“الدبلوماسية العلمية” .. المغرب يعزز سياسة استقطاب الطلاب من بلدان إفريقية
يستعد نحو 83 طالبا نيجيريا لشد الرحال نحو المغرب لأجل مُتابعة دراستهم بالمملكة المغربية، بموجب اتفاقية التعليم الثنائية بين المغرب ونيجيريا التي اعتبرها وزير التربية والتعليم النيجيري تتماشى مع جدول أعمال رئيس الجمهورية النيجيرية الاتحادية بولا تينوبو، مؤكدا أن الوزارة زادت من عدد شركائها في التنمية حيث يقدم العديد منهم الآن منحا دراسية للنيجيريين؛ وعلى رأسهم المغرب.
وأوضح مامان طاهر، وزير التعليم النيجيري، الخميس 23 نونبر، أن “هذه الفرص التي تتيحها العديد من الدول تمكن النيجيريين اللامعين، لاسيما أولئك الذين لا يستطيعون دراسة البرامج غير المتاحة بسهولة في نيجيريا، وتساعدهم على الحصول على المعارف والمهارات والكفاءات اللازمة التي قد تكون مفيدة في برنامج نيجيريا الإنمائي”، مضيفا أن “نيجيريا تستثمر في هؤلاء الطلبة، وتتوقع أن تظهر عوائد الاستثمار في عودتهم لاحقا للمساعدة في دفع الأمة النيجيرية إلى الأمام”.
هذه الإشارات التي قدمها مامان طاهر تدخل في إطار سعي المغرب الدائم إلى تعزيز حضوره في إفريقيا ثقافيا واقتصاديا وعلميا، من خلال الاعتماد على “دبلوماسية الطلاب” أو “الدبلوماسية العلمية” التي سبق أن نبه إليها بعض الباحثين المغاربة؛ نظرا لأهميتها في خدمة قضايا الوطن، باعتبار أن هؤلاء الطلبة الذين تحتضنهم الجامعة المغربية اليوم من الممكن أن يصبحوا مسؤولين وسفراء للمصالح المغربية في بلدانهم.
طلبة غانا وموريتانيا ونيجيريا وبلدان إفريقية كثيرة يعثرون على مختلف التخصصات التي تتوافق مع تطلعاتهم وتوفر لهم منحا دراسية تمكنهم من متابعة تكوينهم الجامعي؛ فقد كان كينجسلي أجيمانغ، مدير مؤسسة “أمانة المنح الدراسية” في دولة غانا، قد أعلن، سابقا، أن عدد الطلاب الغانيين المستفيدين من منح دراسية لمتابعة دراساتهم العليا في المغرب عرف، خلال السنوات الأخيرة، ارتفاعا ملحوظا، خصوصا المهتمين بالمجالات التقنية والمهنية.
وتفاعلا مع هذا الموضوع، قال عز الدين غفران، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط، إن “المغرب راهن، منذ وقت مبكر، على جميع أشكال الدبلوماسيات الممكنة. ونحن نرى، اليوم، مختلف النقاشات الدائرة حول الدبلوماسية الرياضية المغربية”.
وأوضح عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط أن “ارتفاع الطلب على المملكة راجع إلى التوجه المغربي، الذي يسعى إلى تعزيز العلاقات في جميع المجالات مع الدول الإفريقية الشقيقة؛ فالمغرب من أوائل الدول التي تستقبل عددا كبيرا من الطلبة في جميع التخصصات”.
وسجل غفران أن “جميع الجامعات والمعاهد المغربية يوجد فيها طلبة أجانب من مختلف البلدان الإفريقية، تبعا لاتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف. كما أن الوكالة المغربية للتعاون الدولي تقدم لهم منحا محفزة تساعدهم على التحصيل الجامعي الجيد”، لافتا إلى أن “هذا الإقبال يؤكد من جهة أخرى الثقة في “جاذبية” النموذج الجامعي المغربي بالنسبة للبلدان الإفريقية؛ حتى لو كنا نعتبره نحن نموذجا صاعدا”.
وشدد المسؤول الجامعي ذاته على أن “الطلبة هم أحسن رأسمال بشري، ودراستهم في المغرب ستحولهم إلى سفراء للمغرب في بلدانهم. ولنأخذ كمثال بريس أوليغي أنغيما اليمين الذي أصبح رئيسا للغابون لمرحلة انتقالية، وكيف كان واضحا تأثير العرفان للمغرب بعد توليه السلطة في الغابون بعد الانقلاب”، مبرزا أن “هذه الدبلوماسية الناعمة مهمة للغاية، ولا يمكن الاستهانة بمفعولها على أرض الواقع، واستثمار المغرب فيها هو إشارة على بعد النظر”.
من جهتها، قالت كريمة غانم، رئيسة المركز الدولي للدبلوماسية، إن “المغرب لديه دبلوماسية متكاملة في إفريقيا في إطار التعاون جنوب جنوب؛ منها ما هو اقتصادي وسياسي وصحي وروحي وثقافي وعلمي”، موضحة أن “دبلوماسية الطلاب أو الدبلوماسية الجامعية أو العلمية تتمتع بأهمية قصوى ضمن استراتيجية المغرب في العمق الإفريقي، حيث كان هناك ما يقارب من 19 ألف طالب من أصل إفريقي حسب إحصائيات 2021؛ وهو رقم مرشح للارتفاع”.
وأكدت غانم، في تصريحها لجريدة هسبريس، أن المغرب يولي اهتماما واضحا للطلبة الأفارقة الذين يشكلون ما يقارب الآن 83 في المائة من العدد الإجمالي للطلبة الأجانب بالمغرب الذي يفوق 23 ألفا”، مبرزة أن “الجامعة المغربية لديها مجموعة من الشراكات مع نظيراتها الإفريقية تعززت أكثر في مجال تكوين المكونين، بالإضافة إلى مشاريع البحث والتطوير المشتركة في مجالات ذات أولوية”.
وزادت المتحدثة: “مجيء الطلبة من نيجيريا التي تعد أكبر قوة سياسية واقتصادية في دول غرب إفريقيا من شأنه أن يؤسس لروابط ذات بعد إنساني وعلمي واقتصادي واستشرافي”، مشددة على أن هؤلاء الطلبة سيعملون في المستقبل على تسهيل الترابط والتعاون لتنزيل مختلف السياسات والمشاريع المشتركة سواء على المستوى الثنائي أو متعدد الأطراف”، لافتة إلى أنه من يمكن أن يتم تأهيل العديد من الطلبة والكوادر من أجل المساهمة في إنجاز مشروع أنبوب الغاز النيجيري أيضا”، وقالت: “هذا التأهيل سيسهل تنفيذ المشاريع المستقبلية الكبرى المتعلقة بالسيادة الصحية والطاقية والأمن الغذائي والاقتصاد الأخضر والبحري بإفريقيا بريادة مغربية”.
يشار إلى أن إدريس الكراوي، رئيس الجامعة المفتوحة للداخلة، أكد، عقب تعيينه عضوا بالأكاديمية الملكية الأوروبية للدكاترة، على أهمية استثمار الدبلوماسية العلمية والأكاديمية في خدمة القضايا الكبرى للوطن، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، قائلا حينها: العلم ليس مجردا؛ بل إن العلم والابتكار يجب أن يكونا في خدمة القضايا الإنسانية الكبرى والقضايا الوطنية الكبرى.