أخبار العالم

اجتهادات بلا أجر



المؤمن إذا أصاب له أجران وإن أخطأ لَه أجر واحد. لكن الذين أرادوا إصلاح التعليم دون رؤية دقيقة واسعة ومستشرفة للمستقبل، وبضيق نظر غريب أو بحسن نية أو سيئها، ليس لهم إلا الذنوب في صفحة أعمالهم. وإذا حاولنا أن نقرأ بعض هذه الأخطاء التي أوصلتنا إلى شبه الأفق المسدود الذي نقف أمامه اليوم سنقرؤها تاريخيا كالتالي:

– الخلاف الإيديولوجي السياسي الحاد الذي انطلق مع بداية الستينيات: الحكومة ذات توجه ليبرالي والكتلة الوطنية ذات توجه يساري أو إسلاموي يساري، صدام السلطة التنفيذية والمعارضة في صميم العملية التعليمية، خاصة قوة المدرس اليساري أو المعارض سياسيا الذي ينفذ توجهات الحكومة اليمينية باجتهاده الخاص. استعمال المعارضة التعليم في صراعها مع الحكْم نتجت عنه أحداث 1965 وحالة الاستثناء وإضرابات 1981 و84 و90.

– إهمال التحفيز المادي لمدرس الابتدائي منذ بداية الاستقلال (450 درهما شهريا للمعلم سنة 1963)، علما أن التعليم الابتدائي هو الأساس الذي ينطلق منه كل شيء.

– الخوف من الفلسفة التي اعتُقد أنها تنتج الفكر الماركسي اللينيني كان وراء التضييق عليها بمادة الفكر الإسلامي، كما تم فتح النوافذ للرياح الإخوانية والوهابية، للتضييق على الميل اليساري للمجتمع.

– التعديل الأول الذي مس شكل امتحان البكالوريا سنة 1979، ونقل الدورة الثانية من شتنبر إلى يوليوز وحذف امتحانات الشفوي، وهنا بدأ تسريب مواضيع الامتحانات بشكل واسع في دورة يونيو 1979؛ وكان ذلك تدشينا لعهد الغش الذي سينتشر بأشكال متنوعة.

– التعديل الثاني جاء مع إنشاء نظام الأكاديميات نهاية الثمانينيات، الذي اقتضى العمل بثلاث دورات، اثنتان محليتان وثالثة وطنية، وسريعا ما ظهرت عيوبه فتم تعويضه بالتعديل الثالث، بنظامين، جهوي ووطني. (هو المعمول به اليوم).

– التعريب الذي طُبق بخلفية قومية دينية، دون قراءة بَعْدية مستقبلية، خاصة أنه لم يشمل التعليم الجامعي، فيفرح تلميذ البكالوريا علوم رياضيات بشهادته ثم يواجه اللغة الفرنسية في شعبة العلوم الرياضية أو الفيزيائية في كليات العلوم أو كلية الطب أو مدارس المهندسين، فيضيع منه جهد كبير في السنوات الأولى للتأقلم مع “لغة” العلوم. أما المدرسون الذين تلقوا تكوينهم بالفرنسية وطُلب منهم تدريس العلوم بالعربية فإن ذلك كان أشبه بتعلم الحلاقة في رؤوس اليتامى.

– البرنامج الاستعجالي الذي كان متعجلا جاهلا لأي أفق بعيد، والنتيجة ملايير الدراهم المرمية في الخلاء أو في جيوب غير الأتقياء.

– محاولة التخفيف من كلفة تسيير وزارة التعليم بأسلوب التعاقد، بمعنى تحلل الدولة من شكل التوظيف القديم.. ليس هناك التزام 8 سنوات بين الموظف والدولة، والتخفيف من العبء الضاغط على الصندوق المغربي للتقاعد، وغير ذلك من “الأرباح المالية”.

– تشجيع التعليم الخاص دون وضع ضوابط لهذا الوحش ذي الرؤوس السبعة، حتى وصلنا اليوم إلى أعباء شهرية تصل إلى 2500 درهم لمستوى الثانية بكالوريا في بعض المدارس؛ أما رسوم التسجيل فتكاد تكون مستوردة من عالم آخر، في تجاوز مخيف للعرض والطلب، وحكاية الجودة وكلفتها، ومسؤولية الآباء في اختيار تعليم “لوكس”.

– تحوُّلُ المدرسِ من رجل وطني ذي رسالة نبيلة إلى مقاول باحث عن الربح بأي شكل. وأصبحت الدروس الخصوصية الإجبارية دجاجة تبيض الذهب والجواهر وكل المعادن النفيسة.

– تحول التعليم من جهاز تربوي لفرز النخبة التي تتسلم أمانة تسيير البلاد مستقبلا إلى أداة لمحاربة الأمية، والدليل على ذلك ظاهرة “التنجيح” الإجباري في الابتدائي والتساهل في الإعدادي والفرص اللانهائية في الثانوي، بدعوى محاربة الهدر المدرسي؛ كما يظهر في غض البصر بشكل مبطن عن الغش في الامتحانات، من الثانوي إلى الجامعي إلى المباريات (اختلاف العقوبات بين التنظير والتطبيق).

– تحول المجتمع المغربي بكل ألوانه إلى أشكال براغماتية فظيعة تبتغي الربح بكل الوسائل غير الأخلاقية دون أن تساهم بأي شيء للوطن.

هذه بعض من الأخطاء التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من جهل المدرسين والمتمدرسين والطلبة والموظفين وأصحاب المهن الحرة (انعدام المردودية بلغة مؤدبة). وإذا لم تصدقوا فقارنوا بين ما تنتجه مدرستنا وما تنتجه مدارس اليابان وكوريا وألمانيا والنرويج، وقد تستنتجون أن الحل يكمن في إعادة تربية المجتمع كله، مسؤولين سياسيين ومدرسين وتلامذة وأولياء، على المبادئ البسيطة للحضارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى