مسارات مغاربة في مونتريال .. عزيز داوني يستقر وسط الثقافة والفن

صار اسم عزيز داوني مرادفا لموسيقى العود والبرمجة الثقافية في كبيك، بارزا للعيان من خلال العزف على منصات الاستعراض الإبداعي أو عبر أمواج الأثير الإذاعي، زيادة على الحضور في فصول التأطير الفني والمساهمة في النقاشات المتصلة بالفعل الإنساني، حاصدا ثمار بذل تأسس في الدار البيضاء وأينع بعد فترة من الوصول إلى مونتريال.
ووسط هذا الزخم الحريص على بث الطاقات الحسية والفكرية الإيجابية، باللجوء إلى الكلمات المنطوقة أو باستعمال الجمل الموسيقية، يستمر داوني في العمل على تحقيق غايات حددها لنفسه، من بينها ترك بصمة إيجابية في الحيز الهوياتي الذي ينتمي إليها، لكن أبرزها يتمثل في نقل المعرفة كي يعبر اللاحقون إلى مستويات أرقى.
نشأة بيضاوية
ينتمي عزيز داوني إلى مدينة الدار البيضاء، ووسط هذا التجمع الحضري العاج بالناس أمضى سنوات طويلة في ممارسة الشغب الطفولي مع أقران بيئة الحي الشعبية، وبالحيز نفسه استسلم لميولاته الفنية المبكرة كي يرتبط بالموسيقى قبل استكمال المرحلة التعليمية الابتدائية، مستفيدا من تشجيع أسري على كل أداء يهذب السلوك ويحسن الذوق.
يقول عزيز: “لقد كانت مرحلة طفولتي عادية في مجمل محطاتها، ومازالت ذكريات اللعب مع أبناء الحي عالقة في الذهن بصفاء إلى غاية الآن، ومعها أيضا كل أوقات الفرح ولحظات الحزن التي عشت تفاصيلها في تلك الفترة من حياتي، كما لا أنسى الإقبال على القراءة والكتابة أول مرة في مؤسسة مولاي الحسن”.
عبر المسار الدراسي لداوني في مؤسستَي ابن رشد ووادي الذهب خلال الطورين التعليميين الإعدادي والثانوي، على التوالي، وبعدما اكتفى من التحصيل الجامعي، الذي جعله حريصا على التنقل جيئة وذهابا بين البيضاء والمحمدية، عمل عزيز في الأشغال ذات الصلة ببنية الاتصالات، وبعدها جاء وقت اتخاذ قرار الهجرة إلى كندا.
مع “الآلة المشرّفة”
حين بلغ عمره 9 سنوات، شعر عزيز داوني بميولات إلى فنية تجذبه نحو الموسيقى، وكان راغبا في اقتناء آلة يعزف عليها حين اقترحت أمه أن يصير ملازما لآلة العود، لينطلق في مسيرة عصامية طويلة كي يطور الموهبة بالاعتماد على القدرات الذاتية، مع إيلاء الأهمية للحصول على تكوين نظري في هذا الميدان أيضا.
حول هذا الحدث المفصلي يذكر عزيز: “مازلت أذكر أن والدتي قالت أمامي إن ‘آلة العود مشرّفة’، وهو تعبير جذبني كي أنخرط في تجربة فنية لم أمل منها على مر العقود الماضية، بداية من سنتي التاسعة حتى الآن، وقد اخترت الاعتماد على نفسي، في معظم الأوقات، لتحقيق الارتقاء بأدائي في العزف’’.
وصل داوني إلى الانخراط في التعاملات الفنية الاحترافية عند الوصول إلى سنة 2006، إذ رأى وقتها أن المؤهلات التي تحصل عليها تتيح له الممارسة على أعلى المستويات، واختار استهلال هذه المرحلة بالمبادرة إلى إنتاج ألبومه الأول تحت عنوان ‘’الأنغام الشاعرية’’، وبعد مرور 4 سنوات صار متعاطيا مع تحديات إبداعية مغايرة خارج الحدود المغربية.
التزام بالعمل الثقافي
لم يخطط المنحدر من مدينة الدار البيضاء للتواجد في تجربة الهجرة بعد انتهاء العشرية الأولى من الألفية الجارية، مرحبا بالتعرف على العالم عبر جولات سياحية لا تغادر الوطن الأم إلا للعودة إليه، وقد تغير هذا الوضع في أعقاب حوار هادئ مع زوجته، لتصير أسرة داوني مستقرة في كندا.
نال عزيز تكوينا في جامعة كبيك بكندا ضمن تخصص العمل الثقافي، وهو ما أتاح له، بجانب عطائه الموسيقي الثري، الاشتغال في البرمجة الثقافية في مدينة مونتريال، وما يعنيه هذا الأداء من ارتباط بالمهرجانات والمواعيد الاستعراضية المختلفة، من ناحية، والقيام بصياغة برامج تستهدف كل فئة من الناس على حدة، وتبلغ أهدافا على أكثر من مدى.
كما يتولى الفنان المغربي عينه تدريس موسيقى العود في المركز الثقافي “هنري لوميو”، وضمن الحيز المتميز الذي تشغله “دار المغرب” في مونتريال. وتستفيد من هذه الحصص فئات اجتماعية وعمرية متنوعة، ذات أصول متباينة من أنحاء العالم؛ وقد كانت الأمريكية جنيفر گروت، نجمة الموسم الثالث من ‘’Arabs got talent’’، واحدة من تلامذته.
بين الخشبة والميكروفون
على الواجهة الموسيقية الصرفة حرص عزيز داوني على إنشاء فرقة باسم “أوسموز” تضم، إضافة إليه، 3 عازفين من نيوبروزفيك وكبيك ومدغشقر، كما قام بجولات دولية بجانب المواعيد التي أمتعت الجمهور بالعزف على العود فوق التراب الكندي؛ أبرزها جعله يعتلي الخشبة، على الخصوص، في كمبودج والنمسا والولايات المتحدة الأمريكية.
ويمتد نشاط المستوفي 13 سنة من الهجرة إلى كندا، أيضا، إلى المشاركة في المحاضرات المعنية بآلة العود والموسيقى العربية، وهي التي تواظب على استضافتها مجموعة من البنايات الجامعية أو تلتئم على صعيد ثلة من الفضاءات الثقافية. كما يعد صوت داوني وعزفه مألوفين على الأثير بناء على اشتغالات إذاعية.
عزف عزيز داوني مباشرة على راديو “شوك” لجامعة كبيك في مونتريال، ضمن برنامجه “لحظة حالمة” المخصص لاستضافة الفنانين بتركيز على الشعراء، ثم أذاع “في جمال الموسيقى العربية” سنتين ونصف على إذاعة “وسط المدينة”، وعبر موجتها كانت له مساحة “مسارات فنان” للتطرق إلى الفنانين المغاربة والعرب، وصولا إلى راديو كندا ‘’ICI’’ الذي يتوفر على امتداد تلفزيوني.
في مدرسة مفتوحة
يرتكز عزيز داوني على تجربته الممتدة على المسافة الفاصلة بين التراب المغربي ونظيره الكندي ليقول إن طموحاته مازالت حاضرة بكيفية متقدة، وتزيد توهجا مع التقدم في هذه الحياة، حيث تحضر الرغبة في تقديم إضافات للذات؛ ومازالت الانشغالات موجودة بإبقاء أثر في سير الزمن المعاش حاليا.
كما يعتبر الفنان عينه أنه ينتمي إلى الناس المستمتعين بالبقاء متعلمين على الدوام، وكأن المرء يحيى في مدرسة مفتوحة، ويزيد: “إنه تكوين مستمر لا مفر منه بالنسبة إلي، ومن خلاله تمكنت من إعادة ضبط الإيقاع عند مغادرة الدار البيضاء للاستقرار في مونتريال، وبحضور هذا التعلم أجدد شغفي كي أتعامل مع المستقبل بما يليق به وبي”.
ويعتبر داوني أن ما حققه على جميع الأصعدة حتى الآن، على الجبهات الشخصية والمهنية والموسيقية، لا يعني الوصول إلى اجتياز خط النهاية، وإنما الأمر يتعلق بجولات يتم المرور إلى تلك الموالية لها، وما تحقيق نصر هنا أو نتيجة إيجابية هناك إلا حافز لخوض بقية الجولات بثقة أكبر في النفس.
الحِرفيون أولا
يثير عزيز داوني انتباه الراغبين في الاستقرار بكندا إلى الخصوصيات المجتمعية الأمريكية الشمالية، مشددا على أنها لا تشبه البنية المغربية طبعا، كما تختلف تماما عما هو مشهور عن بلدان أوروبا الغربية، إذ يستحضر الناس منظومة مغايرة لتقييم عطاءات بعضهم البعض وفق معايير لا يعتد بها إلاّ في هذا الحيز الجغرافي، وزيد: “من الجيد جدا الحصول على تكوين أكاديمي على أعلى المستويات، لكن ذلك ليس المحدد الوحيد للنجاح على الأراضي الكندية، إذ يمنح المجتمع هنا أولوية بالغة للترحيب بأصحاب الحِرف كي يحصلوا على أعلى العائدات المالية ويعيشوا في مستويات توفر الراحة لهم ولأفراد أسرهم”.
“الأهم بالنسبة للمهاجرين، كيفما كانت توجهاتهم بداية الهجرة، أن كندا حريصة على فتح الآفاق حتى لمن سينطلقون من الصفر، وفي أي ميدان يريده الإنسان، وهذه الميزة الحميدة تخدم ذوي الإصرار للتقدم بخطوات ثابتة نحو الأهداف التي يريدون تحقيقها، والمكانة الرفيعة التي يبتغون الوصول إليها”، يختم عزيز داوني.