اللاجئون السوريون: رحلة معاناة أبو قاسم مع “الفشل الكلوي” وسط مطالبات بتأمين العلاج
- ختام عامر
- بي بي سي عربي- الأردن
لم يتصور أبو قاسم (عبدالله الزوباني) البالغ 52 عاما يوما ما أن تُبتر بعض أصابع قدمه اليمنى منذ نحو شهر بسبب عدم قدرته على تلقي العلاج اللازم لمرضه الفشل الكلوي إلى جانب معاناته من مرضي السكري والضغط.
أبو قاسم هو لاجئ سوري يعيش في شقة متواضعة في محافظة الزرقاء شمالي الأردن التي يبلغ إيجارها الشهري 110 دنانير مع عائلته. إذ فر أبو قاسم من الحرب في بلاده سوريا وأقام مع عائلته عندما وصل الأردن في مخيم الزعتري الذي يقع على بعد 10 كيلومترات شرق محافظة المفرق شمالي الأردن ويعد أكبر مخيم للاجئين السوريين الذين قدموا إلى الأردن بعد شهر يوليو/تموز عام 2012 نتيجة الحرب في سوريا التي اندلعت عام 2011.
ويقول أبو قاسم: “لم تتحمل عائلتي العيش في المخيم، فغادرته بعد نحو 3 أعوام و استقرت في محافظة الزرقاء”.
يروي أبو قاسم لبي بي سي معاناته مع مرضه قائلا: “أعاني من فشل كلوي منذ نحو 5 سنوات وأحتاج إلى 3 جلسات لغسيل الكلى إسبوعيا، وتبلغ كلفة كل جلسة نحو 40 دينارا أردنيا ما يعادل 56.39 دولارا علما بأن الجلسة الواحدة تبلغ قيمتها الحقيقية نحو 75 دينارا أي ما يعادل 105.75 دولارا ولكن توصلنا إلى اتفاق مع المستشفى (الخاص) حاليا لتخفيض هذه القيمة، ورغم ذلك لا أستطيع أن أُجري العدد المطلوب من الجلسات إلا في حال تمت مساعدتي من أهل الخير”. مضيفا: “كنتُ أتلقى العلاج في مستشفى الهلال الأحمر القطري في العاصمة الأردنية عمان ولكن منذ نهاية العام الماضي أخبرونا أنهم توقفوا عن تقديم العلاج نتيجة عدم توفر الدعم اللازم وقاموا بإرسالي إلى أحد المستشفيات الخاصة في الأردن للاستمرار في العلاج”.
أما أم قاسم فتقول: “في السابق، كانت المنظمات الإنسانية تتكفل بعلاج زوجي لفترات معينة ولكن الآن لم تعد تتكفل بذلك، إذ تم إعلامنا بأن الأمر يتعلق بظروف التمويل”. مضيفة: “اضطررتُ إلى إخراج ابني من المدرسة رغم أنه من المتفوقين دراسيا ليعمل في أي مكان ويساعدنا في مصاريف علاج والده”.
وتقول أم قاسم أيضا: “إن أسماءنا موثّقة كلاجئين سوريين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن وذهبنا مرارا وتكرارا إلى المفوضية لطلب المساعدة، إلا أن المفوضية تقول إنها غير معنيّة بتقديم العلاج لهذا المرض (الفشل الكلوي) وأمراض أخرى كالسرطان”.
دور المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن في تقديم الرعاية الصحية للاجئين
من جهته، يقول الناطق باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن ( UNHCR) مشعل الفايز لبي بي سي: “إن المفوضية لا تقدم العلاج لمرض الفشل الكلوي ولغيره من الأمراض التي تحتاج إلى علاج طويل ومستمر وذلك نظرا لمدة وتكلفة العلاج المرتفعة جدا”. إلا أن المفوضية بحسب الفايز تعمل على التنسيق مع جهات أخرى من خلال اتفاقيات وشراكات لتحويل ملفات المرضى الذين يعانون من هذه الأنواع من الأمراض بهدف تقديم العلاج.
ومرض الفشل الكلوي يحدث عندما تعجز الكلى فجأة عن تنقية الفضلات من الدم. وعندما تفقد الكليتان وظيفتهما على القيام بعملية التنقية، فقد تتزايد مستويات الفضلات الخطرة مما قد يتسبب في إحداث خلل بالتركيب الكيميائي للدم.
ويضيف الفايز: “تعمل المفوضية على توفير خدمات الرعاية الصحية الأولية والثانوية وبعض الخدمات المتقدمة لجميع اللاجئين المسجلين من مختلف الجنسيات لديها في المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية وبأسعار مخفضة حسب تسعيرة الأردني القادر غير المؤمّن، وذلك من خلال اتفاقية مع الحكومة الأردنية. كما وتعمل المفوضية مع عدد من الشركاء لتقديم خدمات رعاية صحية إضافية مثل الدعم الاجتماعي والنفسي وغيرها”.
وتوصي المفوضية اللاجئين بالمحافظة على سريان صلاحية وثائقهم (وثيقة اللجوء الصادرة عن المفوضية وسارية المفعول وبطاقة الخدمة الخاصة بالجالية السورية الصادرة عن وزارة الداخلية) وذلك ليتمكنوا من الاستفادة من الخدمات الصحية بأسعار مخفضة من خلال مرافق وزارة الصحة الأردنية.
أبو قاسم حاله كحال عشرات آلاف اللاجئين السوريين الذين باتوا يواجهون اليوم أوضاعا معيشية وصحية قاسية، ففي يوم 20 يونيو/ حزيران من كل عام، يحتفي العالم بقوة وشجاعة الأشخاص المجبرين على الفرار من أوطانهم هربا من الصراعات أو الاضطهاد. وهو اليوم الذي حددته الأمم المتحدة تكريما للاجئين، وشعاره لهذا العام هو “الأمل بعيداً عن الديار”.
وفي هذا الصدد، تقول أم قاسم: “آمل أن يتلقى زوجي علاجه بالشكل الصحيح كونه بات يعاني كثيرا جرّاء قلة جلسات غسيل الكلى ما تسبب في ارتفاع نسبة السموم في جسمه وأصبح منهكا جدا”.
ويقول الناطق باسم المفوضية مشعل الفايز: “إنه يصعب تحديد عدد المرضى ومن يتلقون العلاج لديها بسبب “التغيرات اليومية، وقد يكون الرقم مضللا”. إلا أنه بإمكان جميع اللاجئين الوصول للخدمات الصحية دون تمييز أو تفرقة، إما من خلال المراكز والعيادات التابعة لوزارة الصحة الأردنية (المراكز الحكومية) أو من خلال الشركاء مثل منظمة كاريتاس الإغاثية الدولية وغيرها”.
وتشير المفوضية إلى مجموعة من الاتفاقيات المبرمة مع عدة جهات لضمان وصول اللاجئين للرعاية الصحية الأولية والثانوية وبعض الخدمات المتقدمة، بما في ذلك حالات الطوارئ والولادة والصحة النفسية والتطعيم، إذ أن أهم شركاء المفوضية في ضمان وصول اللاجئين لحقهم في تلقي الرعاية الصحية هي وزارة الصحة الأردنية، إضافة لعدد من المنظمات والمؤسسات العاملة في المملكة.
“صعب للغاية أن نعود إلى سوريا”
وحول فكرة عودتهم إلى سوريا يُجمع كلا الزوجين على ذات الإجابة قائلين: “إنه من الصعب للغاية أن نعود إلى بلدنا سوريا وتحديدا إلى مدينتنا درعا بسبب عدم توفر العلاج في المستشفيات إذ أن هناك أعدادا كبيرة من المصابين بالفشل الكلوي بحاجة إلى إجراء جلسات غسيل الكلى، كما أن التيار الكهربائي ينقطع بشكل كبير ومستمر داخل المستشفيات ما يجعل الحصول على العلاج أمرا شبه مستحيل”.
وفيما يتعلق بالعودة الطوعية، فمنذ افتتاح المعبر الحدودي السوري الأردني (مركز حدود جابر – نصيب) في أكتوبر/ تشرين أول عام 2018، عاد إلى سوريا حوالي 48 ألف لاجئ سوري كانوا مسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن. بينما أُغلقت الحدود أثناء تفشي وباء كورونا، وعُلّقت على إثره عمليات العودة الطوعية لبعض الوقت.
وفي عام 2022، قرر حوالي 4000 لاجئ سوري في الأردن العودة طواعية إلى سوريا. وتعمل المفوضية عن كثب مع الحكومة الأردنية لمراقبة عملية العودة، وعلى مدار العامين الماضيين بقيت الأرقام ثابتة، حيث تتراوح أعداد من يقرر العودة طواعية إلى سوريا حوالي 400 لاجئ (متوسط) كل شهر، وهذه الأعداد لم تتغير في عام 2023، وفق آخر الأرقام والإحصائيات الرسمية الصادرة عن المفوضية.
كم يبلغ عدد اللاجئين السوريين في الأردن؟ وأين يتوزعون؟
وفق إحصائيات رسمية صادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن فإن عدد اللاجئين الإجمالي المسجلين لديها حتى نهاية شهر مايو/ أيار عام 2023 هو 740762 – من بينهم 660 ألف لاجئ سوري. علما بأن 81.7% من اللاجئين يقطنون في المناطق الحضرية، وفقط 18.3% في المخيمات.
أما عن المناطق الحضرية، يتوزع اللاجئون حول المملكة على الشكل التالي:
– محافظة العاصمة عمان 265 ألف، من بينهم 196 ألف لاجئ سوري.
– محافظة إربد 130 ألف، من بينهم 129 ألف لاجئ سوري.
– محافظة المفرق 86 ألف، من بينهم 85 ألف لاجئ سوري.
– محافظة الزرقاء 48 ألف، من بينهم 45 ألف لاجئ سوري.
– ويتوزع المتبقي من اللاجئين حول المحافظات الأخرى.
وقال المتحدث باسم المفوضية في الأردن مشعل الفايز إن الأردن يستضيف لاجئين من 48 جنسية، إذ يتوزع عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية بين 660 ألف لاجئ سوري منذ بداية الأزمة السورية، و61 ألف لاجئ عراقي، وقرابة 12 ألف لاجئ يمني و5 آلاف لاجئ سوداني و600 صومالي، و 1200لاجئ من جنسيات أخرى.
وعند إضافة بيانات المفوضية إلى بيانات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإن الأردن يستضيف لاجئين من 49 دولة.
وتقوم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن بإدارة 3 مخيمات للاجئين السورين في المملكة، هي: مخيم الزعتري، والذي تم افتتاحه في يوليو/ تموز 2012 ويقطن فيه حوالي 82 ألف لاجئ. ومخيم الأزرق والذي تم افتتاحه في أبريل/ نيسان 2014 ويقطن فيه حوالي 45 ألف لاجئ. والمخيم الإماراتي الأردني والذي يقطن فيه حوالي 6 آلاف لاجئ.
وتبقى هناك تحديات كبيرة يواجهها اللاجئون السوريون وغيرهم من اللاجئين حول العالم كما هي التحديات التي تواجهها الدول المضيفة للعمل ما أمكن على تقديم الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية لهم.