العالم العربي يعيش فراغا أيديولوجيا.. والشّعبوية لم تنجح في التاريخ
قال الكاتب والرّوائي المغربي حسن أوريد إنّ “العالم العربيّ” يعيش فراغا فكريا متمثلاً في “المرجعيّة الأيديولوجية”، مضيفاً في سياق آخر أنّ “وضع المنطقة العربية لأكثر من قرن يفيد بأنّ العالم العربي لم يكن مالكا لنفسه، وكان يخضع لقواعد لم يشارك في وضعها؛ ولكي تتغير الأمور ينبغي أن تتمّ صياغة قواعد جديدة تمكن من الخروج من التبعية”.
وشدد أوريد، ضمن حلوله ضيفا على “تنوين بودكاست”، على أنّ “تاريخ الأيديولوجيات الكبرى التي انتشرت في المنطقة يبين أن الليبرالية كانت هي الفكرة السائدة في عشرينيات القرن الماضي في الشرق والغرب، لتليها في ما بعد إرهاصات القومية العربية في المشرق، واستطاعت أن تنفذ إلى المغرب؛ وكانت تراهن على الفكر الجامع، فوجدت موطأ لها داخل العديد من الأحزاب المغربية”.
وأضاف الكاتب المغربي في حلقة “البودكاست” المعنونة بـ”بين المشرق والمغرب: بحثاً عن بيت نطلّ منه على العالم”، أنّ “انحسار فكرة القوميّة إثر انهزام ‘الجيوش العربيّة’ في معركة 1967 أمام إسرائيل، وتوقيع مصر اتفاقية ‘كامب ديفيد’ للسلام مع إسرائيل، عجّل بظهور فكرة أخرى بديلة كانت هي الإسلام السياسي”، معتبراً أنها “كانت ‘الفكرة العظمى’ التي رفعت شعار الإسلام هو الحلّ”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “هذه الفكرة استأثرت بالنخب وبالجماهير، ولا يستثنى من ذلك مشرق أو مغرب”، مبرزا أنّ “منطق الأشياء يقتضي أن نقرّ بأن الإسلام السّياسي يعيش أزمة، وبأن هناك تجارب في المغرب وفي تونس وإلى حد ما في مصر استلم فيها الإسلام السّياسي، أو لنقل عناصر تنهل من مرجعيته، زمام السلطة، وخرج من دائرة الخطاب، ومن ثم أصبحت محاسبته بناء على الأداء، وأحيانا لم يكن هذا الأداء في مستوى الخطاب، ما أثّر على جاذبية هذه الاتجاهات الإسلامية”.
كما قال المؤرخ المغربيّ إنّ “الإسلام السياسي في جَزر”، متسائلاً: “هل يُمكنه أن يتجاوز ذلك؟”، ويجيب: “لا أدري!”، ثم يضيف أنّ “الفراغ الذي يعيشه العالم العربي ينضاف إلى الأزمة التي يعيشها العالم منذ 2008″، مؤكداً أنّه “لفترة كانت النيوليبرالية تعتبر أنها هي الحل، سواء كانت السّياسية المتمثّلة في الديمقراطيّة أو الاقتصاديّة المتمثّلة في أنظمة السّوق، لكنّ هاته المنظومة الآن في أزمة، ودعاة العولمة لم يعودوا يجهرون بالقول، حتى إن هناك من نعى العولمة”.
ولفت المتحدث إلى أنّ “هذا الفراغ الذي نعيشه إما أنه سيُملأ باتجاهات هجينة لا تسعف في الخروج من الأزمة، وقد تعمقها، وإمّا أن يُملأ بتوجهات رائدة حاليا وهي الشعبوية”، مبرزاً أنّ “الأخيرة تبدو حلاّ بديلاً، متجسّدا في الالتفاف حول قائد يعدُ بالخروج من الأزمة ويعيد الأمور إلى الشّعب”. لكن أوريد يتحفظ في معرض حديثه عن أن يصف الشعبوية بالنموذج السيئ، مرجئاً ذلك إلى النّتيجة، بما أن العبرة بالخواتم.
وعلق الكاتب ذاته على ذلك قائلا: “نحن لا نحكم بناء على المنطلقات وحدها، بل بناء على الخلاصات من خلال استقراء التاريخ والنتائج في العالم. وبالنسبة إليّ لم أقف على تجربة شعبوية ناجحة، ولا أرى كيف يمكن للشعبوية أن تنجح في العالم العربي وقد أخفقت في أرجاء أخرى”، مورداً أن الشعبوية “في نهاية المطاف تنبني على الاستدعاء داخل مجتمع ما، ومع المجتمعات الأخرى، وهي نوع من الانكفاء يقوم على التّخوين والمؤامرة، وبالتالي هي تعبير عن أعراض ولا يمكن أن تكون حلاًّ”.
وأمام هذا الوضع، تساءل المؤرخ السابق للمملكة المغربية: “فهل ينبغي للمثقفين أن ينتظروا تطور الأمور لكي يحللوا ما سبق، أي أسباب ظهور هذه الظاهرة، أو أن يستشرفوا الأمور لتفادي الأخطاء”، مشددا على أن “وظيفة العلوم الإنسانية ليس فقط أن تشرح الظواهر ولكن أن تعمل كذلك على استشراف المستقبل، والعمل على بلورة تصورات للخيارات الأحسن، وإلا سيكون الأمر في نهاية المطاف ‘تجزية فراغ’ ليس إلاّ”.
وأجمل أوريد معتقدا أنّ “هناك مسؤولية كبرى على عاتق من يمتهنون صياغة الأفكار في العالم العربي، ليس فقط لاجترار ما مضى، ولكن أيضا لرسم تصورات في عالم يحبل بكثير من الأخطار”، خاتما: “إننا نعيش تحولا كبيرا في العالم، وأظن أنه من واجب المثقفين والمفكرين في العالم العربي أن يرصدوا هذه التطورات ويوجهوها نحو الوجهة المثلى، تفاديا للانكسارات التي وقعت سابقا. وينبغي أن نجهر بالحقيقة، بأن ‘الربيع العربي’ فشل، لأنه كان بدون أيّ تصور أو رؤية”.