تجدد الخلاف في العالم الإسلامي حول بداية رمضان وسط إشادة بالتجربة المغربية
تزامنا مع بداية شهر رمضان، عاد إلى الواجهة مجددا النقاش حول التفاوت بين الدول الإسلامية في إعلان ثبوت رؤية هلال الشهر الفضيل من عدمه، حيث بدا اختلاف واضحا بين هذه الدول على هذا النحو، على الرغم من أنها تظل متجاورة من الناحية الجغرافية، فضلا عن أن عددا منها أعلنت عن بداية الشهر في وقت أكدت الحسابات الفلكية عكس ذلك.
وأعلنت غالبية الدول الإسلامية عن أن اليوم الاثنين الحادي عشر مارس يوافق الأول من شهر الصيام، باستثناء المغرب وليبيا والأردن وسلطنة عمان وماليزيا وأندونيسيا.
بدورها، اختلفت الاتحادات الإسلامية بالديار الأوروبية في تحديد بداية شهر الصيام، إلى درجة أن “المفوضية الإسلامية بإسبانيا” اضطرت إلى التراجع عن بلاغ سابق لها، معلنة بذلك الاثنين الأول من رمضان “أخذا برأي الأغلبية وتجنبا لشق الصف”.
وعلى هذا النحو، تظهر التجربة المغربية في مراقبة الأهلة كتجربة رائدة على المستويين الإفريقي والإسلامي ككل، حيث تتشدد عادة المملكة، ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في عملية رصد الأهلة وإعلان ثبوت رؤيتها من عدمها، في سياق يتسم بمشاركة عدد من الفاعلين المؤسساتيين؛ وهو ما يلقى إشادة كبرى من أطراف دولية وإسلامية، على اعتبار أن مختلف الحسابات الفلكية تبقى مؤكدة للقرارات المغربية.
إبراهيم أخيام، باحث في علم التوقيت، قال إن “الريادة المغربية في رصد الأهلة لم تأت من فراغ، على اعتبار أنها نتاجٌ لعدد من الأسس والمقومات؛ بداية باعتماد المملكة على الرؤية البصرية في التأكد من بداية الشهر الهجري عوض الاعتماد على الحساب الفلكي لوحده، كما هو معمول به في تجارب أخرى”.
وأوضح أخيام، في تصريح لهسبريس، أن “الأمر راجع كذلك إلى أن عملية رصد الهلال بالمملكة تظل عملية مؤسساتية وليست متروكة لأفراد لوحدهم كما هو الحال لدى بعض الدول، على اعتبار أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هي التي تتكلف بعملية رصده نهاية كل شهر؛ بما في ذلك هلال شهري رمضان وشوال، حيث تقوم باستنفار رجالها الذين يتوزعون على حوالي 270 لجنة على الصعيد الوطني، معززين كذلك بفرق من القوات المسلحة الملكية”.
وزاد المتحدث: “وتُحدث الوزارة لهذا الغرض لجانا محلية تتألف من مندوبين وعدول وقضاة وأئمة وخطباء، حيث تأخذ هذه اللجان مواقعها التي تصلح للقيام بمهمتها في رؤية الهلال بعد غروب الشمس بحوالي عشرين دقيقة، على أن يتم التنسيق مع اللجنة المركزية وإعلامها بنتيجة العملية، ومن تم التوقيع على محضر يؤكد تبوث رؤية الهلال من عدمها”.
وبيّن الباحث في علم المواقيت أن “المغرب لا يعتمد على الآلات الفلكية أو الحساب الفلكي؛ فهذا الأخير يظل بمثابة تمهيد علمي لصحة الرؤية وليست بالبديل عن الرؤية البصرية، وهو كذلك مُعين في تحديد موقع الهلال في جهة الغرب ومكانه وارتفاعه، حيث تُصدر الوزارة الوصية الحسابات الفلكية الخاصة بكل أشهر السنة لبيان إمكانية الرؤية من عدمها”.
وأكد أخيام أن “هذه الطريقة التي يتم العمل بها على مستوى المملكة تظل نموذجية وأبانت عن فعاليتها وصوابيتها، لا سيما أن الأمور تسند إلى مجموعة من الخبراء والمختصين في علم الفلك والمواقيت؛ وهو ما يجعل من المغرب بلدا رائدا في هذا المجال وتجربة تلقى الإشادة”، لافتا إلى أن “إعلان المملكة الثلاثاء الأول من رمضان يظل مطابقا للحسابات الفلكية، التي أشارت إلى أن شروط الرؤية تنعدم مساء 29 شعبان”.
من جهته، قال عبد اللطيف الوزكاني، باحث في العلوم الشرعية، إن “المتتبع للنقاش الذي يتكرر كل سنة حول مراقبة الأهلة، خصوصا هلالي رمضان وشوال، سيخلص إلى أن المغرب خطا خطوات كبيرة في التثبت من رؤية الهلال؛ وذلك بشهادة دول إسلامية وعربية بنفسها، أشادت بتجربته وبالنمط الذي يعتمده في هذا الإطار”.
وأوضح الوزكاني، في تصريح لهسبريس، أن “المغرب من الناحية الجغرافية يظل من أفضل المناطق لمراقبة الهلال على المستوى العالمي، فضلا عن اعتماد الوزارة الوصية على عدد من المتدخلين؛ بما فيهم قضاة وعدول وأئمة ومختصون في علم الفلك والمواقيت على المستوى المحلي فيما يصل إلى حوالي 300 موقع للمراقبة، على أن يتم فيما بعد البت في نتائج جميع عمليات المراقبة على الصعيد الوطني لتحديد ثبوت رؤية الهلال من عدمه”.
وأكد المتحدث أن “البعض يتساءل على مر السنين عن السبب الذي يجعل المغرب يخالف الدول الإسلامية والعربية الأخرى في الإعلان عن ثبوت رؤية الهلال؛ فالأمر يتعلق أساسا باختلاف الطرق المعتمدة في هذا الصدد. وعلى الرغم من هذا الاختلاف المسجل، فإن الواقع يثبت دائما أن رؤية الهلال بالمغرب تُوافق عادة الحسابات الفلكية؛ وبالتالي فهو اعتراف بنموذجية هذه التجربة وتفردها عن أخريات، مما جعلها تبقى في الريادة”.