أخبار العالم

“لا إنصاف ومصالحة” دون تسوية عادلة لـ”ملف تازمامارت”



“ملف تازمامارت لا يزال مفتوحا، فلا يزال ضحاياه يعيشون مآس بسبب عدم المعالجة العادلة والشاملة لهذا الملف”، وفق رئيس الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، الذي صرح بهذا في ندوة صحافية لجمعية “ضحايا تازمامارت”، استقبلَها، الجمعة، مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، بعنوان “لا إنصاف لا مصالحة دون التسوية العادلة والشاملة لملف ضحايا تازمامارت”.

يأتي هذا بعد إلغاء قافلة صحية حقوقية كان من المرتقب أن تحط الرحال، شهر دجنبر الجاري، بقرية تازمامارت التي استقبلت في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين المعتقل السري سيئ الذكر، وهو إلغاء وُسِم بـ”المنع” من طرف الجمعيات والهيئات المنظمة للقافلة الطبية عقب اعتذار المندوبية الإقليمية للصحة بميدلت عن الترخيص لها في تاريخها الحالي، بعد تأجيل موعدها السابق، الذي كان مقررا قبل شهر بسبب القصف الإسرائيلي لغزة الفلسطينية.

وقال عبد الإله بنعبد السلام، رئيس الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، إن القافلة التي كان من المرتقب تنظيمها “تجمع بين الجانبين الطبي والحقوقي، وتضم أطباء الأسنان لمعالجة عدد من سكان القرية البعيدة عن أماكن علاج مثل هذه الأمراض، مع إثارة الانتباه إلى عدم تحقيق جبر الضرر”.

وأضاف الحقوقي ذاته “الدولة لم تتحمل مسؤوليتها عقب سنوات الإفراج عن ضحايا معتقل تازمامارت الرهيب، ولو أنها عالجت الملف في شق التعويض، إلا أنها لم تعالج جوانب الحقيقة والمساءلة وجبر الضرر الجماعي، ووضع استراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب، وإلى الآن لا يزال ضحايا تازمامارت بدون معاش، عكس معتقلين آخرين من قطاعات التعليم والصحة والسكك الحديدية والفوسفاط… إذ عارضت إدارة الدفاع الوطني التسوية الشاملة والكاملة للملف”.

عبد الله أعكاو، رئيس جمعية “ضحايا تازمامارت”، ذكر بدوره أن ما عرفته القافلة “منع تعسفي وغير مبرر (…) للهيئات الطبية والحقوقية، التي كانت ستتوجه إلى تازمامارت لتحقيق هدفين نبيلين، أولهما اجتماعي هو تقديم خدمات صحية لساكنة المنطقة، وتسليم كمية من الأدوية للمرضى، إلى جانب مساعدات ودعم اجتماعي لبعض الأسر المعوزة، وثانيهما هدف حقوقي يروم التأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة صيانة وحماية للوطن والمواطن والمجتمع من تكرار انتهاكات الماضي، ووضع حد لعهد التهميش والإقصاء الاقتصاديين والحرمان التنموي والحيف السياسي والاجتماعي الذي عانت منه المنطقة طيلة سنوات الجمر والرصاص”.

هذا الجانب الحقوقي كان من المرتقب أن يثار عبر “تنظيم موائد مستديرة، وزيارة ميدانية لما تبقى من المعتقَل السابق، والوقوف على قبور الشهداء والترحم عليهم، ومحاولة تقديم أجوبة عن بعض التساؤلات المتعلقة بالحقيقة والإنصاف وجبر الضرر الفردي والجماعي، ورد الاعتبار للمعتقلين وللمنطقة وساكنتها وسبل الحفاظ على الذاكرة”.

وتوجه معتقل تازمامارت السابق إلى جمهور الندوة الصحافية قائلا: “أنتم على علم بالأهوال والويلات التي قاسيناها وتشيب لها الولدان، منا من قضى حتفه، ومنا من ظل دفق الحياة يستمر في جسده. وبالرغم من انصرام 50 سنة على جريمة الاختطاف التي تعرضنا لها كسجناء عسكريين سابقين، ومرور 32 سنة على الإفراج عن الأحياء منا، لا يزال ملفنا يراوح مكانه لأنه لم يحل بشكل شامل وعادل، وفق مواثيق القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولم يُتأكد من هوية الشهداء بطريقة علمية، ولم يتم جبر الضرر الفردي للضحايا منا، حيث حرمنا من حقنا المشروع في التسوية الإدارية والمالية، وحق التقاعد والمعاش، ولم نستفد من حقنا في التأهيل الصحي والنفسي، وما زالت قرية تازمامارت تعاني من التهميش، ولم تستفد من جبر الضرر الجماعي والمناطقي”.

وتابع قائلا: “نرفع الصوت عاليا مطالبين الجهات الوصية على ملفنا بالتعامل الجدي والمنصف، ومواصلة التحريات لاستجلاء الحقيقة، وتحديد هوية الضحايا المتوفين داخل المعتقل السري سيئ الذكر باعتماد الحمض النووي، ومعرفة حقيقة ما جرى لنا من اختطاف واختفاء قسري، ومساءلة جميع المسؤولين عن الجريمة، انطلاقا من مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ومعالجة الوضعية الصحية والهشة للضحايا وعائلاتهم بسبب الحرمان والتهميش، وإشراك الضحايا في عملية ترميم المعتقل السري السابق في ظل الحفاظ على الذاكرة، مع التحفظ على صيغة الدولة في الصيانة وما سيترتب عنها من نتائج”.

أحمد المرزوقي، المعتقل السابق بتازمامارت الذي أرّخ سَجنَه في عمل “الزنزانة رقم 10″، بدأ كلمته بالقول إن “تازمامارت حفيدة حبس قارة (في عهد السلطان المولى إسماعيل) وهو استمرار في القمع يبدأ من أمد بعيد، ولن نوفي، رغم الحديث، يوما في تازمامارت (…) هو حقبة أليمة قتلت فيها أرواح بطريقة همجية لا يمكن للعقل أن يتخيل فظاعتها”.

وأضاف “بعد اجتثاثنا من تازمامارت قيل لنا بعد شهر ستأتي السلطات للتكفل بملفنا وإدماجنا في المجتمع، ومر شهر وشهور ففهمنا أن الحقد علينا مستمر فأعددنا العدة وبدأنا العمل (…) إلى سنة 1994 عندما نادانا عمر عزيمان، أول وزير لحقوق الإنسان، وقال لنا إن الملك الحسن الثاني قال له إن حل الملف ينبغي أن يتم في شهرين، ومر الشهران وجاء وزير حقوق الإنسان محمد زيان وأنكر كل شيء، ونتمنى له حسن العاقبة والفرج، فقد بدأ يمينيا وانتهى يساريا”.

وتابع “لجنة التحكيم المستقلة عوضتنا بطريقة غريبة جدا، مع رفضها مساندة المنظمات الحقوقية ومؤازرة المحامين لنا، فكانت الخصم والحكم، وفرضت علينا إمضاء وتوقيعا مسبقا بوثيقة القَبول بحُكمِها كيفما كان، وعُوِّضنا، وقيل لنا إن 5000 درهم التي كنا نتوصل بها شهريا سيُبَتّ فيها من جديد لضمان حياة كريمة، وكنا ننتظر الزيادة في التعويض فسحب منا كل شيء، وبدأنا نبيع ما اشتريناه”.

وقال: “تعاملنا مع هيئة الإنصاف والمصالحة بكل جدية ووفرنا لها كل المعلومات والصور، وأقصينا بصفة بشعة من الاستفادة من المعاش إلى أن نودي علينا ونحن ضمن لائحة 250 معتقلا سابقا، جُمعوا بين المحكوم بسنة و20 سنة، وخيروا بين الشيك وشقة في السكن الاقتصادي، واستفدنا من تغطية صحية جزئية لا تفي أبدا بما نعيشه”.

أما اليوم فـ”أصدقاؤنا يموتون في أوضاع مزرية جدا، وكان أحدنا يتعَيَّش بإصلاح طنجرات الضغط، وبعد الحكم عليه بثلاث سنوات ظلما وقد كان تلميذا، ثم اختطف ونقل إلى تازمامارت، ولما خرج مات وهو يصلح (الكوكوطات)”، يضيف المرزوقي قبل أن يختم قائلا: “هذا انتقام منا لخروجنا وشهادتنا على المجازر والأشياء المخزية التي يندى لها الجبين البشري، وحالتنا الصحية مزرية، وجلنا توفي في ظروف بشعة، والمتبقّون يلازمون الفراش”.

عبد الكريم المانوزي، الكاتب العام لـ”الجمعية الطبية لضحايا العنف وسوء المعاملة” (جمعية “تأهيل ضحايا التعذيب” سابقا) ذكر أن “القافلة الممنوعة هي الثالثة، وفي دورتَيها السابقتين كانت جد مهمة ومفيدة للساكنة والضحايا والمجتمع والرأي العام”.

وأضاف “قيل لنا ينبغي الآن الاهتمام بزلزال الحوز، وزلزالُ تازمامارت دام 50 سنة، وكانت الساكنة معتقلة ومضايقة بطريقة لا تتصور أيضا، وهناك الآن ما أنجز في إطار جبر الضرر، ولكن لا تزال هناك مضايقات، وكانت القافلة تضم 80 شخصا من خيرة الأطباء والأساتذة والحقوقيين والطلبة، وكنا سنقدم رسالة (نداء تازمامارت) لأن غايتنا هي إقرار دولة الحق والقانون”.

واسترسل قائلا: “كنا سنُجري تشخيصا نفسيا وجسديا للساكنة، وكانت القافلة مبرمجة قبل أزيد من شهر، واحتراما لمعركة الفلسطينيين أجلناها، وإلى الآن لا تزال الهجومات البربرية الإسرائيلية مستمرة، ورحبت بنا وزارة الصحة، وكان القبول كتابيا، ووضعت رهن إشارتنا وحدة الفحص بالأشعة وطب العيون، وكنا سنأخذ معنا كتبا للأطفال، ونشكر الأشخاص الذين ساعدونا من أجل هذا، لكن قبل أيام أُخبِرنا بأن الاستجابة لن تكون لتزامنها مع قوافل أخرى”.

وختم المتدخل كلمته بالقول: “في المغرب توجد تازمامارتات لا تازمامارت واحد، وباستثناء مشروع تازمامارت لا توجد مشاريع أخرى من أجل الذاكرة والحقيقة وعدم التكرار، ونحتاج مثل هذه المشاريع لأنه رغم مرور سنوات الرصاص يمكن أن تتكرر لأنه يمكن أن يكون هناك أناس يحنون إلى الماضي”.

من جهتها نددت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عبر حسن محفوظ، بـ”المنع غير المبرر للقافلة الطبية الحقوقية لتازمامارت”، وطالبت “بتسوية الأوضاع المالية والإدارية لضباط الصف والمشاة والطيارين المعتقلين السابقين، أسوة بالموظفين ضحايا الاعتقال السياسي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”.

وأضافت “نعيد التأكيد على أن الدولة لا تزال متعنتة في موقفها ومحاولتها، من خلال المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إطفاء شعلة نضالات ضحايا الاختفاء القسري والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ونطالب بجبر الضرر الفردي والجماعي، ومعالجة كافة ملفات الإدماج الاجتماعي والصحي، والاعتذار الرسمي عن الانتهاكات الجسيمة من مُمَثّل الدولة (…)، ووضع استراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب (…)، وإصلاح تربوي لإشاعة ثقافة حقوق الإنسان”.

نهلة موهاج، بنت المعتقل الراحل علال موهاج، شجبت باسم عائلات ضحايا معتقل تازمامارت “هذا المنع الكبير الذي تعرضت له القافلة التي بنينا عليها الكثير من الآمال، فلم نزر يوما تازمامارت، وفرحنا بالانفتاح السياسي والديمقراطية في البلاد وحقنا في الترحم على أبينا، وليس سهلا فقدان الأب وعدم معرفة حتى قبره، ونتذكر معاناة الماضي الأليمة، وحتى لو سمعتموها فمن عاشها هو من يعرف قساوتها (…) وعانت أمي الكثير ولا تزال تعاني صحيا، دون معاش أو مورد مالي ولو بسيط شهريا”.

ونددت المتحدثة بـ”التراجعات الخطيرة رغم الانفتاح الديمقراطي المهم”، واستشهدت بـ”ذهابها وأمها إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي وجدنا مقرَّهُ بصعوبة، وأمي امرأة في سن كبيرة ترتعد، وفي الاستقبال لم يقبل حتى تسلُّم ملفّها، وطلبوا منها وضع طلبها عبر البريد”، لافتة إلى أن “تحقيق الديمقراطية والعدالة الانتقالية يجب أن يتم بركائزها الحقيقية وبنية صادقة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى