حرب غزة: إسرائيليون يروون قصصهم بعد نجاتهم من هجوم مهرجان نوفا
- Author, آنّا فوستر
- Role, بي بي سي
تقول اللافتة بحروف زرقاء باهتة على خلفية بيضاء: “يمكنك البكاء هنا”، في زاوية آمنة وخاصة حيث يمكن للناجين من مهرجان نوفا الموسيقي أن يكونوا مع الآخرين الذين كانوا سوياً في 7 أكتوبر/تشرين الأول عندما نفذت حماس هجومها على إسرائيل، ليحصلوا على دعم يتعلق بالصحة العقلية الذي يحتاجونه بشدة في غرفة مريحة.
تعرض أكثر من 360 من رواد الحفل لإطلاق النار أو الضرب حتى الموت أو الحرق على يد مهاجمي حماس، الذين اقتحموا موقع المهرجان قرب السياج الحدودي بين إسرائيل وغزة في وقت مبكر من صباح ذلك اليوم. وأخذوا أكثر من 40 آخرين كرهائن.
بداية، أظهرت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي حشوداً مذعورة وهي تفر من الصواريخ التي أُطلقت من غزة ومسلحين على الأرض. وفي وقت لاحق، بدأت مقاطع الفيديو المؤلمة التي نشرها المسعفون الأوائل تؤكد حجم المذبحة، بصور العشرات من رواد الحفلة المقتولين.
في الأيام التالية، أدركت الدكتورة ليا نوَر أنه على عكس أولئك الذين أجلتهم السلطات من الكيبوتسات القريبة، لم يكن لدى الشباب الذين عاشوا الهجوم في المهرجان، مجتمعاً من حولهم لتقديم الدعم، لذلك قامت بإنشاء هذا المكان.
توضح الدكتورة نوَر: “أردت فقط أن يصمدوا”.
“لقد كانوا منكسرين ومصابين بالجمود، وإيمانهم محطم، لم يكن هناك أحد من أجلهم، لا الأهل، ولا الجيش، ولا الشرطة. لم يكن هناك أحد لإنقاذهم. لذلك كان أول شيء مهم هو جعلهم يشعرون بالأمان مجددا في مكان للتشافي”.
الأجواء الخارجية في ريشبون، شمال تل أبيب، محمية وهادئة. كانت الأيام الأولى من شهر ديسمبر/كانون الأول دافئة وكان الناس يجلسون على أكياس القماش الملونة المنتشرة على العشب.
يوجد جدول زمني يوضح مجموعة ورش العمل في ذلك اليوم، منها صناعة الفسيفساء، وجلسات تدليك وموسيقى جماعية وجلسات غنائية.
يتجول عدد قليل من الكلاب عبر المجموعة ينتظرون من يطعمهم ويلعب معهم.
تتذكر ليا نوَر كيف بدت أجساد من تعالجهم من الحفل في الأيام الأولى “رغم أن أجسادهم كانت بصحة جيدة، لكن رأينا مدى الانكسار في أعينهم، وكأنهم ليسوا أحياء، لم يتمكنوا من النظر إلينا. كانوا يرتجفون، لا يستطيعون الأكل، ولا الشرب. الشر الذي شهدوه لا يمكن استيعابه”.
“أخبرتهم في وقت مبكر، بمقدار الظلام الذي رأيتموه سوف نجلب النور. سنساعدكم على الإيمان بأنفسكم وبالآخرين مرة أخرى”.
هذا المكان هو جهد جماعي ضخم، لكنه لم يكن بدعم من الدولة.
الجميع هنا من المتطوعين الذين يمنحون وقتهم مجاناً ويأملون في شفاء أنفسهم أيضاً. كما تتبرع الجمعيات الخيرية والشركات بالطعام البيتي المنتشر على الطاولات. الكل يريد أن يفعل شيئاً للمساعدة في أعقاب واحدة من أحلك اللحظات في إسرائيل.
ليور جيلباوم إحدى الناجيات من نوفا. أثنيتُ على المجوهرات الصغيرة التي علقتها تحت كل عين، وكيف تتلألأ بالأضواء، وأخبرتني أنهم يجعلونها تشعر بالاحتفال مرة أخرى. تأتي الشابة البالغة من العمر 24 عاماً من مدينة بتاح تكفا إلى هنا بانتظام للحصول على الدعم وتقديم قلائد فضية مصنوعة يدوياً للآخرين الذين كانوا هناك في ذلك اليوم.
إنها تتذكر ذلك جيداً.
وقالت “في الساعة 06:30 صباحاً، بدأنا نسمع أصوات الصواريخ تحلق فوق رؤوسنا”. “نحن نعرف التدريبات، لذلك ركبنا سيارتنا وبدأنا بالقيادة بعيداً، ولكن كان هناك ازدحام مروري. بدأنا نسمع طلقات نارية فوق رؤوسنا، لذلك خرجنا وبدأنا في الركض نحو الحقل المفتوح. لم نكن نعرف “إلى أين نذهب أو ما كان يحدث، سمعنا للتو طلقات نارية من أسلحة أوتوماتيكية في كل مكان حولنا. وكان شخصان، يهودا وجاليت، يملكان سيارة كبيرة ركبناها وابتعدنا. لقد أنقذانا”.
تتحدث ليور أيضاً عن أهمية الموسيقى في عملية التشافي.
“كل من كان في مهرجان نوفا، يحب الرقص، نحب أن نكون معا. بعد وقوع المذبحة، كان من المهم للمجتمع أن يعود معا وأن يقوي بعضنا البعض، وأن نتحدث عن مشاعرنا. “
لكنها تقول إنها كانت تكافح من أجل الاستمتاع بشيء يمثل جزءاً كبيراً من هويتها.
تقول ليا: “كان من الصعب أن أستمع إلى الموسيقى منذ مهرجان نوفا، لكن ما زلت أشعر بالراحة في الاستماع للموسيقى في الحفلات الموسيقية مع الفنانين الذين يأتون إلى هذا المكان”.
قرب منطقة الجلوس، تمتد حديقة ضخمة فوق تل منخفض. إنه محاط بأشجار محملة بالحمضيات وصفوف من الأعشاب الكثيفة، وإكليل الجبل والمريمية تعطر الهواء. غالباً ما يتمشى فيه الناجون ويقطفون الأوراق لصناعة شاي عشبي.
الطبيعة جزء كبير من هذا المكان. إن الحاجة إلى مساحة كبيرة، لذلك بنيت خيام ريفية جديدة لإفساح المجال لمئات الأشخاص الذين يأتون الآن إلى هنا.
كل يوم، يختلط علماء النفس المحترفون مع الناجين الذين يحضرون الجلسات. إنهم هنا للتحدث حسب الحاجة. والدكتور إيتامار كوهين هو واحد منهم. لقد سافر من لندن بأسرع ما يمكن بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول.
يقول كوهين “لقد شهد الناس هنا قدراً هائلاً من الألم. وكان بعضهم على وشك ألا يكونوا موجودين. وقد تمت مطاردة بعضهم واضطروا إلى الفرار للنجاة بحياتهم. ولم يكن هناك الكثير من الوقت لمعالجة ذلك، فقط الهروب من المذبحة. والآن هم بحاجة إلى المضي قدماً”.
“يعاني الكثير من الناس من الحزن، فقد فقدوا العشرات من أصدقائهم في وقت واحد. وهناك شعور بالذنب. “لماذا أنا من نجا وليس صديقي؟ كان يجب أن ألتقط المزيد من الناجين داخل سيارتي لكي أنقذهم”. دفعهم إلى بر الأمان. لذا، تدور الكثير من الأفكار حول: “أنا لا أستحق الإنقاذ وكان بإمكاني القيام بعمل أفضل”.
أخبرني الدكتور كوهين أن التواجد حول المعالجين النفسيين الآخرين في الأوقات المظلمة يساعدهم جميعاً.
“لدينا الوقت لنرى معاً، ونعالج ونتحدث عن التحديات ونقاط الضعف لدينا، ومخاوفنا وشعورنا بالذنب. وهذا يعني أن لدينا مساحة للعمل على ذلك من خلال دعم بعضنا البعض، وهذا يساعدني أيضاً، بشكل هائل”.