المغرب متصالح مع الهوية .. وعلاقة الأمازيغ بإسرائيل “تهمة عُروبية”
نوه سمير النفزي، رئيس حزب “أكال” الأمازيغي التونسي، بالمكاسب التي حققتها القضية الأمازيغية في المملكة المغربية، التي قال إنها متصالحة مع ثقافتها وهويتها ومجتمعها، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن المناخ السياسي وهامش الحريات الذي يتمتع به المغرب، وكذا الرمزية التي يحظى بها علاقة بالمسألة الأمازيغية، دفعت حزبه إلى اختيار المملكة لإعلان الترشح وإطلاق حملته الانتخابية لخوض السباق الرئاسي في تونس.
وشدد رئيس الحزب الأمازيغي ذاته في الحوار التالي الذي أجرته معه جريدة هسبريس الإلكترونية على ضرورة عودة العلاقات التونسية المغربية إلى سابق عهدها، منتقدا سياسة النظام الجزائري في المنطقة المغاربية ومحاولاته توريط تونس في “مغامراته السياسية”، ورافضا في الوقت ذاته محاولات “الحركات القومية العروبية” تشويه سمعة الحراك الأمازيغي من خلال ربطه بإسرائيل.
نص الحوار:
لنبدأ أولا من تونس، ما هي أبرز التحديات التي مازالت تواجهه العمل السياسي الأمازيغي في هذا البلد المغاربي؟
في الحقيقة هناك مجموعة من التحديات التي تواجه العمل السياسي الأمازيغي في بلادنا، منها تحديات تتعلق بالأمازيغ في ما بينهم، على اعتبار أن هناك العديد منهم ممن لم يقتنعوا بعد بضرورة العمل السياسي لنيل المكاسب والحقوق التاريخية، أو بضرورة الانخراط في هذا العمل من أجل رسم مشروع سياسي يجعل من الأمازيغية أساسا ومنطلقا فكريا له.
وهناك أيضا تحديات ترتبط بالفاعلين السياسيين في تونس من جهة والسلطة الحاكمة من جهة أخرى، ذلك أن مختلف الفاعلين السياسيين الموجودين اليوم في الساحة السياسية، سواء كانوا إسلاميين أو قوميين أو يساريين أو غيرهم، غير مقتنعين بالمسألة الأمازيغية نتيجة سياسة التعريب والهيمنة الإيديولوجية الكاملة على الأفكار ورفض الاختلاف الجوهري، فيما ساهمت السلطة بدورها في طمس الأمازيغية، وبالتالي فهي لم تعد ترضى بوجودها أو بعودتها إلى المشهد السياسي.
ماذا عن المغرب، ما هو تقييمكم للمكاسب التي حققها القضية الأمازيغية في المملكة المغربية؟
نحن نشيد بالمكاسب التي حققها الأمازيغ في المغرب ونعتبرها مكاسب إيجابية جد مهمة وتمثل نقلة نوعية كبيرة في المسار الذي قطعته القضية الأمازيغية في المنطقة، على اعتبار أن دسترة اللغة الأمازيغية وتعميمها في المدارس والإدارات العمومية المغربية والمراسلات الإدارية، أضف إلى ذلك إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها، كلها إنجازات لم تصل إليها تقريبا أي دولة في شمال إفريقيا. ونعتبر أن الدولة المغربية متصالحة مع نفسها ومع هويتها الثقافية بتعدد أبعادها ومع مختلف مكونات المجتمع المغربي، وهناك أيضا سعي حثيث إلى إرساء سلم اجتماعي حقيقي، وتثبيت هوية ثقافية حضارية متصالحة ومتسامحة.
طيب، هل هناك تنسيق بين مكونات الحركة الأمازيغية في دول شمال إفريقيا بشأن توحيد الجهود من أجل الحصول على المزيد من المكاسب؟
نعم هناك مجهودات يتم القيام بها في هذا الإطار من أجل محاولة إيجاد جسم سياسي وهيكلي لتنسيق الجهود وتقديم الدعم للحركة الأمازيغية في مختلف الدول في سبيل الحصول على المزيد من المكاسب والحقوق التاريخية، غير أن هذه المجهودات مازالت محتشمة وتعيقها في بعض الأحيان بعض الاختلافات وليس الخلافات، على اعتبار أن هناك حركات متقدمة وأخرى مازالت في طور النشأة، وبالتالي فنحن نحاول التقدم رويدا وريدا على هذا المستوى من أجل تذويب هذه الفوارق والاختلافات ورسم خطوط مشتركة ثقافيا وسياسيا لتقوية هذه الجهود.
مؤخرا أعلنتم عزمكم الترشح للانتخابات الرئاسية التونسية، واخترتم إعلان ترشحكم وإطلاق حملتكم لهذه الاستحقاقات انطلاقا من المغرب، ما الذي يحكم هذا الاختيار؟
إن اختيارانا في حزب “أكال” المملكة المغربية لإطلاق حملة الترشح للانتخابات الرئاسية التونسية المرتقبة في أكتوبر القادم كان نتيجة نقاشات عميقة ومعمقة داخل المكتب السياسي للحزب، وبعد استشارة مختلف هياكل التنظيم ومنخرطيه. وقد وقع الاختيار على المغرب لعدة أسباب أهمها المناخ السياسي في هذا البلد، وهامش الحقوق والحريات الذي يوفره، كما يتيح لنا التحرك بكل حرية والتنسيق مع الحركات الأمازيغية، وبالتالي إدارة حملتنا الانتخابية بكل أريحية، أضف إلى ذلك رمزية المملكة المغربية الكبيرة في المسألة الأمازيغية.
فلنتحدث الآن عن العلاقات المغربية التونسية التي تشهد فترة جمود منذ مدة بسبب استفزازات القيادة التونسية الحالية للمملكة، خاصة في ملف وحدتها الترابية، هل أخطأ قيس سعيد في نظركم حينما أضر بالعلاقات مع المغرب أم إن للرجل حسابات سياسية أخرى؟
العلاقات بين البلدين دخلت في نفق مظلم منذ استقبال الرئيس قيس سعيد زعيم المتمردين في الصحراء وعميل العسكر الجزائري خلال قمة “تيكاد”، وهذا جزء من مخطط جزائري لاستدراج النظام التونسي واحتوائه بغرض عزل المغرب، وبالتالي فمن الطبيعي أن تقدم الرباط على رد فعل ضد هذا المخطط الذي يروم فصل المملكة المغربية عن صحرائها، وزرع كيان جديد في الجسم المغاربي.
في الصدد ذاته سبق لنا في الحزب أن أصدرنا بيانا أطلقنا عليه “الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه”، ونددنا من خلاله بما أقدم عليه الرئيس التونسي، وسجلنا رفضنا هذا السلوك الأرعن وغير المدروس الذي أضر بعلاقاتنا مع الرباط؛ هذه العلاقات التي نقيمها في حزب “أكال” باعتبارها أكثر موثوقية من علاقاتنا مع النظام العسكري في الجزائر.
وأؤكد هنا أن العلاقات بين تونس والمغرب لا بد أن تعود كما كانت عليه وأكثر، وسنعمل على ذلك في “أكال” وسنضغط على السلطة وسنحاول كشف وفضح كل ما تقوم به المخابرات العسكرية الجزائرية لإبعاد تونس عن المملكة المغربية، متعللة بمسألة تطبيع الرباط علاقاتها مع إسرائيل، رغم أن هذا الأمر يخص المملكة وحدها ويدخل في إطار ممارستها حقوقها السيادية وحريتها في اختيار حلفائها وشركائها. ولذلك نعتبر أن السياسية الخارجية التونسية قد حادت عن الطريق الصواب ولا بعد أن تعود إلى سكتها الحقيقية.
ما الذي استفادته الدولة التونسية من هذا “الارتماء الأعمى” في أحضان الجزائر، كما يصفه متتبعون؟
النظام العسكري الجزائري لم يقم بشيء سوى بتخريب الدولة التونسية وإغراق البلاد بمنتجات التهريب والمخدرات والمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، وبكل ما من شأنه المساس بالأمن التونسي في أبعاده المختلفة. أضف إلى ذلك أن التجربة الديمقراطية في تونس تمثل تهديدا وجوديا وخطرا كبيرا بالنسبة للنظام في الجزائر وللعصابة الحاكمة في هذا البلد.
في السياق نفسه، كان هناك مؤخرا تنسيق تونسي ليبي جزائري لإعادة إحياء تكتل اتحاد المغربي الكبير، مع إقصاء المغرب وموريتانيا، كيف تنظرون إلى هذه الخطوة؟
هذه الحركات البهلوانية التي يحاول من خلالها النظام الجزائري إعادة إحياء الاتحاد المغاربي مع إقصاء المغرب وموريتانيا لا تعدو أن تكون محاولات فاشلة، لأنه لا يمكن مطلقا تأسيس تكتل سياسي واقتصادي ناجح في المنطقة بدون الرباط ونواكشوط، لأنهما تمثلان العمق المغاربي وحجز الزاوية في تكوين وإعادة إحياء التكتل المغاربي؛ وبالتالي فإن النظام في الجزائر يحاول استغلال الضعف الاقتصادي والأزمات التي تمر بها تونس من أجل استغلالها في هكذا مناورات والزج بها في مغامراته السياسية.
ودعني أقول إن هذه المحاولات لن يُكتب لها النجاح لأنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال فصل التاريخ عن الجغرافيا في المنطقة المغاربية، وستجد كل هذه المحاولات الجزائرية مقاومة شديدة من طرف أمازيغ تونس وليبيا الذين لن يرضون بهذا العطب الإقليمي الذي يسعى النظام الجزائري إلى أن يورطنا فيه، وأن يفصلنا عن إخواننا في غرب الجسم المغاربي. هذا النظام الجزائري الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة لا يمكنه التأثير على طبيعة علاقاتنا بإخواننا في باقي الدول المغاربية.
كسؤال أخير، هناك أفكار سائدة لدى البعض عن أن الحركات الأمازيغية تسعى إلى بث التفرقة بين أبناء الشعب الواحد وتساند إسرائيل على حساب فلسطين، فطالما تعرضت الحركة الأمازيغية ونشطاؤها لانتقادات في هذا الصدد، ما تعليقكم على هذا الأمر؟
هذه أفكار مغلوطة يتم الترويج لها لضرب الحراك الأمازيغي وتشويه صورته لدى عامة الناس، وهذا بالنسبة لنا في تونس تقوم به السلطة والمعارضة على حد سواء، لأنهم واعون بأن العامة لا يمكن أن يسمحوا أو أن يتعاطفوا مع من يمس مقدساتهم، وهذا ما تحاول بعض الجهات استغلاله من خلال كيل الاتهامات الباطلة للحرك الأمازيغي ومحاولة ربطه بإسرائيل، خاصة من طرف الحركات القومية العروبية، في حين أن هذا الحراك لا يعبر إلا عن حركة علمانية تقدمية حضارية. والمعروف أن العلمانيين لا يستهدفون الدين وإنما يسعون إلى وضع أطر وضوابط للتدين مع حرية اعتناق أي دين، واحترام حرية المعتقد؛ وبالتالي فكل هذه الأفكار التي تروج عن الحركة الأمازيغية في المنطقة مردودة على أصحابها، وتعد في نظري وجها آخر من أوجه المحاولات الرامية إلى استئصال الأمازيغية من جذورها.