ماذا يحدث على الحدود الأردنية-السورية؟
تَردُ كل فترة وأخرى تصريحات لمسؤولين أردنيين حول “خطورة الوضع” على الحدود الشمالية مع سوريا بسبب تجارة وتهريب المخدرات والأسلحة.
حتى أن العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، صرّح أن بلاده تواجه هجمات بصورة منتظمة على حدودها من قبل “ميليشيات لها علاقة بإيران”.
لكن مؤخراً، ورد خبر مختلف يتعلّق بجهود وقف عمليات التهريب.
إذ نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الأردن قصف أهدافا “داخل” الأراضي السوريّة ما تسبب “بمقتل 10 أشخاص” في ريف السويداء جنوب سوريا في يناير/كانون الثاني.
“شن الطيران الأردني غارات جوية استهدفت منازل ومستودعاً في منطقتين جنوب شرقي السويداء، مخلفة ضحايا وأضراراً مادية”، هكذا جاء الخبر على المرصد السوري المعارض، ومقره كوفنتري في بريطانيا.
قد تكون هذه أول مرة يقصف بها سلاح الطيران الأردني داخل حدود سوريا؛ لكن عمليات ضبط تهريب المخدرات في المنطقة الحدودية ليست جديدة.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، نشرت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، مقطع فيديو يظهر مشاهد ميدانية لـ”مكافحة الأنشطة غير المشروعة” على الحدود الشمالية، وتوعدت “المهربين” بأن تصبح حدود الأردن “مقبرة لهم”.
“الأردن يخوض حرباً نيابةً عن دول المنطقة”
ولم تمرّ الغارة دون وقوع ضحايا مدنيين، إذ تحدّث المرصد عن دمار لحق بمنازل في بلدة عرمان، في السويداء، “وسط استغاثة من قبل الأهالي لفرق الإنقاذ للتوجه إلى مكان الاستهداف، ورفع الأنقاض وانتشال الجثث العالقة، وطالت الغارات مستودعاً يعود لأحد المواطنين في قرية ملح بريف السويداء الجنوبي الشرقي، ما أدى إلى تضرره”.
موقع “السويداء 24″، الذي يديره ناشطون من محافظة السويداء، نقل أيضا تفاصيل عن ضحايا “الغارة”.
وقال إن عشرة أشخاص قتلوا على الأقل، بينهم طفلتان و5 نساء وثلاثة رجال، في غارات “يُشتبه” أن يكون مصدرها سلاح الجو الأردني.
وتعتبر عمّان أن “الأردن يخوض حرباً نيابة عن دول المنطقة” على حدوده الشمالية ضد “ميليشيات المخدرات المدعومة من قوى إقليمية تدفع من أجل التهريب والاعتداء على الأردن”، وفقاً للناطق الرسمي باسم الحكومة مهند مبيضين.
“لا مبرر لمثل هذه العمليات العسكرية في الأراضي السورية”
وزارة الخارجية السورية أكدّت وقوع الغارة الأردنيّة على أراضيها، وتحدّثت عن “تصعيد” سياسي وإعلامي وعسكري خلال الأشهر القليلة الماضية.
إذ عبّرت الخارجيّة السوريّة في يناير/كانون الثاني عن “أسفها الشديد، جراء الضربات التي وجهها سلاح الجو الأردني إلى قرى ومناطق عدة على أراضيها، كان آخرها استهداف قرى في ريف السويداء الجنوبي، وتبريرها بأنها موجهة لعناصر منخرطة في تهريب المخدرات عبر الحدود إلى الأردن”.
وأوضحت أن ضربات سلاح الجو الأردني “أدّت إلى مقتل وإصابة مدنيين”.
وزارة الخارجيّة السورية قالت إنه “لا مبرر” لمثل هذه العمليات العسكرية داخل أراضيها، وفي الواقت ذاته قالت إنها تحاول احتواءها “حرصاً منها على عدم التوتر أو التأثير على استمرار استعادة العلاقة الأخوية بين البلدين”.
“الأردن لا يسعى لتصعيد الأمور”
تحدثت بي بي سي نيوز عربي مع المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية، مهند مبيضين، لفهم موقف المملكة التي تعاني من عمليات تهريب المخدرات منذ حوالي ثلاثة أعوام.
وأوضح الوزير أن بلاده أبلغت سوريا وإيران بـ”عدم سماح الأردن بتهديد حدوده من الجهة السورية بعمليات تهريب المخدرات أو الأسلحة، إلا أن العمليات استمرت”، مضيفاً أن الأردن “أعلن عام 2021 تغيير قواعد الاشتباك، وكان يجب أن يلقى هذا الأمر تعاوناً أكبر من الجانب السوري”.
وأكّد أن الأردن يحرص أن تكون جهوده في مكافحة تهريب المخدرات والأسلحة “في نطاق القانون”.
لكنه يقول: “بالتأكيد، عندما تقصف بيوت مهربي المخدرات، للأسف، من الممكن أن يكون هناك ضحايا مدنيين، ونحن نأسف لذلك، لكن بقدر موازي من الاهتمام، نحرص على ألّا يكون هناك أي تصعيد في المستقبل وأن تعود الأمور وتنضبط بشكل دقيق”.
شدّد الوزير على أن سوريا “دولة شقيقة نحترمها ونقدرها ونعتز بأدوارها العربية”، وأكّد أن هناك “تواصلاً مع الجانب السوري كحكومة وكمجتمع محلي”.
أشار مهند مبيضين إلى حقيقة الواقع الأمني الذي تعيشه سوريا، قائلاً: “نقدّر أن الدولة السورية تعيش أزمة مفتوحة منذ عام 2011، والأردن حريص على دعم الشقيقة سوريا في موضوع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وكان من شروط الدعم هذا دعوة الأشقاء السوريين للتعاون على سيطرة العمليات على حدودها”.
وكانت عضوية سوريا في الجامعة العربية جُمدت في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011، وفي مايو/أيار عام 2023، قرر وزراء الخارجية العرب رفع التجميد.
وصدر “بيان عمّان” في مايو/أيار، أكّد فيه وزراء الخارجية العرب من الأردن والعراق ولبنان ومصر والسعودية على تجديد الالتزام بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقرارها وسلامتها الإقليمية، وعلى ضرورة اتخاذ “خطوات عملية” نحو حل الأزمة، وفق مبدأ “الخطوة مقابل الخطوة”، انسجاماً مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.
المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية قال لبي بي سي إن “الأردن لا يسعى لتصعيد الأمور على الحدود السورية ومع الشقيقة سوريا “لأجل التصعيد”، ولكنه “يحاول حماية أراضيه”.
ويوضّح أن بلاده أعلنت صراحة وعبر وسائل الإعلام “حملة لمواجهة التهريب”، وذكر من خلال مديرية الأمن العام أسماء الأشخاص المتورطين وطالب بالقبض عليهم؛ فهم “مطلوبون للعدالة”، ونشر تفاصيل القيود الأمنية والتهم الموجهة لهم.
كيف تُترجم هذه العمليات العسكرية؟
يقول أستاذ القانون الدولي، كمال حداد، لبي بي سي إن أي اعتداء على حدود دولة أخرى هو – بشكل عام – عمل “غير قانوني”.
أما فيما يتعلق بقضية محاربة تهريب المخدرات على الحدود السورية-الأردنية، فيقول الخبير اللبناني إنه على الأردن أن يبلّغ السلطات السورية من خلال تنسيق أمني أو عسكري أو من خلال التنسيق مع الوزارات، ويجب تقديم المعلومات من الجانب السوري للجانب الأردني.
ويستند إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1373، الذي صدر عام 2001 بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، والذي ينصّ على أنه في حال وقع أي اعتداء من جهة دولة على دولة أخرى من خلال عمليات تهريب أو ميليشيات معينة، فيحق للدولة – من دون إخطار مجلس الأمن – أن تقوم بـ”حركة استباقية” لحماية حدودها.
ويثير خبير قانوني آخر نقطة “الحق بالدفاع عن النفس” وشرط القيام بذلك.
إذ يقول خبير القانون الدولي، حسن جوني، إن هناك اتفاقيات بين الأردن وسوريا بخصوص أمن الحدود، وهناك لجان مشتركة وآلية عمل لهذه اللجان، وبالتالي، فإن “كل دولة مسؤولة عن حماية أراضيها من أي عدوان أو أي اعتداء عليها من قبل الدولة الأخرى – وهذا هو حق الدفاع عن النفس”.
لكنه يضيف أن هذا الحق مشروط؛ إذ أنه يطبّق في حال وجود “عدوان عسكري” على الدولة.
ويرى الدكتور حسن جوني أنه إذا أرادت كل دولة تصعيد الوضع عند تهريب مخدرات أو أسلحة عبر الحدود، “لكان العالم اليوم غير موجود”.
ويقول إن كل دول العالم لديها خلافات وقضايا على حدودها، واستشهد بالوضع على حدود الولايات المتحدة والمكسيك كمثال، والتي تسجل عمليات تهريب مختلفة عبر الحدود.
وقال الخبير جوني: “بالرغم من أن على الأردن أن يحمي حدوده وبلاده ويمنع التهريب إليه، إلا أنه يجب ألا يتعرض لسيادة دولة أخرى وخصوصاً إذا كان من خلال العمل العسكري وهذا في القانون الدولي لا يجوز ويعتبر عدواناً على البلد الآخر”.
“حركة رجال الكرامة”
اقترح أكبر فصيل عسكري في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، وهو “حركة رجال الكرامة” على الأردن مبادرة تكونت من 9 بنود من أجل “الانخراط في جهود لتنسيق المعلومات وتبادلها بغية مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود”.
وجاءت المبادرة، وفق ما قالت “حركة رجال الكرامة” في بيان، لـ”تجنّب موت المدنيين خلال ملاحقة تجار المخدرات في المحافظة”.
وحركة رجال الكرامة هي حركة اجتماعية مسلحة في محافظة السويداء، جنوب سوريا، تأسست عام 2013 على يد الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس. وكان السبب الرئيسي لتأسيس الحركة هو معارضة تجنيد الشبان الدروز ورفض مشاركتهم في الحرب السورية.
وأشعلت الغارة الأردنية غضباً داخل المحافظة التي تسكنها الغالبية الدرزية، وخرج متظاهرون إلى الميدان تنديداً بالقصف الأردني وقالوا إن الحرب لملاحقة المهربين “باتت خارج الحدود”.
وأعلنت الحركة استعدادها لملاحقة جميع المتورطين في تهريب وتجارة المخدرات، بعد تقديم الجانب الأردني قوائم بأسماء المتورطين، داعيةً الأردن إلى وقف العمليات العسكرية ضد المواقع المدنية، وتوخي الحذر عند تنفيذ أي عملية، وإطلاع الحركة على تحركاتهم العسكرية والتنسيق معها.
قال المتحدث باسم الحركة أبو تيمور لبي بي سي: “لا يوجد أي تقدم بخصوص قضية تجارة وتهريب وتصنيع المخدرات عبر الحدود. فلا القصف الأردني أحدث فارقاً ولا النظام السوري أبدى استعداده بأي شكل من الأشكال لتقويض هذه الظاهرة”.
يضيف خلال مقابلتي معه: “طلبنا من الأردن، لتجنب الموت المجاني للمدنيين، تزويدنا بقائمة تشمل أسماء المطلوبين ومن تريد السلطات الأردنية ملاحقتهم، لمحاولة، وبالتعاون مع المجتمع المحلي، القبض عليهم وتسليمهم للضابطة العدلية التابعة للحكومة السورية”.
ويقول: “إن تجنب الخسائر المدنية يكون من خلال القصف خارج الأماكن السكنية، عندما تم القصف في عرمان لاستهداف مهرب، قتل معه ثمانية أشخاص منهم أطفال ونساء ليس لهم علاقة بموضوع التهريب نهائياً”، مضيفاً: “نتمنى توخي الحذر أثناء عمليات من هذا النوع. إضافةً إلى أن المعقل الرئيسي لإنتاج المواد المخدرة والخط الرئيس الذي تمر به معروف بشكل واضح لكل الدول الإقليمية ومنها المملكة الأردنية الهاشمية”.
ويعلّق على البيانات الأخيرة من الجانبين السوري والأردني: “فيما أعلن النظام السوري استنكاره لما حدث وأنه لم يكن هناك تنسيق – رد الجانب الأردني أنه على تواصل عبر اللجان المشتركة بين البلدين، وأن عمّان زوّدت دمشق القائمة بأسماء المطلوبين، ولكن النظام السوري لم يفعل شيئاً حول الموضوع”، وفق قوله.