من السويداء إلى إدلب.. شابات سوريات يواصلن الاحتجاج بعد 13 عاما
رغم مرور ثلاثة عشر عاما على اندلاع الثورة السورية، يظل من المستعبد الوصول إلى حل للصراع الذي خلف مئات آلاف القتلى وشرد الملايين ودمر مدنا بأكملها.
وشهدت مدن سورية خلال العام الماضي موجة جديدة من الاحتجاجات يقودها جيل شبابي جديد لم ينخرط في احتجاجات 2011، لكنه يرى في التظاهرات أملا جديدا لتغيير الأوضاع في البلاد.
ومن بين هؤلاء المتظاهرين الجدد لبنى في السويداء، وغيثاء في إدلب.
- Author, ديما ببيلي
- Role, بي بي سي نيوز عربي
وبين شمال سوريا وأقصى جنوبها، تتشابه مطالب الشابتين وسط الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد، وانعدام الحريات السياسية.
فبينما تجدد لبنى المطالب نفسها التي رددها المشاركون في احتجاجات 2011، كإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ووضع نهاية لما تصفه بـ “السلطة القمعية المسؤولة عن تردي أوضاع البلاد”، تتظاهر غيثاء في الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة السورية، ضد هيئة تحرير الشام الإسلامية وزعيمها أبو محمد الجولاني، في محاولة لإعادة التذكير بحقوق ومطالب السوريين، ورفض الممارسات الأمنية والاحتكار الاقتصادي والسياسي الذي تمارسه الحركة الإسلامية المتشددة.
هتافات ضد البعث وتجارة المخدرات
تقول لبنى الباسط، التي كانت تمتهن تدريس الفيزياء: “معظم شباب البلاد عاطلون عن العمل، وأنا واحدة منهم. هذا الواقع الذي نعيش فيه الآن”.
تتذكر الفتاة البالغة من العمر 28 عاما، كيف تأثرت حياتها عندما كانت طالبة في مرحلة الثانوية بالانتفاضة الشعبية التي شهدتها سوريا، قائلة: “أذكر القبضة الأمنية القوية، وكيف كانت مشاركة السويداء في الاحتجاجات خجولة بعض الشيء”.
لكن على الرغم من القمع والمخاطر والخسائر المهولة التي شهدتها سوريا خلال العقد الماضي أو أكثر، تؤكد لبنى على أهمية مشاركتها كامرأة في إعادة إحياء الثورة السورية. وتقول: “بالنسبة لي، وجودي في ساحة الاحتجاج يحقق لي ذاتي في المجتمع، كامرأة وكمواطنة، ويحقق لي أهدافي وأحلامي والبلد الذي أسعى له”.
وتعد السويداء معقلًا للطائفة الدرزية في سوريا، وخلال الأشهر الأخيرة (منذ صيف 2023)، تشهد المدينة احتجاجات شبه أسبوعية، كان دافعها في البداية تزايد الشكاوى حيال الأوضاع الاقتصادية والاستياء بسبب التضخم المتزايد، لكن سرعان ما تحولت إلى دعوات لسقوط حكومة الأسد، وحرق لافتات تحمل صورة الرئيس السوري واقتحام مكاتب حزب البعث الحاكم.
تقول لبنى إن أدنى مقومات الحياة الأساسية أصبحت غير متاحة في السويداء. وتضيف: “لا نحصل سوى على أربع ساعات من الكهرباء في اليوم فقط، وتوزيع الخبز مقنن، والحكومة تحتكر بيع المحصولات الزراعية، ونحن نعيش في منطقة تعتمد على الزراعة بشكل أساسي”.
وتضيف لبنى: “حتى المياه علينا أن نشتريها، وراتب الموظف الشهري الذي لا يتجاوز ما قيمته 15 دولارا، لا يكفي لشراء المياه لعائلة واحدة”.
وفي إحدى الاحتجاجات التي شهدتها السويداء الأسبوع الماضي، ردد المحتجون شعار “لا تجارة كبتاغون ولا كتائب بعثية”، وتشرح لبنى العلاقة بين الأمرين بالقول “الطريقة الوحيدة للاكتفاء المالي في السويداء هي تجارة المخدرات، والتي يتاجر بها نظام الأسد والمقربون منه”.
وتشير تقارير عديدة، بما فيها تحقيق أجرته بي بي سي عربي، إلى أن عناصر داخل الحكومة السورية، بما في ذلك أفراد مقربون من دائرة الأسد المباشرة، كانوا متواطئين في إنتاج وتهريب مخدرات غير قانونية.
مشاركة نسائية
وبحسب لبنى، فإن المشاركة النسائية في احتجاجات السويداء كبيرة وملحوظة، حيث تقول: “أعرافنا الاجتماعية والدينية تعزز دور المرأة وأهمية صوتها، فوجودها في ساحة الاحتجاج كان أمرا طبيعيا وبديهيا”.
وتستشهد لبنى بالمشاركة النسائية في حركة الاحتجاجات لتشكك في الرواية التي تروج لها الحكومة السورية عن أن جميع المعارضين متشددون دينيا، وتقول: “المرأة في السويداء تقدمت صفوف رجال الدين وكثير من الرجال في المشاركة في الاحتجاجات. يمكن القول إن المرأة هي من قادت الحراك”.
وتُرجع لبنى طبيعة هذه المشاركة الكبيرة للنساء إلى الطبيعة الزراعية لمجتمع السويداء، قائلة: ” النساء، سواء المتعلمات أو غير المتعلمات، لهن دور قيادي ورئيسي في المجتمع”.
وتختتم لبنى حديثها بالقول إن “على كل النساء في سوريا المشاركة في الثورة”.
السياسة حكر على الرجال
أما في الشمال السوري، فإن غيثاء تشارك في التظاهرات من خلال هوايتها في الرسم، حيث تقوم برسم جداريات سياسية تعبر عن آرائها.
والشابة البالغة من العمر 26 عامًا، كانت تدرس الطب البشري في حلب قبل أن تُضطر إلى عدم إكمال الدراسة، والآن تعمل كقابلة في مستشفى، وهي أم لأربعة أطفال.
تعبر غيثاء عن استيائها من الوضع السياسي في شمال سوريا، حيث تشعر بأن السياسة أصبحت حكرًا على الرجال فقط، وأن النساء تعرضن للتهميش التام، إذ ينظر للمرأة على أن دورها يقتصر على الاهتمام بشؤون الأسرة المنزلية فقط.
تستخدم غيثاء الرسم كوسيلة للتعبير عن مشاعرها، وتعتبره وسيلة لتلخيص ما تشعر به. تحب أن ترسم على وجوه الأطفال في المظاهرات.
في الشمال السوري، يُعتبر صوت المرأة “مزعجًا وغير مقبول”، حسب غيثاء، ويُنظر إلى ظهورها على الساحة العامة كعمل استفزازي.
ترى غيثاء نفسها متفائلة، لكن من الصعب عليها أن تظل متفائلة في ظل الوضع السياسي اليائس.
وفي الشمال السوري، بدأت الاحتجاجات في 27 فبراير/شباط الماضي، وتوسّعت تدريجياً إلى وسط مدينة إدلب، إذ يطالب المحتجون بإسقاط حكم حكم أبو محمد الجولاني، وكسر الاحتكار المفروض على المشهد الاقتصادي والسياسي والأمني، بالإضافة إلى تبييض السجون وكشف مصير المعتقلين والمغيبين.
يقول عبدالرحمن الطالب، أحد منسقي الحراك، إن أسباب الاحتجاج كانت تراكمية ولم تبدأ فجأة، مشيرا إلى أن “هيئة تحرير الشام تمارس الاحتكار والاستبداد والتسلط منذ سنوات، لكن نقطة الانفجار كانت بعد مقتل شاب تحت التعذيب من قبل جهاز الأمن العام”.
منذ سنوات، سيطرت “هيئة تحرير الشام” على مناطق شمال غرب سوريا، ويتركز تواجدها في محافظة إدلب ومناطق بريف محافظتي اللاذقية وحلب. ومع ذلك، فإن سلسلة التطورات الأخيرة قد أثرت على سلطة الجولاني، مما يجعل مستقبل المنطقة غير متوقع.