طلال سلمان: من ثنايا الفقر إلى مؤسس لصحيفة عربية شهيرة
قبل ستة أعوام، أنهى طلال سلمان حلمه بتوقف صحيفة “السفير” عن الصدور. بدا بعدها وكأن واقع المهنة قد غلبه، في ظل تأزم سياسي يعيشه العالم العربي. “انتهى” زمن جريدته، كما عبّر وقتذاك.
قبل أيام، رحل طلال سلمان عن عمر ناهز خمسة وثمانين عاما، تاركا ذاكرة متنوعة تزخر بها مقالاته وكتبه ومقابلاته، عن العالم العربي الذي واكبه صحفيا منذ خمسينيات القرن الماضي.
قابل سلمان قادة ورؤساء، كجمال عبد الناصر وصدام حسين وروح الله الخميني وحافظ الأسد وحسن نصر الله، كما صادق وزامل أدباء وشعراء وأكاديميين وصحافيين، كمحمد حسنين هيكل ومحمود درويش وناجي العلي وسعد الله ونوس.
شقّ سلمان، المولود عام 1938 في بلدة شمسطار شرقي لبنان لأب شرطي فقير، طريقا وعرة في عالم الصحافة بدأت عام 1957، بينما كان العالم العربي يضج بالأحداث المفصلية، ليس أقلها الوحدة بين مصر وسوريا التي استهل “الأستاذ” رحلته مع بدايتها.
تنقلات كثيرة
اتسمت مسيرة سلمان بالتنقل من صحيفة إلى أخرى. من مصحح في جريدة “النضال” أولى وظائفه، إلى صحيفة “الشرق”، ثم قادته الصدفة إلى “نقلة كبيرة” تمثلت بالانضمام إلى أسرة مجلة “الحوادث”.
تتناول الصحافية مهى زراقط، التي وثّقت سيرة سلمان، في مقالاتها بعضا من سيرة “أبو أحمد”.
وتروي أن والده، عرّفه على سليم اللوزي، صاحب مجلة “الحوادث”، الذي كان نزيلا في أحد السجون التي كان والده آمرا لها، بفعل معارضته لرئيس الجمهورية حينذاك كميل شمعون، فضمه إلى فريق المجلة.
أشرف سلمان على الإخراج والتنفيذ والتصحيح، وأعد صفحة بريد القراء، وابتكر زاوية شخصية له سمّاها “شطحة”، مازحه حولها الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر عندما صافحه سلمان خلال زيارة إلى دمشق، سائلا إياه “إزاي شطحاتك”، تذكر زراقط.
بعدها أصبح سلمان مديرا للتحرير في مجلة “الأحد” التي أسّسها الصحفي رياض طه، مطلع الستينيات التي شهدت على اعتقاله بسبب صداقته مع مندوب الثورة الجزائرية في بيروت، أحمد الصغير جابر، المتهم بالتجسس.
أطلق سراح سلمان بعد فترة قصيرة، ثم انتقل إلى الكويت لتأسيس مجلة “دنيا العروبة” عام 1962، في رحلة استمرت ستة أشهر فقط عاد بعدها إلى لبنان ليعمل مديرا لتحرير مجلة “الصياد” التي غادرها بعد فترة ثم عاد إليها عام في 1968 كمراسل عربي، فبدأت “مرحلة ذهبية في حياتي المهنية”، يقول سلمان حسبما نقلت زراقط.
إلى السفير
عام 1974، أطلق سلمان صحيفة السفير، بتمويل من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي يقول إنه جاء على شكل قرض، حملت الصحيفة “صوت الذين لا صوت لهم” وكانت “جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان”، مع شعار الحمامة البرتقالية حاملة الرسائل، و”البرتقال يعني الشام ووفلسطين”، كما قال سلمان.
لم يكن سهلا إيجاد شعار يعبّر عن توجهات الجريدة السياسية، التي دعمت بوضوح القضايا العربية ولا سيما القضية الفلسطينية.
برزت توجهات الصحيفة في عناوينها الرئيسية. فعندما زار الرئيس المصري السابق أنور السادات القدس عام 1977، عنوَن سلمان “الساقط عند المغتصب”. وعندما اغتيل، عنوَن “إعدام السادات”.
مرّ سلمان ومعه صحيفته بتحديات طالت حياته. ففي العام 1980، فجّرت مطابع السفير قبل أن يتم استخدامها.
وبعد أربع سنوات، فتح مسلح النار على سلمان أمام مدخل منزله في رأس بيروت، لم يقتل، لكن ندوب الإصابة دمغت وجهه وجسده.
رغم النجاح المستمر، لم يخل الطريق من عثرات واتهامات بتلقي التمويل السياسي. وقد أبدى سلمان في مقابلة عام 2017 مع برنامج “المشهد” على بي بي سي عربي، ندمه على موقف الصحيفة في “حرب المخيمات” خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990).
الاحتجاب
على الرغم من توجهها الواضح نجحت السفير في الانتشار بين اللبنانين والعرب، وجذبت كتابا متنوعي الخلفيات لسنوات طويلة عاش فيها العالم العربي ولبنان خضات يصعب فيها الحفاظ على الموضوعية، ودعم أحد أطراف الصراع من دون قطع الصلات مع الآخرين.
أغلق سلمان صحيفته. برّر تلك الخطوة بـ “انعدام السياسة” و”تغلب وسائل التواصل الاجتماعي على الصحف” و”انقراض القراء”. إلا أنه لم ينقطع عن الكتابة، واستمر في مدونة تحمل اسمه واسم “على الطريق”، وهو عنوان زاويته الأسبوعية في الجريدة.
اتفق الصحافيون والقراء على أن احتجاب السفير أحدث فراغا يصعب سده، وأنه أسقط أحد جدران هذه المهنة، الذي كتب عليه طلال سلمان مسيرته.