حرب غزة: تحذيرات من الموت بسبب الجوع أو المرض في غزة مع استئناف الحرب – فايننشال تايمز
تناولت الصحف البريطانية والأمريكية الصادرة الجمعة موضوع استئناف إسرائيل عملياتها العسكرية والقصف الجوي على قطاع غزة الذي احتل الصفحات الأولى، وبدأت الحديث عن تبعات ذلك وتأثيره على الوضع الإنساني المتردي في القطاع وعلى فرص التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو على الأقل هدن طويلة الأمد.
ونبدأ جولتنا من صحيفة الفايننشال تايمز التي نشرت مقابلة أجراها محرر شؤون الشرق الأوسط في الصحيفة أندرو إنجلاند مع فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) حول تبعات استئناف الحرب في غزة على الوضع الإنساني.
يحذر المسؤول الأممي في حديثه للصحيفة من أن قطاع غزة قد يواجه ما وصفه بتسونامي إنساني مع انهيار الهدنة المؤقتة بين إسرائيل وحماس وعودة الهجوم الإسرائيلي على القطاع المحاصر.
ويقول لازاريني إن السكان في غزة باتوا في وضع هش للغاية لدرجة أنه يتخوف من أن الكثيرين سينتهي بهم المطاف إلى الموت بسبب الأمراض بالإضافة إلى القصف الإسرائيلي.
ويضيف في المقابلة بأنه “قلق للغاية من دخول الشتاء، بعد أن شهدنا تأثير الحصار وضعف المناعة لدى الأشخاص بعد مثل هذه الحرب والحرمان الذي يعيشونه والمعاناة، ومن أننا قد نكون على شفا شكل متكامل من أشكال الكارثة التسونامية.”
ومع تأكيد القادة الإسرائيليين على أنهم لن يحيدوا عن أهدافهم المعلنة للحرب وأولها تدمير حركة حماس وإنهاء وجودها في قطاع غزة وإنهم سيركزون في المرحلة القادمة على جنوبي قطاع غزة الذي نزح إليه أكثر من 1.8 مليون شخص، يقول لازاريني إن 80 في المئة من سكان القطاع موجودون الآن في مناطق الجنوب.
يقول المفوض الأممي: “إذا كان لديك هجوم بالشدة نفسها في الجنوب، فإن المرء سيتوقع حدوث ليس فقط تشريد هائل للسكان، وإنما الخوف أيضاً هو أن يكون هناك عدد هائل من الأشخاص الذين سيقتلون، خاصة بالنظر إلى الكثافة السكانية.”
ويضيف بأن العاملين في المجال الصحي يحذرون بالفعل من “زيادة كبيرة في الأمراض المنقولة بالماء ومن ظهور مرض التهاب الكبد والأمراض الجلدية الناجمة عن عدم وجود ما يكفي من الغذاء وعدم الحصول على المياه النظيفة والظروف غير الصحية بشكل متزايد.”
ويصف المسؤول الأممي زيارته لقطاع غزة قبل أسبوع قائلاً إنه شعر بصدمة كبيرة وبأن قلبه يتمزق عندما شاهد الناس الذين لجأوا إلى المباني العامة وكانوا “يناشدون من أجل الحصول على أبسط الاحتياجات”. ويقول إنه التقى خلال زيارته لمركز تدريب مهني يأوي 35 ألف نازح بعائلة مؤلفة من ستة أفراد ينامون على الأرضية الاسمنتية بدون بطانيات أو فراش ويرتدون الملابس نفسها منذ خمسين يوماً.
ويقول لازاريني عن هؤلاء الأشخاص الذين اضطروا للعيش في هذا المركز “إنهم يشعرون بأنهم قد جُرّدوا من كرامتهم”، فهم يضطرون للوقوف في طابور لساعات من أجل استخدام المراحيض التي طفحت بمياه الصرف الصحي. ويصف المكان بقوله: “هذا المكان مكتظ بالناس في ظروف معيشية هي الأفظع من الناحية الصحية… ولا يمكنه استيعاب المزيد من الأشخاص بسبب الاكتظاط الشديد.”
ورغم دخول المزيد من المساعدات الإنسانية خلال فترة الهدنة، إلا أنها ظلت أقل بكثير مما كان يدخل يومياً إلى القطاع قبل الحرب. ويقول المفوض الأممي إن العودة إلى الأعمال الحربية على نطاق واسع من شأنها أن ” تعجل وتسرع من الموت على نطاق واسع. وسترى على الأرجح المزيد ثم المزيد من الأشخاص الذين يموتون بسبب تأثير الحصار، فهم لن يتحملوا أسابيع وأشهر إضافية من الحرمان التام”.
ونبقى مع الوضع الإنساني في قطاع غزة من صحيفة الواشنطن بوست التي نشرت تقريراً لمراسلتيها في القدس مريم بيرغر وهاجر حرب بعنوان “المساعدات تدخل بالتقطير، لكن غزة تزداد جوعاً”.
تنقل الصحيفة في بداية التقرير عن برنامج الغذاء العالمي تحذيره من أنه وعلى الرغم من دخول مساعدات إلى قطاع غزة خلال أيام الهدنة، إلا أن السكان يظلون تحت خطر المجاعة والموت جوعاً بسبب الظروف المعيشية التي تسببت بها الحرب الإسرائيلية على القطاع المحاصر الذي أصبح يعتمد بشكل متزايد على المساعدات الغذائية.
وتقول الصحيفة إنه منذ بدء الهدنة المؤقتة يوم الجمعة الماضية، دخلت شاحنات محملة بالطحين والتمر والفاصولياء المعلبة إلى قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر وبدأت تظهر الخضراوات الطازجة أو المخزنة تظهر من جديد على أرفف المحلات.
لكن بطون الغزيين من كافة الطبقات ما تزال خاوية، بحسب ما قال بعضهم للواشنطن بوست. فالآباء يجوعون من أجل إطعام أبنائهم الذين مازالوا بحاجة للمزيد. وأسعار الغذاء ارتفعت، واندلعت شجارات بين الأشخاص الذين ينتظرون في طوابير طويلة من أجل الحصول على المساعدات الغذائية.
وتنقل الصحيفة عن المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي في القدس علياء زكي قولها إن “ما يدخل غزة لا يكفي لتلبية احتياجات الناس وتجنب خطر المجاعة. وبدون زيادة الممرات الآمنة وإدامتها وبدون الوقود والتواصل، فإن كافة العمليات الإنسانية تبقى في خطر”.
أما الوضع في شمالي غزة فهو أكثر تردياً كما تقول صحيفة الواشنطن بوست، حيث يصعب إيصال المعونات الإنسانية مع انتشار الجيش الإسرائيلي هناك. والناس هناك يبحثون وسط الدمار عن أي شيء يسد جوعهم.
وتقول الصحيفة إن الغارات الجوية والعمليات البرية الإسرائيلية أدت إلى تدمير الأراضي الزراعية مع حلول الموسم الشتوي، وهو ما يفاقم من النقص الحاصل ويترك السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة دون فرصة للعيش اعتماداً على الذات في الأشهر القادمة.
ويقول مواطن غزي يدعى سعيد أبو دان، وهو أب لتوأم عمرهما 5 سنوات، ويتخذون من مستشفى شهداء الأقصى في وسط غزة ملاذاً لهم، لصحيفة الواشنطن بوست: “في أيام كثيرة من هذه الحرب، عشنا جميعاً على وجبة واحدة، وغالباً ما كانت تتألف من قطع صغيرة من الخبز أو كمية صغيرة من الأرز، إذا تبرع بها لنا شخص ما”.
ويقول أيضاً إنه اضطر إلى غلي ماء الاستحمام على نار من الأكياس البلاستيكية المشتعلة لطهي المكرونة. وهو يعي أن هناك مخاطر، لكنه يقول إن أولاده أكلوا المكرونة لأنه لم يكن أمامهم مفر بسبب شدة الجوع.
مواطن آخر يدعى ياسر هنيدق، وهو مزارع فلسطيني يبلغ من العمر 32 عاماً، كانت لديه مزرعة فيها خوخ وتفاح وعنب في مدينة خان يونس جنوبي القطاع، عندما شنت حماس هجومها على البلدات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. ويقول للصحيفة إنه عندما شنت القوات الإسرائيلية هجومها على القطاع دُمرت مزرعته، وعندما حاول العودة إليها، أطلقت القوات الإسرائيلية النار عليه. ويقول: “في هذه الحرب، من لم يمت من القذائف والصواريخ سيموت من الجوع”.
وتقول الصحيفة إنه حتى قبل اندلاع الحرب الأخيرة، فإن أكثر من ثُلثي السكان الفلسطينيين في غزة كانوا يعانون بصورة يومية من أجل الحصول على الغذاء. وبحسب برنامج الغداء العالمي، فإن ثلاثة أرباع السكان كانوا يعتمدون على الإعانات الغذائية التي تقدمها الأونروا. وكان النقص يعود إلى الحصار المفروض من قبل إسرائيل ومصر على قطاع غزة منذ أن سيطرت حماس عليه في 2007.
لكن الحرب فاقمت من سوء تلك الأوضاع في القطاع، بحسب الواشنطن بوست، حيث أدت إلى تدمير الأراضي الزراعية وباتت معظم المياه هناك غير قابلة للشرب. كما أن انقطاع الكهرباء جعل مياه الصرف الصحي تتسرب دون معالجة إلى باطن الأرض وإلى آبار المياه. وهذا الوضع دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من أن غزة باتت مكاناً “لا يصلح للحياة”.
ونختم جولتنا من صحيفة “التايمز” اللندنية التي نشرت مقالاً للكاتب الإسرائيلي- البريطاني أنشيل بفايفر حول فرص الوصول إلى اتفاق طويل الأجل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
يقول الكاتب إن الهجوم الذي شهدته مدينة القدس صباح الخميس والذي يصفه بالإرهابي والذي شنه مسلحان ينتميان لحركة حماس على موقف للحافلات وأدى إلى مصرع ثلاثة مدنيين إسرائيليين، كان علامة تذكير أخرى على مدى هشاشة ومحدودية الهدنة في غزة التي استمرت أسبوعاً وانتهت صباح الجمعة مع استئناف الغارات الإسرائيلية على القطاع.
ويضيف الكاتب أن مجلس الحرب الذي يقوده بنيامين نتنياهو واجه سلسلة من المعضلات حول موعد وكيفية استئناف الحرب على حماس في غزة.
ويرى الكاتب أن الهدنة نجحت في إطلاق سراح رهائن إسرائيليين من غزة، وهو ما ترغب به إسرائيل التي تريد أن يتم إطلاق سراح جميع الرهائن، وأن إسرائيل تتعرض لضغط هائل من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من أجل اتخاذ المزيد من الحذر في عملياتها العسكرية المقبلة في القطاع.
ويقول إن حوالي 15.000 فلسطيني، معظمهم مدنيون، قتلوا في الحرب حتى الآن. وإن استهداف المعاقل المتبقية لحماس- وبخاصة تلك الموجودة في الجنوب الذي يكتظ الآن بحوالي مليوني نسمة، معظمهم نازحون- من شأنه أن يقود إلى وقوع المزيد من الخسائر البشرية.
ويرى أن إعطاء الفرصة للمزيد من الهدنات قد يساعد في إطلاق سراح المزيد من الرهائن ويؤدي إلى وسائل جديدة للتخلص من حماس.
والأمر الآخر، كما يراه الكاتب، هو أن وقفاً طويل الأجل لإطلاق النار في هذه المرحلة هو أمر لا يمكن تصوره بالنسبة لإسرائيل. فعلى الأرض في غزة، ستكون حماس قادرة على الأرجح على إعادة فرض سيطرتها، على الرغم من الضربات القوية التي تلقتها، وذلك لسبب رئيسي وهو أنه حالما يغادر الجيش الإسرائيلي غزة، لن يكون هناك أحد لمنعها من ذلك.
ويضيف الكاتب بأن الإسرائيليين الذين يعيشون بالقرب من الحدود مع غزة والذين تعرضوا للهجوم في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، سيشعرون بعدم الأمان للعودة إلى منازلهم، كما أن الجمهور الإسرائيلي الذي تمت تعبئته للقتال في الحرب، لن يسامح حكومة نتنياهو على التوقف الآن قبل أن يتم تدمير حماس. وهذا يعني أنه إذا صمد تحالف نتنياهو حتى نهاية الحرب، فإن قادة الأحزاب اليمينية المتشددة في التحالف أوضحوا مراراً بأنهم سيستقيلون ويطيحون بالحكومة إذا لم تعد إسرائيل إلى الهجوم بعد توقف قصير للقتال.
ويرى الكاتب أن الجنرالات في الجيش الإسرائيلي يدفعون هم أيضاً للعودة إلى الهجوم، فهم يعتقدون أن المرحلة التالية من الحرب ستكون مختلفة. فهم يدعون في السر إلى أن تكون حملة أكثر تحركاً، وعلى نطاق أصغر في الجنوب، حتى تتيح لهم ملاحقة قادة حماس في مخابئهم وتوفير المساعدات الإنسانية للاجئين الذين سيتم توجيهم إلى “مناطق آمنة”.
ويختم الكاتب قائلاً إن الخبراء العسكرييين الأمريكيين الموجودين في إسرائيل لتدارس الخطط العملياتية ما زالوا متشككين بشأن الخطط العسكرية الإسرائيلية، لكن القرار في نهاية المطاف هو للسياسيين في إسرائيل.