لماذا ألغت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيارتها إلى البحرين؟
- Author, نسرين حاطوم
- Role, مراسلة بي بي سي نيوز عربي لشؤون الخليج
بعدما كان يفترض أن يبدأ وفد من المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان اليوم زيارة إلى البحرين تستمر أربعة أيام يزور خلالها السجون للاطلاع على أوضاع السجناء، أكدّت المسؤولة الإعلامية في المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جيسي شاهين، في تصريح لبي بي سي نيوز عربي أن السلطات البحرينية أبلغت المفوضية يوم الأربعاء أنه سيتعيّن على الوفد تأجيل الزيارة.
وأضافت شاهين أن المفوضية تتطلع الى تحديد مواعيد جديدة في وقت قريب، لأنه من المهم بالنسبة للمفوضية القيام بهذه الزيارة، وهو ما نقلته المفوضية إلى السلطات البحرينية، إذ أنها تنوي إجراء تقييم لظروف السجون في البحرين وتقديم المشورة للسلطات بما يتماشى مع المعايير الدولية.
يأتي تصريح المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بعد ساعات من إعلان فك الإضراب عن الطعام في سجن جو المركزي والذي استمر أكثر من شهر بعد تلبية عدد من مطالب السجناء المضربين عن الطعام.
لكن سجينا واحدا استأنف الإضراب، إذ نُقل عن السجين البحريني، عبد الهادي الخواجة، استئنافه الإضراب عن الطعام، وذلك بعد رفض سلطات السجن نقله إلى عيادة طبية، بحسب ما أكدت ابنته زينب لـ بي بي سي نيوز عربي، إذ قالت: “عندما اتصل بي والدي ليبلغني باستئناف إضرابه، قطعوا الخط”.
وأضافت زينب أن السلطات لم تنقل والدها إلى موعده مع طبيب القلب في 28 آب/ أغسطس الماضي، كما لم تفعل يوم الأربعاء في 13 من الشهر الجاري مع طبيب العيون، مشيرة إلى أن السجناء الذين ينقلون الى المستشفى يمضون نحو سبع ساعات في الحافلة مكبّلي الأيدي والأرجل ولا يُسمح لهم بقضاء حاجتهم، وقالت: “أخبرني والدي أن السجناء يعودون من المستشفيات في وضع صحي أسوأ”.
لكن الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل (المشرفة على جميع مراكز الإصلاح والتأهيل ومن ضمنها مركز الإصلاح والتأهيل في جو المعروف سابقا بسجن جو) قالت في بيان لبي بي سي نيوز عربي إنه “خلافا للادعاءات المتداولة، رفض عبد الهادي الخواجة مرارا وتكرارا حضور مواعيده الطبية المنتظمة”، وأضاف البيان أنه فيما يتعلق بحالته الصحية، فإن “الحالة الصحية لعبد الهادي الخواجة مستقرة ولا توجد أي مخاوف جدية. ولم يُسجل أي إضراب جديد عن الطعام حتى الآن”.
ولفت البيان إلى أن “جميع النزلاء في مملكة البحرين يحصلون على الرعاية الصحية نفسها التي يحصل عليها المواطنون والتي تشرف عليها المستشفيات الحكومية بشكل مباشر”.
ويأتي هذا التطور بعدما أعلنت ابنة الخواجة، الناشطة مريم الخواجة والمقيمة في الدنمارك، عن زيارتها للبحرين برفقة ممثلين عن منظمّات حقوقية دولية، في محاولة للفت الانتباه الدولي إلى قضية والدها وإقناع السلطات البحرينية بالإفراج عنه.
لماذا أضرب بعض السجناء عن الطعام لأكثر من شهر؟
بعد أكثر من شهر تقريبا، قرّر السجناء المضربون عن الطعام في سجن جو المركزي في البحرين تعليق إضرابهم.
في السابع من آب /أغسطس الماضي، أضرب عن الطعام سجناء تصفهم جمعيات حقوقية بـ “سجناء سياسيين وسجناء رأي”، اعتراضا على ظروف سجنهم. المضربون قدّموا حينها سلسلة مطالب لفك إضرابهم.
وفيما تقول جمعيات حقوقية إن عدد المضربين عن الطعام تجاوز 800 سجين، تؤكد مصادر رسمية من داخل مركز الإصلاح والتأهيل في جو أن عدد السجناء المضربين عن الطعام لم يتجاوز يوما، 124 سجينا. غير أنه وبغض النظر عن التضارب في الأرقام، يبقى هذا الإضراب هو الأطول والأكبر في تاريخ البحرين، لجهة عدد الأيام وعدد المضربين عن الطعام على حد سواء.
فك الإضراب جاء بعد حصول السجناء على ضمانات تتعلق بحصولهم على بعض مطالبهم، وبعد اجتماع بين عدد من السجناء ولجنة من وزارة الداخلية.
وبحسب جهات حقوقية متابعة، تقرّر تحقيق المطالب التالية في فترة أسبوعين على حد أقصى:
نقل سجناء كانوا في العزل إلى المباني التي تضم “سجناء سياسيين” إنما بشكل تدريجي، علما أن هذا النقل لن يشمل في الوقت الراهن جميع السجناء الموجودين في العزل، بحسب المعلومات التي حصلنا عليها.
كذلك، سيُسمح للسجناء بمقابلة أقاربهم من دون حاجز زجاجي مرة واحدة كل مئة يوم.
كما سيُسمح لهم بأن تشمل الزيارات أقارب حتى الدرجة الثالثة، بعدما كان يُسمح لهم فقط بزيارات الأقارب حتى الدرجة الثانية.
وفي المطالب أيضا، سُمح بتمديد فترة الاتصالات الهاتفية التي كانت سابقا تقتصر على أربعين دقيقة في الأسبوع، كما ستخفّض تعرفة الاتصالات وسيحق لكل سجين إدراج سبعة أرقام للاتصال بها بعدما كان مسموحا بإدراج خمسة أرقام.
كذلك، زادت السلطات البحرينية فترة التشمّس للسجناء من ساعة يوميا إلى ساعتين يوميا وتعهّدت بمراجعة خدمات الرعاية الصحية والنظر في حالات الطوارئ للسجناء.
تعليق الإضراب سيستمر حتى الثلاثين من الشهر الجاري على أن يتم تقييم الوضع حينها.
ولي العهد البحريني في واشنطن
سيد أحمد الوداعي من معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، أكد في مداخلة مع بي بي سي نيوز عربي أن تجاوب السلطات البحرينية مع بعض مطالب السجناء يأتي بالتزامن مع زيارة ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهي زيارة تتزامن مع الذكرى الثالثة لاتفاقية التطبيع التي وقعتها البحرين مع إسرائيل في واشنطن في أيلول سبتمبر عام 2020.
وفي هذا السياق قال الوداعي إنه “حان الوقت الآن لنقل النقاش من مسألة تحسين ظروف السجون إلى مسألة الإفراج غير المشروط عن جميع السجناء السياسيين، الذين أمضى بعضهم عقدا من الزمن في السجن فقط بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في عام 2011، إذ لا ينبغي أن يكونوا في السجن في المقام الأول”، وأضاف: ” على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الاستفادة من اجتماعها مع ولي العهد البحريني لضمان الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع السجناء السياسيين”، على حد وصفه.
السلطات البحرينية تؤكد “إنهاء” الإضراب
في المقابل، تواصلت بي بي سي نيوز عربي مع السلطات البحرينية للحصول على تعليق حول مسألة فك الإضراب، فكان ملفتا تأكيد المصدر الحكومي “إنهاء” المضربين عن الطعام إضرابهم، وليس “تعليق” الإضراب كما جاء في وصف الجمعيات الحقوقية المتابعة لقضية الإضراب.
وأشار المصدر الحكومي لبي بي سي إلى أن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان زارت مركز الإصلاح والتأهيل في جو (سجن جو) مساء الثلاثاء للوقوف على تفاصيل إنهاء الإضراب وأصدرت بيانها الذي يؤكد أن النزلاء المضربين عن الطعام قرّروا إنهاء الإضراب اعتبارا من مساء الإثنين في 11 أيلول/سبتمبر بعد أن تمت إعادة تنظيم ساعات الزيارة وزيادة ساعات التشمّس وعدد الأرقام المسموح الاتصال بها.
ابنة الخواجة إلى البحرين رغم إمكانية سجنها
يأتي ذلك وسط ترقّب كبير لعودة الناشطة البحرينية، مريم الخواجة، إلى البحرين رغم صدور حكم غيابي بحقها عام 2014 بالسجن لمدة سنة واحدة بتهمة “الاعتداء على ضابطة وشرطية” في مطار البحرين وتهم أخرى بـ “إهانة الملك” وهي تهم قد تصل عقوبتها إلى السجن سبع سنوات. وتعود مريم بسبب والدها الناشط الشهير عبد الهادي الخواجة المسجون منذ نيسان/أبريل عام 2011 بحكم لمدى الحياة بتهم تتعلق بدوره في التظاهرات التي حصلت في البحرين في شباط/ فبراير من العام نفسه.
الخواجة الذي يحمل أيضا الجنسية الدنماركية، شارك في تأسيس مركز الخليج لحقوق الإنسان ومركز البحرين لحقوق الإنسان وفي عام 2013 تم ترشيحه وابنتاه زينب ومريم من قبل آنا غوميز، النائبة البرتغالية في البرلمان الأوروبي لنيل جائزة نوبل للسلام بسبب دوره في مجال حقوق الإنسان.
وفي تسجيل مصوّر في السابع من الشهر الجاري أي قبل أربعة أيام من فك الإضراب، قالت مريم الخواجة: ” سأعود إلى السجن الأسبوع المقبل مع علمي المسبق أنني سأمضي بقية حياتي خلف القضبان لكنني سأفعل ذلك لأنه ليست لدي خيارات أخرى”، وأضافت: “والدي عبد الهادي الخواجة وهو سجين رأي مسجون منذ أكثر من 12 عاما، لا يحصل على الرعاية الطبية اللازمة والضرورية علما أنه يعاني من مرض في القلب وهذا ما يجعل استمراره في الإضراب عن الطعام أمرا خطرا على حياته”. وأعلنت الخواجة أنها لن تكون بمفردها في عودتها إلى البحرين إذ أن هناك العديد من الأشخاص قرّروا مرافقتها في رحلتها هذه بهدف الضغط على الحكومة البحرينية لإنقاذ والدها، على حدّ وصفها.
من بين الأشخاص الذين أعلنوا مرافقة الخواجة، أنياس كالامار المديرة العامة لمنظمة العفو الدولية. وفي تسجيل مصوّر لها، أعلنت كالامار أنها بالنيابة عن 10 ملايين مناصر لمنظمة العفو الدولية ستسافر مع مريم الخواجة إلى البحرين للمطالبة بالإفراج غير المشروط عن والدها عبد الهادي الخواجة المسجون بشكل غير عادل منذ أكثر من 12 عاما وللمطالبة بالإفراج عن جميع سجناء الرأي في البحرين، بحسب قولها.
ووصفت كالامار عودة مريم الخواجة إلى البحرين على أنه دليل حب كبير لوالدها ويحمل مخاطر عدة في الوقت نفسه، مؤكدة أن منظمة العفو الدولية تقف إلى جانبها وتدعمها في جميع مطالبها. وناشدت كالامار السلطات البحرينية لفعل كل ما بوسعها لاحترام حقوق عبد العزيز الخواجة كي لا تضطر مريم إلى القيام بهذه الرحلة.