منوعات

«شوجر دادي».. أزمة منتصف العمر «كمان وكمان»



مارلين سلوم

أزمة منتصف العمر أصبحت العنوان العريض للمرحلة التي تمر بها الشاشة العربية حالياً، وكأن من يكتب للسينما وللدراما ينتظر هبوب الرياح كي يعرف اتجاهها، فيميل معها ويطلق لقلمه العنان ليصول ويجول داخل إطار الفكرة الواحدة والتي يمشي خلفها كثيرون، والفكرة المسيطرة هذه الأيام هي العلاقات الزوجية والمشاكل التي يمر بها الأزواج، مع التركيز على ما يعرف بالمراهقة المتأخرة أو أزمة منتصف العمر، التي تجرف الرجال للعودة إلى الوراء في مشاعرهم وتصرفاتهم، بدلاً من مجاراة التقدم الطبيعي للعمر، بالتقدم معه نحو النضج والحكمة والوقار.. علماً أن شخصية الأب المراهق والزوج المتعلق بحبال راقصة أو فتاة من سن أبنائه ليست جديدة على الشاشة، وقد شاهدناها بأنماط ومعالجات مختلفة، واليوم نشاهدها بإطار كوميدي خفيف في فيلم «شوجر دادي» المعروض حالياً في الصالات.

قد تكون شخصية السيد أحمد عبدالجواد، التي أداها يحيى شاهين في ثلاثية نجيب محفوظ الرائعة «بين القصرين» و«السكرية» و«قصر الشوق»، الأكثر مثولاً أمامنا حين نتحدث عن الأب المراهق وعلاقة الزوج بالراقصة أو فتاة الليل، بعدها نذكر شخصية كمال (عماد حمدي) في رائعة إحسان عبدالقدوس «أبي فوق الشجرة»، وتتوالى الأسماء والأعمال والشخصيات التي جسدت معاناة الأسرة، الأم والأبناء حين ينحرف الزوج والأب ليقع في هوى امرأة، لاسيما إذا كانت تصغره بسنوات بل من نفس سن أبنائه وبناته، ولعل الأكثر تجسيداً لهذه الحالة في الكوميديا هي مسرحية «العيال كبرت» تأليف سمير خفاجى وبهجت قمر (عرضت عام 1979)، والتي نجدها مجسدة أمامنا في فيلم «شوجر دادي» لكن بمعالجة حديثة تتماشى مع العصر الحالي، وقد أجاد في كتابتها بأسلوب سلس وبنكهة ظريفة أسهمت في إنجاح العمل المؤلف لؤي السيد.

إنها ليست سرقة أفكار بل الاعتماد على القالب الجاهز، زوج خمسيني يشعر بالملل بسبب انشغال زوجته عنه، فيخرج مع أصدقائه لأول مرة بدون زوجته، ليقع فوراً في حب راقصة شابة، وتستمر العلاقة ثم يعرض عليها الزواج، يكتشف أبناؤه الأمر فيحاولون إبعاده عن الشابة وثنيه عن الارتباط بها؛ طبعاً في «شوجر دادي» ينتقل الزوج شوقي الزنان والذي يؤديه بيومي فؤاد إلى الملل والرغبة في التغيير، وينجذب للراقصة الحسناء كاتي، والتي تؤديها الراقصة جوهرة، بسرعة شديدة وغير منطقية؛ إذ ليس من الطبيعي أن يسمح رجل لنفسه بالدخول في علاقة مع امرأة غير زوجته بعد قصة حب طويلة واستقرار عائلي، وسعادة دامت أكثر من 25 سنة، ويستمر بهذه «النزوة» عن قناعة، وتنقلب أحواله ويفكر جدياً بالارتباط بالراقصة رغم معرفة ولديه محيي (حمدي الميرغني) وحسام (مصطفى غريب) بالأمر، ومطاردتهما له أينما ذهب عله يعود عن قراره، قبل أن تكتشف والدتهما أميمة (ليلى علوي) خيانة زوجها ونيته الزواج.

الإطار الكوميدي العائلي

العمل الناجح لا يموت؛ لذا تجد مسرحية «العيال كبرت» تقفز إلى ذاكرتك فوراً، وأنت تشاهد «شوجر دادي» والخطط التي يرسمها محيي وحسام لمنع سفر والدهما في رحلة مع كاتي، ومنعه من الارتباط بها.. لؤي السيد والمخرج محمود كريم لهما تجربة سابقة مع الثلاثي ليلى علوي وبيومي فؤاد وحمدي الميرغني، نجحت في نفس الإطار الكوميدي العائلي، في فيلم «ماما حامل» عام 2021؛ وعادة حين تعود هذه الأسماء بعد عامين بفيلم آخر كوميدي أيضاً، ويبدو من بعيد أنه سيحملك إلى نفس الأجواء، تحسب أن «شوجر دادي» هو امتداد لماما حامل، وأنك ستشاهد الجزء الثاني لاستكمال القصة؛ لذا تفاجأ بأن العمل، لكن بقصة مختلفة، يحمل نفس الروح والكوميديا الظريفة المحببة، والصورة الجميلة المريحة والمفرحة والإخراج الجيد والإيقاع السريع بعيداً عن أي ملل، ومعالجة جديدة مع الاحتفاظ بثنائية ليلى علوي وبيومي فؤاد كزوجين وحمدي الميرغني ابنهما؛ لم يبتعد لؤي السيد ومحمود كريم عن العمل السابق، فلماذا لم يجعلا من «شوجر دادي» جزءاً ثانياً مرتبطاً بالأول؟ ربما كي لا يؤخذ عليهما التكرار، وأن قماشة «ماما حامل» لا تحتمل التوسع بها لأفلام أخرى؟ ليس منطقياً لأن ما فعلاه هو تقديم عمل يشبه الأول إلى حد كبير مع تعديلات وتطورات يمكن أن يُحدثها أي كاتب لشخصياته من عمل إلى آخر.

ضيف شرف

يمر الفنان هشام عباس مرور ضيف شرف، سريعاً في بداية الفيلم، مجسداً دور «شوجر دادي» آخر، علماً أن هذه التسمية يطلقها الغرب على الرجل الثري أو ميسور الحال والمرتبط بعلاقة مع فتاة من جيل بناته وأبنائه، علاقة تسعى إليها بعض الفتيات لاستغلال الرجل، ويطلقون عليه لقب «شوجر دادي»؛ هشام عباس يؤدي أغنية «شوجر دادي»، كما نالت أغنية نانسي عجرم «آخر إصدار» والتي ترقص على نغماتها ليلى علوي رواجاً بسبب الفيلم.

الفنان محمد محمود ضيف شرف أيضاً، يجسد دور مدير الفندق ووالد توتي (مي الغيطي) التي يقع في حبها محيي، أما تامر هجرس فيجسد شخصية تبدو غريبة في البداية؛ حيث يظهر باعتباره زياد صاحب موتيل صغير في سويسرا، يقترب من الراقصة كاتي، وبشكل تلقائي يتودد لأسرة الزنان، المستغرب في هذه الشخصية هو أسلوبه المباشر في إلقاء المواعظ، وتوجيه الملاحظات والنصائح «المثالية» لشوقي، طبعاً وجوده يستفز «الرجل المراهق» خصوصاً بسبب تقربه من كاتي؛ «أنت في قمة النضج في هذه المرحلة العمرية، والمفروض أن تستمتع بإنجازاتك ومع زوجتك وأولادك وما حققته في حياتك»، «أنا لست صغيراً في السن لذلك آخذ حذري وأنتبه في كل تصرفاتي»، وغيرها من النصائح التي يحرص زياد على توجيهها لشوقي، وغيرها من الملاحظات التي يوجهها للآخرين أيضاً، وحين يهنئ شوقي على حمل زوجة ابنه يقول له «ليه زعلان؟ اللي انت فيه ناس كتير بيتمنوه وبيحسدوك عليه».. هذه المبالغة في جعل زياد يبدو مصلحاً اجتماعياً ورجلاً مثالياً، نفهم سببها لاحقاً، وكما يقول المثل إذا عُرف السبب بطل العجب؛ ورغم أنه دور نجده كثيراً في الأفلام العربية، لكن المؤلف أضاف إليه مهمة غير تقليدية (وغير واقعية في نفس الوقت، ومستحيل أن تجدها مجسدة في الحياة)، ويأتي ختام الفيلم غير تقليدي؛ حيث يعيدنا المخرج محمد كريم إلى ما قبل تسعة أيام، لنفهم ما حصل ومن يكون زياد وما هي علاقته بأميمة، ولماذا يتصرف بهذه الطريقة؟ ويكون الختام ظريفاً.

ليلى علوي لا تخرج عن إطار الأداء التقليدي، الذي اختارت أن تلجأ إليه، باختيارها الأدوار السهلة البسيطة غير المستفزة لقدرات الممثل؛ كي يمنحها أكثر ما يملك من موهبة، وبيومي فؤاد مرتاح في ملعبه؛ حيث أصبح الرقم واحد في الطلب على الأدوار الكوميدية، كذلك حمدي الميرغني ينجح بدور الشاب العالم- الغبي في آن، بينما يتميز مصطفى غريب بالأداء، وينافس الميرغني في هذا الفيلم.

[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى