فاغنر: هل تتحقق العدالة لضحايا انتهاكات المرتزقة الروس يوما ما؟
- نادر إبراهيم
- الخدمة العالمية، بي بي سي
في يوم سبت غير عادي، أرسلت ميليشيات “فاغنر” العسكرية الخاصة وحدات باتجاه موسكو في عملية تمرد على قيادة الجيش الروسي.
خلال ذلك الزحف، تمكنت المجموعة من السيطرة على مقر الجيش الذي تدار منه الحرب في أوكرانيا، في مدينة روستوف الواقعة جنوب روسيا.
أوقفت قوات فاغنر زحفها باتجاه موسكو بعد التوصل إلى اتفاق مع الحكومة الروسية، وكانت تبعد آنذاك مسافة 200 كيلومتر فقط عن العاصمة الروسية، وقد تم إبرام الاتفاق بوساطة من رئيس دولة بيلاروسيا المجاورة، ألكسندر لوكاشينكو.
تفادت روسيا حربا أهلية محتملة، وأُعطيت مجموعة فاغنر طوقا للنجاة، إذ ينص الاتفاق على العفو عن مقاتلي المجموعة وعدم محاكمتهم بتهمة الاشتراك في عصيان السبت، الذي وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه خيانة.
ومن المقرر أن يعيش زعيم فاغنر ذائع الصيت يفغيني بريغوجين في المنفى في بيلاروسيا، وسوف يكون بإمكان المقاتلين الذين لم ينضموا إلى تمرد السبت توقيع عقود يصبحون بموجبها جزءا من الجيش الروسي.
وفي رسالة نشرها على قناته على تطبيق تليغرام بعد إبرام الاتفاق، قال بريغوجين “إنهم”، على الأرجح في إشارة إلى وزارة الدفاع الروسية، سوف “يحلون” مجموعة فاغنر. لكن ليس واضحا ما إذا كان ذلك هو السبب الوحيد وراء استعراضه المفاجئ للقوة.
فاغنر وجرائم حرب دولية
مقاتلو فاغنر متهمون بارتكاب فظائع في بلدان أفريقية، فضلا عن سوريا وأوكرانيا – أغلبها ضد مدنيين عزل.
في ليبيا، توصل تحقيق أجرته بي بي سي إلى أدلة على تورط أعضاء بالمجموعة في إعدام مدنيين وفي الاستخدام المخالف للقانون للألغام المضادة للأفراد والمفخخات في منازل عائلات بالعاصمة طرابلس.
وقد زار فريق من بي بي سي طرابلس في عام 2021 وتحدث إلى شاهد عيان كان بعض مقاتلي فاغنر قد اختطفوه هو ووالده وشقيقيه.
أخبرنا الشاهد بأنهم اقتيدوا إلى مبنى صغير في إحدى القرى، ثم عاد بعض من الرجال إلى السيارة وبقي اثنان منهم مسلحان ببنادق الكلاشنيكوف أمام المبنى.
وقال الشاهد: “أخرج أحدهما سلاحه. في تلك اللحظة أدركت ما سيحدث. عرفت أنه سيطلق النار علينا. عندما بدأ في إطلاق النار، سقطت على جنبي وتظاهرت بالموت”.
لكن والده وشقيقيه لقيا مصرعهما.
ساعد شاهد العيان فريق بي بي سي على تحديد هوية أحد القتلة، وهو مقاتل بمجموعة فاغنر كان يستخدم اسما حركيا هو “فاخا”. وقد قُتل ذلك الرجل لاحقا خلال غزو أوكرانيا.
في مايو/أيار عام 2022، نشر المحققون الأوكرانيون أسماء وصور ثمانية من أعضاء فاغنر مطلوبين للعدالة لارتكابهم جرائم حرب مزعومة خلال غزو أوكرانيا. شملت تلك الجرائم عمليات تعذيب وقتل للمدنيين.
في وقت سابق من العام الحالي، اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية المجموعة بالتورط في نمط متواصل من الأنشطة الإجرامية التي تشمل “إعدامات جماعية وجرائم اغتصاب واختطاف أطفال واعتداءات جسدية في كل من جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي”.
ماذا سيحدث لو انضم أعضاء فاغنر إلى الجيش الروسي؟
بموجب مواثيق جنيف، تتحمل الدول مسؤولية وواجب التحقيق في انتهاكات القانون الدولي الإنساني التي ترتكبها قواتها المسلحة، وكذلك معاقبة الجناة.
ومن ثم ستتحمل روسيا واجب التحقيق في أي جرائم وانتهاكات ارتكبها مقاتلو فاغنر، ولكن فقط تلك التي اقتُرفت بعد توقيعهم عقودا مع وزارة الدفاع الروسية.
وبعكس مجموعة مرتزقة مراوغة تعمل في الظل مثل فاغنر، لدى الجيش الروسي إطار قضائي رسمي وآليات للمحاسبة.
بيد أن محامي حقوق الإنسان السوري المقيم في باريس، مازن درويش، يقول إن تلك الخطوة قد لا تحقق العدالة لضحايا التعذيب السابقين والمستقبليين لفاغنر.
يشار إلى أن درويش انخرط في عمل دقيق وشاق بهدف تحديد هوية مقاتلي فاغنر الذي عذبوا ثم قتلوا مدنيا يدعى حمدي بوطة في سوريا عام 2017. كان الرجال قد صوروا عملية التعذيب برمتها بكاميرا فيديو، وسُربت بعض مقاطع تلك الحادثة المروعة على شبكة الإنترنت.
وبمساعدة محامين في روسيا، قُدمت شكوى جنائية في موسكو ضد الأشخاص المتورطين في عملية التعذيب والقتل.
وقد أخبرنا درويش بأنه لم تتخذ أي إجراءات ضد أي من الرجال الذين وردت أسماؤهم في الشكوى، بل إن أحدهم كوفئ بميدالية شرف منحها إياه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد تقديم الشكوى.
ماذا سيحدث إذا تم ببساطة حل مجموعة فاغنر؟
تحقيق العدالة لضحايا فاغنر قد يكون أكثر صعوبة إذا ما تم ببساطة حل المجموعة.
غالبية الدعاوى الجنائية تقام ضد أفراد، وليس مجموعات، ومن ثم سيظل من الممكن ملاحقة مقاتلي فاغنر بشكل منفرد إذا ما حُلت المجموعة. لكن من الصعب جمع الأدلة وتحديد من يتحمل المسؤولية ضمن التسلسل القيادي لمنظمة ما إذا لم تعد تلك المنظمة موجودة.
بموجب الاتفاق المبرم مع الكرملين، ليس واضحا ماذا سيحدث لمقاتلي فاغنر الذين يمارسون أنشطة في الخارج في الوقت الراهن. فلطالما كانت المجموعة نشطة في العديد من بلدان العالم مثل ليبيا والسودان وسوريا ومالي وأفريقيا الوسطى وموزمبيق وفنزويلا وبوركينا فاسو ومدغشقر.
وصرح مصدر دبلوماسي بالأمم المتحدة يتابع أنشطة فاغنر عن كثب منذ أعوام لـ بي بي سي بأنه في حال نشوب خلاف بين فاغنر وبين الحكومة الروسية وحل المجموعة، فإن وزارة الدفاع الروسية سوف تتوقف عن تزويد وحدات المجموعة في أفريقيا بالعتاد.
وأضاف المصدر أن مقاتلي المجموعة قد يُتركون بلا رواتب أو دعم سياسي أو عسكري في بلدان مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا والسودان ومالي.
ويعني ذلك أن مقاتلي فاغنر المنتشرين في أفريقيا حاليا قد يصبحون بلا عمل ومن ثم يكونون متاحين للاستئجار من قبل جهات أخرى، وهو ما سيشكل خطرا هائلا في البلدان التي تعاني من عدم الاستقرار والحروب الأهلية وحركات التمرد.
كما أن المدنيين عادة ما يكونون هم ضحايا صراعات القوى السياسية. وفي البلدان التي تعمل بها فاغنر حاليا، سوف يأمل هؤلاء المدنيون ألا تؤدي هذه الفوضى إلى المزيد من الأعمال الوحشية من قبل المجموعة سيئة السمعة.