أخبار العالم

بين الإكراه التاريخي والاقتراح العملي .. “خلافة العدل والإحسان” تثير الجدل



ألقى فتح الله أرسلان، نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الناطق الرسمي باسمها، حجرة في مياه “الخلافة” الراكدة في النقاش العمومي المغربي، بعدما أقرّ في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية بأن “الخلافة تمثل مسألة استراتيجية تهم العالم الإسلامي”، وأن تصور الجماعة لها هو أن “تكون إطارا يجمع مجموع الدول الإسلامية على غرار التكتلات العالمية الأخرى. وبهذا، فهي لا تهم جماعة العدل والإحسان وحدها أو المغرب منفردا”.

ما ذكره القيادي بـ”الجماعة”، يقدّم الخلافة بمنظور مختلف، كـ”قوة إسلامية قُطرية عُظمى”. لكن ما أثار النقاش بين المهتمين هو “استمرار فكرة الرومانسية رغم كل الطروحات القائلة باستحالة التفكير في أي شكل للخلافة”، باعتبارها “خطابا ثيوقراطيا انتهى تاريخيا ويعبر عن الرغبة في إقامة [دولة مستحيلة]، بتعبير المفكر وائل حلاق”. بيد أن “التبرير” الذي دفع به أرسلان، ليس بوصفها مؤسسة سياسية، بل “نظاما يمكن أن يتشكل بعد توحيد الأقطار الإسلامية”، بتعبيره.

“فكر غير تاريخي”

سعيد ناشيد، باحث في الفكر الديني، رفض إدراج اقتراح العدل والإحسان في خانة “الأهمية”، معتبرا أن “كلمة الخلافة تحيل على نسق مفاهيمي يعود إلى العصر الوسيط؛ عصر التوسعات الإمبراطورية أو ما قبل الدولة الوطنية، ودولة المؤسسات”، وقال: “بالتالي، ليست هناك أية قيمة أو جدوى للتّحايل على مفهوم الخلافة ومحاولة ربطه بتصور آخر حول تكتل قطري، لأن الخلافة هي اجتهاد فقهي وليس من العقيدة في شيء”.

ولفت ناشيد الانتباه، ضمن توضيحات قدمها لهسبريس، إلى “انتقال العالم إلى الدولة الحديثة رسميا. وهذه الدولة لديها جهاز مفاهيمي مختلف، لذلك التيارات الإسلاموية حين تلج الحقل السياسي يصطدم جهازها المفاهيمي مع الواقع، فتكون أمام خيارين، إما تكييف هذا الجهاز لتندمج أكثر أو يصبح الاصطدام عنيفاً في لحظة ما”، مؤكداً “غياب المعنى عن استمرار الإسلام السياسي بالأفكار القديمة نفسها الحالمة التي نرى أنها انتهت تاريخيا”.

وعن الخلافة مثلما تحدث عنها أرسلان كتكتل جديد بخلفية إسلامية ولكن مع التسليم بالانتصار للدولة المدنية، قال الباحث في الفكر الديني إن “هذا العصر لم يعد يقبل اقتراحات من توقيع الملّة أو العقيدة، لأننا، ببساطة، غادرنا التوقيعات القديمة التي اتضحت محدوديتها وعدم خدمتها للإنسان”، فـ”التكتل على أساس اللغة أو الدين أو العرق اضمحلّ أمام خصم قوي: المصالح الجيو-سياسية والحسابات الاستراتيجية”، بتعبيره.

وحذّر صاحب كتاب “الذرائع في خطاب الإسلام السياسي” من “الخطاب الرومانسي الذي مازال حاضرا لدى جماعة العدل والإحسان وغيرها من التنظيمات الإسلامية، لكون السياقات العالمية صارت تتخذ مسافات من الهويات، خصوصا الهويات القاتلة، بتعبير أمين معلوف”، مسجلا “انخراط العالم في نادي الأكوان الافتراضية، التي ألغت مفهوم المكان، وهو ما يزكي طرح أن فكرة العدل والإحسان تظل غير تاريخية”.

“اقتراح جد عملي”

إدريس الكنبوري، باحث في الفكر الإسلامي، رفض اعتبار كلام الجماعة “رومانسيّا”، لكون مؤسسها عبد السلام ياسين “كانت أدبياته واضحة في تنظيره لفكرة الخليفة، فهو أدرك أن مفهوم الخلافة المتداول غير واقعي، ولهذا كان يتحدث عن توحيد الأقطار الإسلامية في إطار ‘مذهبية إسلامية’، بيد أن الذي حدث هو أن ‘المفهوم الشعبي’ للخلافة انتشر لدى أبناء الجماعة ولدى الرأي العام والأحزاب السياسية”.

وشدد الكنبوري على حضور “البعد العملي بقوة” في هذا الاقتراح القائل بعصبة إسلامية، لأن “عبد السلام ياسين لم يقصد الخلافة بمعنى رأس واحد يقود جميع الأقطار الإسلامية، لكون الرجل كان واعيا بالتاريخ الإسلامي وبأن الأقطار لم تتوحد قط تحت رجل واحد ما عدا استثناءات في فترة الصحابة”، مرجعا “الشق العملي في الفكرة إلى كونها تفصح عن روح [الجماعة]، بعد نحو أربعين سنة، وهو ما سيجعلها في حاجة إلى أربعين سنة أخرى لتنضج الأرضية”.

وسجل محرّر كتاب “الإسلاميون بين الدين والسلطة: مكر التاريخ وتيه السياسة”، حضور هذه الفكرة في أدبيات سابقة، خصوصا لدى “الفقيه القانوني المصري عبد الرزاق السنهوري في كتابه [فقه الخلافة] الذي أعده خلال عشرينات القرن الماضي. وحينها اعتبر أن الخلافة يمكن أن تكون عصبة أمم شرقية، بمعنى توحيد الأقطار العربية في إطار اتحاد أو تجمّع يجمع جميع الأقطار وينتظم وفق مبادئ موحدة”.

ولتقوية “الشرعية التاريخية والفكرية” لهذا الاقتراح، ذكر الكنبوري أن “المفكر الجزائري فقيه الحضارة مالك بن نبي كتب كتابا عن الموضوع بعنوان [فكرة كمنويلث إسلامي]، وهو الإطار نفسه الذي تتحدث عنه جماعة العدل والإحسان اليوم”، خالصا إلى “راهنية الاقتراح أمام انحسار الفكر التحديثي وانفضاح زيف قيمه على المستوى العالمي، ومن ذلك يمكن أن ندعم هذه الوحدة وهذا التنسيق بخلفية إسلامية، لكن على أن تكون، داخليا، ديمقراطيّة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى