إشكالات تواجه ترسيم الحدود البحرية بين المغرب وإسبانيا.. و”الكناري” تترقب
دعت نيفيس ليدي باريتو، وزيرة الإدارات العامة والعدل والأمن في حكومة جزر الكناري، الثلاثاء، خلال جلسة للبرلمان المحلي، إلى “توحيد جهود جميع المجموعات البرلمانية لتشكيل جبهة موحدة للمطالبة بترسيم الحدود البحرية مع المغرب بشكل رسمي”، كما طالبت بإعادة تنشيط فريق العمل المعني بترسيم الفضاءات البحرية على الواجهة الأطلسية، تنفيذا لمقتضيات الإعلان المشترك الذي وقعته الحكومة الإسبانية مع المملكة المغربية في السابع من أبريل من العام 2022.
وأشارت المسؤولة المحلية ذاتها، في كلمتها، إلى ضرورة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين على أساس المفاوضات، بعيدا عما أسمته “سياسة الأمر الواقع”، منتقدة في الوقت ذاته “نقص المعلومات من الحكومة المركزية في مدريد في هذا الشأن”، معترفة بأن “هذا الملف معقد ويجب حله في إطار المنظمات الدولية المختصة”. كما نادت بـ”الامتثال إلى ضوابط نظام الحكم الذاتي” في بلادها والحرص على أن تكون جزر الكناري جزءا من الاجتماعات التي تتم فيها مناقشة ترسيم المجال البحري مع الحكومة المغربية.
أهمية اقتصادية وإشكالات قانونية
محمد عصام العروسي، أستاذ مختص في الشؤون الاستراتيجية، قال تعليقا على دعوات المسؤولة الوزارية في حكومة جزر الكناري، إن “هذه الأخيرة تخضع لنظام المناطق الذي تعتمده الدولة الإسبانية، التي لها حكومات وبرلمانات محلية تحدد بعض الأولويات، إلا أن القرارات السيادية من هذا النوع من اختصاص السلطات المركزية في العاصمة مدريد”.
وأوضح العروسي، في معرض حديثه مع هسبريس، أن “النقاش حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين تفجر في سنة 2020 حينما قام المغرب باستصدار قانون يقر بضرورة ترسيم المجال البحري المغربي، وكان الموقف الإسباني حينها رافضا لهذه الخطوة المغربية على أساس أن مدريد رأت أن هذا الأمر يجب أن يخضع للمفاوضات”، مشيرا إلى أن “المناطق البحرية المتاخمة لجزر الكناري شكلت مطمعا لحكومة هذه الأخيرة، بالنظر إلى الثروات الطبيعية المهمة التي تضمها، أضف إلى ذلك أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية”.
وتفاعلا مع سؤال حول أبرز الإشكالات التي تطرحها مسألة ترسيم المجال البحري الحدودي بين البلدين، لفت الأستاذ الجامعي ذاته إلى “وجود إشكالات قانونية؛ ذلك أن القانون الذي يسري في هذا الباب هو اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 التي دخلت حيز التنفيذ في سنة 1994″، موضحا أن “هذا النص القانوني الدولي يعطي للمغرب إمكانية استغلال السواحل المتاخمة للكناري وإقامة منطقة اقتصادية خالصة تصل إلى 200 ميل بحري”.
وبين المصرح لهسبريس أن “هذا الأمر يعطي كذلك للمملكة المغربية حق السيادة في هذا المجال البحري وحق استغلاله واستغلال موارده الطبيعية، حيث سبق للحكومة الإسبانية أن رفضت الخوض في هذا الترسيم على اعتبار أنه لا يخدم مصالح مدريد ومصالح جزر الكناري التابعة لها”، معتبرا أن “المغرب يطالب بهذا الترسيم لمراقبة مياهه البحرية وتحديد صلاحياته وولايته القانونية بشكل واضح بناء على اتفاقية قانون البحار، غير أن هذا الأمر سيصطدم بإشكالات ستطرح على مستوى المنطقة الاقتصادية الخالصة، وإشكالات على مستوى تحديد منطقة الجرف القاري الذي تدفع به إسبانيا”.
وخلص العروسي إلى أن “هذه الإشكالات غير محسومة من الناحية القانونية وتحتاج إلى مفاوضات عسيرة للوصول إلى تفاهمات ونتائج مرضية للطرفين. ومع التقارب الإسباني المغربي في العديد من المواقف، من الممكن التوصل إلى نتائج ملموسة تخدم طبيعة الشراكة الاقتصادية بين البلدين واستغلالهما لهذه المناطق بشكل متوازن ومتعادل”.
بعد استراتيجي ورهانات جيو-سياسية
تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال محمد عطيف، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، إن “ملف ترسيم الحدود البحرية بين المغرب وجزر الكناري ومن خلالها إسبانيا، من ضمن الملفات ذات البعد الاستراتيجي لكلا البلدين اللذين دخلا في مفاوضات ونقاشات بمشاركة الحكومة المحلية في الكناري من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة لترسيم الحدود بينهما على أساس مبادئ القانون الدولي، ولا سيما اتفاقية قانون البحار”.
وأضاف عطيف، في تصريح لهسبريس، أن “هذا التوجه تعزز بشكل أكبر منذ الإعلان المشترك بين البلدين في أبريل 2022 الذي أسس لحقبة جديدة من العلاقات المغربية الإسبانية، حيث اتفقا على حل مختلف القضايا العالقة بينهما على أساس المفاوضات وعلى أساس عدم المساس بالحقوق السيادية لكليهما، على غرار قضية إدارة المجال الجوي في الصحراء المغربية وترسيم الحدود البحرية”.
ولفت المتحدث إلى أن “الحكومة المركزية في مدريد تواجه ضغطا كبيرا من طرف الحكومة والأحزاب المحلية في الكناري، وتعي جيدا حجم انتظارات هذه الأطراف، وهو ما حدا بها إلى إشراك الكناري في المفاوضات حول هذا الملف”، مشيرا إلى أن “صانع القرار الإسباني يعي في الوقت ذاته أهمية هذا الملف بالنسبة للمملكة المغربية وارتباطه باختياراتها الاستراتيجية في المنطقة، على غرار المبادرة الأطلسية التي من شأن تسوية هذا الموضوع على أسس واقعية تاريخية وجغرافية أن تدفع بها قدما وتساهم في تحقيق أهدافها الاستراتيجية”.
وأشار المصرح لهسبريس إلى أن “المملكة المغربية بدورها تعمل على تهيئة الأجواء لإيجاد حل عملي لهذا المشكل بما يحترم سيادة كلا البلدين ويتماشى مع القانون الدولي المنظم لمثل هذه المنازعات البحرية دون الوصول إلى القضاء أو التحكيم الدوليين”، مسجلا أن “الرباط صادقت في العام 2019 على مشروعي قانون يهمان بسط الولاية القانونية للمملكة على مجالها البحري وإحداث منطقة اقتصادية خالصة بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وهو ما يؤكد التزام المغرب بممارسة حقوقه السيادية بما يكرس الوضع القانوني والسياسي الجديد الذي ثبته في أقاليمه الجنوبية”.
وخلص الباحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، متحدثا عن مسارات تسوية هذا الملف، إلى أن “الدينامية التي شهدتها العلاقات المغربية الإسبانية منذ الإعلان المشترك لشهر أبريل من العام 2022، تُعطي دفعة قوية للملف، وتُعبر عن إرادة سياسية قوية لقيادتي البلدين لتوحيد الجهود لترسيم الحدود البحرية في إطار من التنسيق وتجنب اتخاذ أي قرارات أحادية الجانب من شأنها التأثير على مسار هذه العلاقات وعلى حجم انتظارات البلدين ورهاناتهما الجيو-سياسية والاقتصادية من هذه التسوية”.