أخبار العالم

غياب الأطباء عن المراكز القروية يجدد النقاشات بشأن “جاذبية الوظيفة الصحية”



سلّط الخصاص الذي تشكو منه المراكز الصحية بـ17 جماعة قروية في إقليم تارودانت، من حيث الموارد البشرية، الضوء مجدداً على “استمرار مشكلة عدم جاذبية الوظيفة العمومية الصحية في المغرب”، حيث مازال العديد من الأطباء يرفضون تعيينهم بالمناطق النائية أو الأرياف أو الفضاءات القروية، “في ظل عدم توفّر الشروط المساعدة على ذلك”، وفقهم.

وهذا الخصاص ليس مرتبطا بمناطق سوس حصراً، بل هو “مشكل وطني” يشمل كل الأماكن البعيدة عن المركز، الحضرية منها والقروية، رغم استمرار مطالب تحسين الظّروف الاجتماعية والمادية لفئة الأطباء لكي يظلوا في خدمة المستشفيات العمومية، ولا يلجؤوا إلى العمل في القطاع الخاص أو الهجرة إلى الخارج.

نقص دائم

المنتظر العلوي، الكاتب العام للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، قال إن “هذا المشكل سيبقى قائما دائماً في ظل عدم وجود منطق رسمي يخول للطبيب أن يذهب لبعض المناطق وهو مرتاح البال”، مبرزاً أنّه “ليس سهلا أن تنتزع طبيبا من بيئته وتزرعه في مكان لن يستطيع التكيف معه، لذلك تعاملت فرنسا مثلا مع هذا المشكل بتوفير السكن والكثير من التّسهيلات للأطباء”.

وأفاد العلوي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، بأنّ “المطالبة بحل مشكلة الموارد البشرية البنيوية لا يعني مناهضة السّياسة الرسميّة، وإنما تصحيح مساراتها عبر الاشتغال أيضاً على الإنسان، وعلى الطبيب”، مضيفاً أنّ “الجهات الرسمية مازالت في خطاباتها تروّج للحقوق المعترف بها حديثا كأنها منّة أو بلا استحقاق، في حين أنها حقوق ناضلت من أجلها الأطر الطبية لسنوات طويلة”.

وشدد الكاتب العام للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام على أنّ “المؤشّرات تقول إنّ هناك صعوبة كبيرة في الوقت الحالي لإقناع الطبيب أو الطبيبة بالذهاب إلى منطقة معينة، لكون الجاذبية غير قوية”، معتبرا أنّ “المنافسة غير الشريفة التي تقوم بها الدول الغربية عبر استقطاب الكفاءات الطبية المغربية يجب أن تدفع صانعي القرار إلى التفكير في صيغ لإبقاء الطبيب في بلده”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أنّ “هذا المشكل سيبقى لكونه متغلغلا في قطاعات كثيرة، وفي الطب يبلغ مستويات مرتفعة”، خاتماً بأنّ “المغرب في حاجة حقيقية إلى الطبيب، لكن على الدولة أن تجد طرقاً ممكنة لتوفير الأطباء بأعداد كافية في المناطق التي فيها خصاص، لكون الوقت الراهن يبين ألا أحدا مستعدّ للذهاب إليها”.

مشكلة قديمة

إبراهيم الكيحل، عميد كلية الطبّ والصيدلة بالرّباط، قال إنّ “المغرب يتجه أكثر نحو لامركزية القطاع الطبي، مراعاة لهذه المشاكل التي تكون جهوية في الغالب، بحيث يرفض العديد من الأطباء الذهاب إلى مناطق معينة أو نائية”، موضحا أنّ “الاعتمادات المالية التي يمكن ضخّها لا يمكن تحديدها، لكن الوزارة الوصية تستطيع أن تقدر الأجرة الصافية والتعويضات بالنسبة للذين يشتغلون في مناطق بعيدة”.

وأضاف الكيحل أن “هذا المشكل كان مطروحا بحدّة منذ 2009، لكنه خفت مع الوقت بحكم التدخلات التدريجية التي تسعى إلى محاصرته”، مسجلاً أنّ “الوظيفة العمومية المغربية في القطاع الطبي مازالت لا تتصف بجاذبية كبيرة في مناطق محددة؛ فيما يبدو أنّ اتجاه الجهات الرسمية إلى إحداث كليات جهوية للطب يصبّ في اتجاه تشجيع أبناء المنطقة والمنتمين إليها على الاشتغال في المؤسسات الطبية العمومية”.

وتابع المتحدث ذاته: “الطبيب له مكانة اعتبارية في المجتمع، فيما مشكلة عدم توفره هي مشكلة مجتمعية بالضرورة، نظرا للترابط بين الطبي والاجتماعي، وما لذلك من أثر على الصحة العامة”، وزاد: “يجب أن نقدم حلولاً تشجيعيّة ومغرية في الكثير من مناطق المملكة تكريساً للعدالة المجالية، وذلك من خلال توفير عدد الأطباء بحسب القدرة الديمغرافيّة للمناطق التي يتمّ تعيينهم بها”.

وأجمل عميد كلية الطبّ والصيدلة بالرّباط بأنّ “الدّولة راهنت على جودة التكوين وظروف العمل المادية والمعنوية حين رفعت أجرة الطبيب من 8 آلاف إلى 12 ألف درهم؛ وهذه الزيادة ساهمت في تحفيز الكثيرين رغم أنها لا تعتبر كافية من وجهة نظر بعض الأطباء”، لافتا إلى أنّ “الجهود الرسمية سائرة في اتجاه تعزيز خيار بقاء الأطباء في المستشفيات العمومية، لتقريب الخدمات الصحية من المواطن المغربي”.

يذكر أنّ وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد آيت الطالب، أكد قبل شهرين أنّ “الحكومة تشتغل على تنزيل الوظيفة الصحية لتعزيز الجاذبية بالنسبة للأطر والمرضى”، موردا، في معرض جوابه عن سؤال خلال جلسة للأسئلة الشفوية حول “تعزيز جاذبية الولوج إلى أسلاك قطاع الصحة العمومية”، أنه “ستتم تعبئة الموارد البشرية على المستوى الترابي في إطار اللاتمركز”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى