خبراء يوصون بتدابير استباقية تبعد الذكاء الاصطناعي عن الممارسات الابتزازية
أثار التقدم السريع للذكاء الاصطناعي مخاوف عدد من الخبراء والمهتمين من تنامي استعمال هذه التقنية في أعمال غير مشروعة، بما فيها ابتزاز النساء والقاصرين.
وفي هذا الصدد تقدم أهالي عدد من الطالبات في بلدة جنوب غربي إسبانيا، في الأيام الأخيرة، بشكوى رسمية إلى الشرطة المحلية، بعد تداول صور عارية لبناتهم بين زملائهن في المدرسة، استخدم فيها الذكاء الاصطناعي.
وأبلغ أكثر من 20 من الفتيات الإسبانيات القاصرات ذويهنّ بتداول زملائهنّ في المدرسة صورًا عارية لهنّ تم إنشاؤها بواسطة “برامج مونتاج على الهاتف تعمل بالذكاء الاصطناعي”؛ إذ قام الجناة بسرقة صورهن من حساباتهنّ الشخصية على “واتساب” ودمجها مع صور أجساد فتيات عاريات وتداولها.
وتعليقا على ذلك، قال مهدي عامري، رئيس شعبة التواصل بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، في تصريح لهسبريس: “إن من أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تنشأ عن التطور غير المنضبط للذكاء الاصطناعي خطر تحوله إلى سلاح فتاك ينتهك خصوصية الأسر والأفراد، ويدمر سمعتهم”، معتبرا أن “الإنسان المعاصر بينما يواصل تطوير هذه التقنيات الخارقة والاعتماد عليها في كل صغيرة وكبيرة، تتراجع خصوصية الأفراد ويصبح العديد منهم معرضين لأخطار حقيقية إذا وقعت صورهم وملفاتهم بين أيادي شريرة”.
وأضاف عامري: “من المؤكد أن الخصوصية من الهواجس والتحديات الأساسية التي تحيط بإمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي وتطويره؛ ففي حين تتطلب أنظمة الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من البيانات الشخصية فإنها تنطوي على أخطار جمة في حال وقعت في الأيدي الخطأ، إذ يمكن استخدامها لأغراض خبيثة خارج كل الحدود والضوابط الأخلاقية، مثل السرقة والقرصنة وانتحال الشخصية والتنمر والمضايقات والابتزاز أو التشهير في أحيان أخرى، وهذا تهديد مباشر لحقوق الإنسان وكرامته وحقه في الاطمئنان والأمان”.
واعتبر المتحدث ذاته أنه “يجب على الدولة المغربية أن تضرب بيد من حديد، من خلال قوانين وإجراءات زاجرة، كل من تسول له نفسه التلاعب ببيانات الآخرين وتدمير سمعتهم”.
واقترح الخبير المغربي “إطلاق سلسلة ندوات وحملات تحسيسية يتزعمها رواد المجتمع المدني والمؤسسات المهتمة بالتكنولوجيات الحديثة، من أجل تحديد الاستخدامات الفضلى للذكاء الاصطناعي، مع التنبيه إلى مخاطره المحتملة وكيفية التصدي لها؛ وكذا إطلاق ورشات حول التربية على وسائل وأدوات الذكاء الاصطناعي لفائدة جمهور متعدد الأعمار والاهتمامات، وإطلاق دورات تدريبية مجانية أو بأثمان رمزية حول استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي والكتابة الإبداعية ونشر قيم الجمال والخير؛ لأن هذه المجالات هي الآفاق الحقيقية التي ينفتح عليها الذكاء الاصطناعي”، موردا أن “أفضل وسيلة لمقاومة شرور وآفات بعض التكنولوجيات الحديثة تكمن في لفت الانتباه إلى فوائدها ومزاياها”.
من جهته، اعتبر نجيب مختاري، مهندس وصانع محتوى، أن “أهم إجراء يجب القيام هو إنشاء أو تعزيز خليّة أو جهاز حكومي قادر على تنمية الخبرة الكافية لمسايرة هذا المجال الدقيق والمتغيّر بسرعة فائقة؛ على أن يكون من أولويات هاته الجهة ليس فقط المسايرة النشطة والاستبقاية لما يحدث في العالم، والتنسيق مع معاهد البحث في المغرب وغيره، ولكن كذلك تمكين الجهاز التشريعي في المغرب عن طريق تعليم المشرّعين حتى يتمكنوا من سنّ الإجراءات الملائمة النابعة من فهم عميق لهاته التكنولوجيا التي تقلب العديد من المفاهيم، ليس فقط التكنولوجية، بل تطرح إشكاليات تشريعية غير مسبوقة”.
وأضاف مختاري: “يجب التعامل مع الذكاء الاصطناعي ليس بمنطق ‘إخماد النار’ أو عن طريق إجراءات المنع الشامل، مثل ما كان قد حدث منذ بضع سنوات عندما تم منع تطبيقات التواصل الصوتي الرقمي بشكل فجائي، بل يجب اعتماد إستراتيجية استباقية تستشرف المستقبل وتساير هاته الطاقة الخلّاقة، وتحاول استغلال الفرص التي توفرها هاته التكنولوجيا من أجل الرفع من الرفاه العامّ للمغاربة، مع مراعاة المخاطر والإشكاليات المرافقة الجديدة لهاته التكنولوجيا”.
واعتبر المتحدث ذاته أن “الذكاء الاصطناعي سيغيّر العالم في السنوات القادمة بشكل جذري، وسيعيد ترتيب الأوراق بشكل عميق، سواء في مجال الشغل أو المعرفة أو توزيع موازين القوى في العالم”، مبرزا أن “الدول التي تستثمر في فهم ومسايرة وتطوير هاته التكنولوجيا اليوم ستجني ثمارا مهمة في السنوات المقبلة”.
وشدد المهندس ذاته على أن “الذكاء الاصطناعي يطرح كذلك تحديات في ما يخص المواد المفبركة التي يصير كل سنة من الأسهل إنتاجها”، مضيفا أن “الأمر يتعلق بالصور أو الفيديوهات المفبركة بتقنية ما يعرف بال Deep fakes، وهو ما سيحتم على التشريعات في لحظة ما أن تستسلم لواقع أنه عاجلا أم آجلا سيصير من المستحيل التمييز بشأن فيديو أو دليل معروض أمام المحكمة، هل هو حقيقي أم مصنوع بالذكاء الاصطناعي”.