبي، وتضم جثامين أكثر من خمسين شهيداً من مختلف الأعمار، والذين تم إعدامهم بدم بارد، ومواراتهم بالجرافات العسكرية تحت تراب باحات المجمّع، والتي تُضاف إلى العديد من المقابر الجماعية التي تم العثور عليها، خصوصاً في باحات المستشفيات؛ تؤكّد من جديد حجم الجرائم والفظائع التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني”.
وتابع البيان ” وتطرح التساؤلات حول مصير آلاف الفلسطينيين الذين ما زالوا مفقودين بعد انسحاب جيش الاحتلال الفاشي من مناطق في قطاع غزة” .
اكتشاف مقابر جماعية أخرى
اكتشاف المقبرتين في خان يونس ليس الأول من نوعه، حيث أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية قبل عدة أيام فقط عن تفاصيل ما وصفته بـ”أفظع مجزرة” ارتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، بعد انتشال جثامين 30 شخصا دفنوا في مقبرتين بمجمع الشفاء الطبي، وتحدثت الصحة عن جرائم بحق الإنسانية تكاد تكون الأبشع في التاريخ بحق مجمع طبي.
وقالت الوزارة في بيان سابق إن إحدى المقبرتين أمام قسم الطوارئ والأخرى أمام قسم الكلى، وإنه تم اكتشافهما بعد عدة أيام من عمل الطواقم الحكومية المختصة، بحثاً عن جثامين الضحايا التي أخفاها الجيش في زوايا مجمع الشفاء الطبي، وتحت بقايا ركامه وأنقاضه.
وتم التعرف على جثامين 12 شخصاً فقط، فيما لم يتم التعرف على البقية، حيث تقول مصادر وزارة الصحة إن الجيش الإسرائيلي تعمّد إخفاء الجثامين ودفنها عميقاً بالرمال وإلقاء النفايات عليها.
هذا وقد تكرر نفس المشهد تقريباً في مستشفى كمال عدوان الواقع في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة في فبراير/شباط الماضي، حين تحدث أطباء في حينها عن قيام القوات الإسرائيلية التي اقتحمت المستشفى بحفر القبور وسحب الجثث ثم سحقوها بالجرافات، ورصدت وكالة أنباء فرانس برس ما حدث في باحة مستشفى كمال عدوان وقالت إنها استحالت في حينه ركاماً، حيث سار فلسطينيون وسط الأنقاض لانتشال الجثث.
تواصلت بي بي سي مع الجيش الإسرائيلي للتعليق على ملف المقابر والجثث المفقودة إلا أنه لم يزودنا بالإجابة إلى الآن.