ماذا يعني وضع “فيتش” تصنيف أميركا تحت المراقبة السلبية؟
وفي حال تعثر المفاوضات الحالية، فإن التصنيف الائتماني للولايات المتحدة ينتظر ضربة جديدة، بعد أن أعلنت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني عن وضع واشنطن تحت المراقبة السلبية، تمهيداً لخفض تصنيفها في حالة عدم إقرار رفع سقف الدين.
أكدت فيتش في بيان لها أنّها ستراقب عن كثب تطورات وضع سقف الدين العام الأميركي، وإذا لم تدفع الولايات المتحدة ديوناً تُستحق في 1 أو 2 يونيو، فسيتم اعتبارها متخلّفة عن السداد، وستصبح الديون اللاحقة التي تستحق في غضون 30 يوماً “بالغة المخاطر” ما يعني أن درجة هذه الديون ستصبح “CCC”.
▪ وضعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف ائتمان الولايات المتحدة (AAA) تحت المراقبة “من أجل خفض محتمل”، إذا فشل المشرعون في رفع سقف الدين.
▪ أكدت الوكالة، في بيان لها، أنها “تتوقع” قراراً صائباً من جانب الولايات المتّحدة في الوقت المناسب.
▪ وقالت إن تصنيف البلاد قد يُخفض إذا لم ترفع الولايات المتحدة حد الدين أو تعلقه في الوقت المناسب.
▪ الوكالة حذرت من أن “الفشل في التوصل إلى اتفاق (…) سيكون علامة سلبية على صعيد الحوكمة بشكل عام ورغبة الولايات المتحدة بالوفاء بالتزاماتها في آجالها المحددة”.
وسقف الدين هو المبلغ الذي يمكن أن تقترضه وزارة الخزانة مع نفاد أموالها؛ من أجل الوفاء بالتزاماتها المختلفة، على اعتبار أن نفقات الحكومة أعلى مما تحصل عليها.
يصل حالياً حد الدين إلى 31 تريليون دولار. وفيما تُعد مفاوضات رفع سقف الدين ممارسة تشريعية روتينة خلال السنوات الأخيرة تحظى بمزيد من الشد والجذب في بعض الأحيان، وبما لذلك من انعكاسات على الأسواق، فإن وزارة الخزانة الأميركية تتوقع نمو الدين الأميركي بمعدل 1.3 تريليون دولار سنوياً خلال العقد المقبل.
ومع تضاعف ديون الولايات المتحدة بنحو ستة أضعاف ما كانت عليه بداية القرن الـ 21، فإن المسؤولية تقع مشتركة على الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بعد أن دأب كل منهما على الاقتراض لتمويل عديد من الأنشطة، بدءاً من التدابير المجتمعية والتخفيضات الضريبية ووصولاً إلى تمويل الحروب.
ماذا يعني خفض التصنيف الائتماني؟
من جانبه، يقول المحاضر بمدرسة كويستروم للأعمال التابعة لجامعة بوسطن، مارك وليامز، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه “ليس من الجيد أبداً أن تقوم وكالات التصنيف الائتماني بتخفيض ديون البلدان أو الشركات عموماً”.
ويضيف: “تشير هذه التخفيضات إلى أن احتمالية التخلف عن السداد، وأن مدى القدرة على سداد الديون قد انخفض.. ومع زيادة مخاطر التخلف عن السداد تستجيب الأسواق بفرض مزيد من الرسوم على الاقتراض”.
وفيما يخص الولايات المتحدة الأميركية، أفاد الأكاديمي المختص في إدارة المخاطر والذي يتمتع بخبرة ثلاثة عقود، بأن إعلان وكالة فيتش الأخير في سياق التحذير من خفض التصنيف الائتماني “أمر مقلق؛ لأن السياسيين من خلال عدم توصلهم إلى اتفاق بشأن سقف الدين، يضعفون الوضع المالي العالمي للولايات المتحدة، ويزيدون من تكلفة الاقتراض”.
ويشير إلى أنه في أغسطس 2011 خفضت وكالة ستاندرد آند بورز ديون الولايات المتحدة، حيث كانت الحكومة تعاني من الكثير من عدم اليقين المالي، ويضيف:
▪ استجابة للمخاطر المتزايدة حول الجدارة الائتمانية وعائدات السندات الأميركية، زادت تكلفة جمع الأموال.
▪ في كل عام تعوض حكومة الولايات المتحدة تريليونات العجز بين الإيرادات والمصروفات عن طريق إصدار سندات جديدة.
▪ نظراً لاعتماد حكومة الولايات المتحدة على سوق السندات، فإن تكلفة الاقتراض المتزايدة هذه ستؤثر سلباً على الاقتصاد ودافعي الضرائب.
في العام 2011 خلال مفاوضات مطولة حول سقف الديون، خفضت وكالة ستاندرد اند بورز التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، لكن وكالة فيتش لم تفعل ذلك حينها.
تبعات “ثقيلة” على واشنطن
يثير محللون تقديرات “متشائمة” لجهة تأثير أي خفض مُحتمل للتصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأميركية على استقرار اقتصادها وبما يؤثر بالتبعية على الاقتصاد العالمي. وطبقاً للاستاذ بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، جوناثان أرونسون، فإن تبعات ذلك سوف تثقل واشنطن ربما لعقود قادمة، لجهة زعزعة الثقة في قدرتها على الوفاء بتعهداتها فيما يخص سداد الديون.
ويشير أرونسون في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أنه “إذا تخلفت الولايات المتحدة عن الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالديون ولو لبضعة أيام-في ظل الأزمة الراهنة التي لم يتم التوصل لحل بشأنها بعد في ضوء التجاذبات السياسية القائمة بين الحزبين- فإن وعد أميركا بسداد ما تدين به سيكون موضع شك لعقود قادمة (بالنظر كذلك إلى العامل النفسي المرتبط بعدم الثقة أو عدم اليقين)”.
ويعتقد الأستاذ بجامعة كاليفورنيا المتخصص في الاقتصاد السياسي الدولي، بأنه تبعاً لذلك فإنه “لا يمكن استعادة الثقة بمجرد تحطيمها”، وبما يعني أن واشنطن قد تدفع فاتورة ذلك التخبط لسنوات.
خفض الإنفاق الحكومي
المستشار السابق بالخارجية الأميركية، حازم الغبرا، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
▪ حتى الآن تتحدث فيتش عن “مراقبة” التصنيف الائتماني وليس “خفض التصنيف”.
▪ رأينا في فترة سابقة خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، وارتباط ذلك مباشرة بعدم قدرة السياسييين في واشنطن على رفع سقف الدين العام.
▪ اليوم هناك نقاش محموم بين الجمهوريين والديمقراطيين للوصول إلى حل ما لهذه الأزمة. لكن هناك أيضاً مشكلة “المدى الطويل” وهي أن دخل الحكومة الأميركية أقل من نفقاتها، وهناك عجز يتراوح ما بين 6.5 إلى 7 بالمئة العام الحالي والمقبل.
▪ يحاول الجمهوريون خفض “الصرف الجنوني” لهذه الحكومة.
ويلفت النظر إلى أنه “منذ عهد بل كلينتون (الذي شهد فائضاً بالميزانية) كلما حاولنا معالجة سقف الدين والإنفاق الحكومي تأتي مشكلة تعيق ذلك، وتتسبب في هذا العجز.. تحت إدارة جورج بوش الإبن كانت هناك أحداث 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب والتكاليف الباهظة لهذه الحرب، وفي فترة ولاية أوباما كانت الحكومة الديمقراطية بشكل عام تؤيد الإنفاق الحكومي حتى لو كان هناك حاجة للاستدانة، ثم أتى ترامب لكن جاءت أزمة كورونا واضطرت الحكومة لإنفاق تريليونات الدولارات لمعالجة الأزمة من جهة، ودفع أموال مباشرة للشعب الأميركي لمساعدته في تخطي الأزمة”.
ويضيف: “الآن بعد أزمة كورونا ومع انخفاض مستوى العمل العسكري الأميركي الدولي (..) هناك توقعات من الشارع الأميركي خصوصاً من الطرف الجمهوري أن يكون هناك تحكم بالبذخ الجنوني لهذه الحكومة الذي رأيناه لفترة طويلة الآن”.
ويُحيل الغبرا إلى ما حدث في العام 2011 مع تعثر الوصول إلى اتفاق بشأن رفع سقف الدين العام لأيام، وبما كانت له آثار واسعة المدى، مشيراً إلى أن “وضع فيتش الولايات المتحدة تحت المراقبة السلبية يعني أن هناك وضعاً آنياً يتم ترقبه.. ولا نعتقد بأن ذلك الوضع سوف يستمر.. المغزى من ذلك أن هناك ضرورة إلى أن تخفض الحكومة من إنفاقها وتتحكم بشكل أفضل بوضع الدين العام بعد أن خرجت الأمور عن السيطرة”.
وتبعاً لذلك، فإن هناك سيناريوهين رئيسيين؛ الأول هو الوصول إلى اتفاق، والثاني أن يستخدم بايدن صلاحياته كرئيس لفرض رفع سقف الدين. ويعتقد الغبرا بأن “بايدن الذي ينتظره استحقاق انتخابي قادم لا يريد أن يبدو ضعيفاً أمام الجمهوريين من خلال اتفاق قد يعتبر استسلاماً أو ضعفاً.. كما أنه في الوقت نفسه ليس من السهل فرض القرار باستخدام صلاحية على أساس أن ذلك خيار سلبي من الناحية السياسية يبدو فيه غير قادر على الوصول إلى حلول منطقية تشمل الطرفين، وسوف يذكره التاريخ بذلك ويُحمّله المسؤولية (..)”.
ويختتم الغبراء حديثه بالإشارة إلى أن السيناريو الإيجابي يتمثل التوصل لاتفاق بالتالي يُعاد تصنيف الولايات المتحدة في الوضع الحيادي، بينما السيناريو السلبي لا أحد يعلم إلى أين نصل؟!
استدعاء سيناريو العام 2011
وفي هذا السياق، يمكن من خلال استدعاء سيناريو العام 2011 معرفة بعض من تبعات “السيناريو السلبي”، فعلى رغم إقرار الكونغرس في اللحظات الأخيرة في أغسطس 2011 اتفاقاً ينص على رفع سقف الدين العام بمبلغ 2.1 تريليون دولار، مما يسمح للخزانة الأميركية بتلبية مدفوعاتها حتى 2013 وتخفيض الإنفاق بمقدار 2.4 تريليونات دولار على مرحلتين على مدى عشر سنوات، إلا أنه تم خفض تصنيف الولايات المتحدة.
▪ لم يسهم ذلك الاتفاق في تجنب خفض التصنيف السيادي للولايات المتحدة، وخفضت “ستاندرد آند بوز” التصنيف إلى الدرجة AA+، للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، في ظل مخاوف بشأن العجز المتفاقم في الميزانية الحكومية وارتفاع أعباء الدين.
▪ تشير تقديرات بنك “غولدمان ساكس” إلى تراجع مؤشر “ستاندرد آند بوزر 500” بحوالي 15 بالمئة خلال أزمة سقف الدين في العام 2011.
▪ كما ارتفعت تكلفة التأمين ضد مخاطر التخلف عن السداد لتصل إلى 80 نقطة أساس على سندات الخزانة لمدة عام واحد و65 نقطة أساس على سندات الخزانة لمدة خمس سنوات (في حين أنها في الأوقات العادية تكون أقل من 5 نقاط أساس و30 نقطة أساس لكليهما على التوالي).
تعكس تلك التبعات والتجربة التي عاشتها الولايات المتحدة نفسها في 2011 مدى خطورة خفض التصنيف الائتماني، والتبعات المرتقبة جراء ذلك على الاقتصاد الأميركي، والاقتصادات الفاعلة في العالم بأسره، لا سيما في ضوء تأثر سندات الخزانة التي تستثمر فيها عديد من البلدان والبنوك المركزية حول العالم.
أسواق الأسهم.. والبنوك العالمية
وبينما يرى المستشار السابق بالخارجية الأميركية، أن “السيناريو السلبي لا أحد يعلم إلى أين سنصل من خلاله، لا سيما في ضوء الضغوطات التي تواجهها الحكومة ويواجهها الدولار الأميركي، ومن غير الواضح رد فعل الأسواق والمستثمرين إذا وصلنا لنهاية الشهر بدون التوصل لاتفاق”، يقول المفكر الاقتصادي، أستاذ الاقتصاد بجامعة ويسترن، مايكل باركين، في تصريح خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه “إذا حدث التخلف عن السداد، فإن أسعار الأسهم والسندات ستنهار”.
ويشير في الوقت نفسه إلى امتدادات تبعات ذلك المشهد على الاقتصاد العالمي بشكل عام، وذلك لجهة تقديراته بأن “البنوك سوف تتكبد خسائر في جميع أنحاء العالم تبعاً لذلك”، وذلك بالنظر إلى حجم الاستثمارات في سندات الخزانة الأميركية.
انعكاس آخر للقلق
من جانبه، يشير الأستاذ الفخري بجامعة ولاية فلوريدا، ميلتون ماركيز، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن وضع فيتش التصنيف الائتماني للولايات المتحدة قيد المراقبة السلبية “يشكل انعكاساً آخر للقلق الذي يساور الأسواق بشأن قدرة السياسيين على التوصل إلى اتفاق يمنع الحكومة الأميركية من التخلف عن سداد ديونها”.
ويضيف: “من الواضح أن وكالة فيتش قد زادت من احتمالية حدوث تخلف عن سداد الديون.. كما ارتفعت أسعار الفائدة ، خاصة على سندات الخزانة الأميركية التي تستحق في أوائل يونيو”.
ويعتقد في السياق نفسه بأنه من المؤكد أنه سيتم التوصل إلى نوع من الاتفاق في نهاية المطاف، ولكن ربما ليس في الوقت المناسب لمنع التخلف عن السداد.
بينما السؤال الحقيقي -بحسب ماركيز- هو ما الذي يمكن أن يعنيه التخلف عن السداد لأول مرة بالنسبة لتكاليف الاقتراض المستقبلية للحكومة الأميركية؟ على وجه الخصوص، مع عدم وجود سياسة معمول بها بعد لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للدولة بشكل كبير؟
وكانت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، قد تحدثت عن التبعات المحتملة لتلك الأزمة على الاقتصاد الدولي، محذرة من “حدث خطير” يتعلق بإمكانية عجز الولايات المتحدة عن السداد. وأشارت إلى أنها تأمل ألا يضطر الاقتصاد العالمي إلى الانتظار حتى اللحظات الأخيرة حتى يجري التوصل إلى حل لأزمة سقف الدين.