إصلاح الضريبة على القيمة المضافة يصل إلى مرحلة “التنفيذ التدريجي” في المغرب
في حال إقرار ومرور إصلاح “الضريبة على القيمة المضافة” إلى مرحلة التنفيذ التدريجي (بين 2024 و2026)، كما هو مُقترَح إصلاحها في مشروع قانون المالية لعام 2024، فإن أسعار الاستهلاك النهائي لعدد من المواد والخدمات من المنتظَر أن تشهد “ارتفاعا” بحلول يناير 2024.
وتدافع الحكومة عن “ضرورة الشروع في تنفيذ سياسة الإصلاح الضريبي التي كانت أبرز خلاصات المناظرة الوطنية للجبايات قبل أربع سنوات على الأقل”، بقصدٍ واضح هو “توسيع أوعيتها الجبائية”. هذا الأخير وفق متابعين للشأن الاقتصادي يعد “إيجابياً”، إلا أنه بالمقابل “يُنذِر برفع أسعار مواد استهلاكية وخدمات أساسية (أبرزها الشاي والسكر المكرّر والأجهزة الإلكترونية المستوردة، والماء والتطهير والكهرباء وبعض أصناف النقل…)”، ما قد يفاقم تكاليف المعيش اليومي.
ولم يخلُ “مشروع ميزانية 2024” من مقتضيات ضريبية وجبائية وجمركية جديدة ستهم، في حال إقرارها والتصويت عليها ومن ثمّة اعتمادها، عددا من المواد أو الخدمات أو السلع ذات الاستهلاك الشعبي الواسع.
وهكذا اقترح مشروع مالية 2024 “زيادات تدريجية في ضريبة القيمة المضافة” في أفق “تحقيق استقرار ضريبي وتنسيق موحّد لسعر الضرائب المحصلة عن طريق القيمة المضافة”.
ومقابل الرفع المرتقب، يقترح المشروع تعميم “الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة” ليشمل مصفوفة من المنتجات الأساسية ذات الاستهلاك الواسع (مثل الأدوية والأدوات المدرسية والمنتجات والمواد الداخلة في تركيبهما والحليب والصابون والزبدة)، لتحقيق الهدف الاجتماعي بـ“تخفيض تكلفة الضريبة على القيمة المضافة للتحكم بشكل أفضل في التضخم ودعم القدرة الشرائية للمستهلكين”.
إيجابيات الإصلاح
سجل عبد الباسط مهنديس، خبير محاسب متابع للشأن الاقتصادي المغربي، أن “إصلاح الضريبة على القيمة المضافة في المغرب (الذي أطلقه مشروع قانون المالية 2024) يعد، بشكل عام، أمرا إيجابياً”، مؤكدا أنه “يهدف إلى تبسيط وتنسيق نظام ضريبة القيمة المضافة، وتعزيز مكافحة التهرب والتهريب الضريبي، وتحسين شفافية المعاملات”.
وعدد الخبير المالي ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس، عددا من “النقاط الإيجابية للإصلاح”، إذ “ينص مشروع القانون على تخفيض عدد معدلات ضريبة القيمة المضافة من ثلاثة إلى اثنين، 10% و%20. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى تبسيط نظام ضريبة القيمة المضافة للشركات ودافعي الضرائب”.
وتابع المصرح ذاكراً، أيضا، “تعزيز مكافحة التهرب والتهريب الضريبي”، مستشهدا بما “ينص عليه مشروع القانون من إنشاء نظام جديد للاقتطاع من المنبع على عمليات تقديم الخدمات التي يقوم بها مقدّمو الخدمات الخاضعون لضريبة القيمة المضافة”، وزاد: “من المتوقع أن يساعد هذا النظام في مكافحة التهرب والتهريب الضريبي بشكل أكثر فعالية”.
ويرى الخبير المحاسب أن هذا الإصلاح “لا يخلو من بعض النقاط السلبية”، أبرزها “زيادة الضغط الضريبي”، بحكم أن “مواءمة معدل ضريبة القيمة المضافة المخفض مع المعدل العادي قد يؤدي إلى زيادة الضغط الضريبي على الأسر والشركات”.
نقطة أخرى هي “التأثير على الشركات”، يشرح مهنديس، مضيفا: “قد يكون للنظام الجديد للاحتفاظ بالمصدر تأثير سلبي على الشركات التي تقدم الخدمات”.
اقتراحات للتحسين
وبسط الخبير المالي، في إفاداته لـ هسبريس، بعض مقترحات تحسين الإصلاح، وفق توصيفه، معدداً أهمها في “تعويض زيادة الضغط الضريبي”، إذ “يمكن للحكومة تعويض زيادة الضغط الضريبي من خلال تدابير الدعم المباشر للأسر والشركات”؛ كما يمكنها “تقليل التأثير على الشركات” عبر “مراجعة النظام الجديد للاقتطاع من المنبع لتقليل تأثيره على الشركات التي تقدّم الخدمات”، وأجمل خاتما: “بشكل عام، أعتقد أن النقاط الإيجابية للإصلاح تفوق النقاط السلبية. يجب أن يساهم الإصلاح في تحسين العدالة الضريبية وتعزيز دينامية الاقتصاد المغربي”.
من أجل عدالة جبائية
أكد محمد أمين سامي، محلل اقتصادي خبير لدى هيئة استشارية أممية معنية بالحقوق الاقتصادية في المنطقة العربية، أن “توجه رفع الضريبة على القيمة المضافة بالمغرب يندرج ضمن منظور إصلاحي ليس سوى تنفيذ لمناظرة الإصلاح الضريبي في 2019”.
وأكد سامي، في حديث لهسبريس، أن “توحيد قيمة النسَب من أجل توسيع وعاء الإيرادات الضريبية له هدف واضح وكبير هو بلوغ المساواة والعدالة الجبائية بين الفئات المجتمعية، سواء كانت منتِجة أو مقدّمة خدمات”، لافتا إلى أن “الإشكال الأساسي لهذا الإصلاح يكمن في رفع ثمن الاستهلاك النهائي… ولكل إصلاح في السياسات العمومية المالية ثمن”.
وضعية المستهلك النهائي
لم يفُت المحلل الاقتصادي ذاته أن يقترح “النظر أيضا في الوضعية الاجتماعية للفئات الشعبية والمستهلكين النهائيين من خلال تحسين الدخل الفردي”، لأن “المستهلك النهائي هو المتضرر من إصلاح جبائي يبدو إيجابيا للمالية العمومية إلا أنه يجب الانتباه إلى عدم زيادة تدهور الوضع المعيشي”.
في المقابل، تابع المتحدث لهسبريس مؤكداً ضرورة “توجيه الاستثمارات نحو قطاعات خالقة للثروة وفرص العمل وتشجيع المقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل غالبية النسيج الاقتصادي الوطني”، مقترحا منحها “مناخاً مناسبا للأعمال”، ورفع “مساهمة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في الناتج المحلي الإجمالي من 2 بالمائة حاليا إلى حوالي 5 بالمائة”.
وبحكم أن الضريبة على القيمة المضافة تتضمن جزءا يتصل ببرامج عمل الجهات والجماعات الترابية فإن الخبير الاقتصادي نفسه يقترح “تقسيم الضرائب بالتساوي بينها، ولكن مع مراعاة إنتاجية وفاعلية ونجاعة البرامج التنموية”، وقال معلقا بهذا الشأن إنه “لا يمكن الرفع من الضرائب في ظل مشاريع عقيمة عديمةِ الجدوى”.
وخلص سامي إلى أن “رفع وتوحيد نسب ضريبة القيمة المضافة على عدد من مواد الاستهلاك وبعض الخدمات سيحرك العجلة الاقتصادية الراكدة منذ كوفيد-19، إلا أنه بالمقابل سيكون ذا انعكاسات سلبية خاصة على قدرة شرائية متدهورة مسبقا لدى بعض الفئات الاجتماعية، مع صعوبة التوقع واللايقين التي تسم الوضع الاقتصادي العالمي والإقليمي والوطني مع تزايد الصراعات”.