هل فات الأوان لأن تتفوق بريطانيا على الولايات المتحدة في حرب التجارة العالمية؟
- فيصل إسلام
- محرر الشؤون الاقتصادية
في حقول الذرة في ويست كنتاكي، منطقة كانت في السابق موقعا صناعيا، بدأت الحياة تدب في هذه البقعة بعد إهمال لوقت طويل.
واختارت الشركة المصنعة الأمريكية “أساند إيليمنتس” هذا الموقع لبناء مصنع بطاريات للسيارات الكهربائية، مصنوعة من بطاريات أخرى أعيد تدويرها – وهي صناعة كان مقرها الصين بشكل كامل تقريبا.
واستقدمت هذه الصناعة إلى هنا بدفع من الحوافز الأمريكية. فالدولة تنفق المليارات على المساعدات الجديدة من خلال القروض والإعفاءات الضريبية التي تطال الطاقة الخضراء والسيارات.
وغطت الحكومة الأمريكية نصف تكاليف بناء مصنع “أساند” الأولية والبالغة مليار دولار، وذلك بموجب المخطط الجديد المعروف باسم قانون خفض التضخم.
وتأتي الخطوة ضمن تحولات جذرية في العالم قد تؤدي إلى حرب تجارة عالمية بين الحلفاء الغربيين إذ أن الاتحاد الأوروبي يتعامل مع الخطوات الأمريكية بالمثل.
الأمر يتعلق بأولئك الذين يرفضون في الغرب الانصياع، لما كان يعتقد بأنه الصعود الحتمي للصين لتصبح أكبر اقتصاد في العالم.
في بريطانيا، هناك خيارات يجب اتخاذها. قد يكون فات على حكومة منشغلة بالخروج من الاتحاد الأوروبي والاضطرابات السياسية الداخلية، أن يكون لها نصيب في مجال الصناعات المستقبلية في دول التكتلات التجارية العملاقة الخارجة من الجائحة.
الافتراض الذي سيطر على السياسات البريطانية لنصف قرن تقريبا، بأن الحكومات “لا تختار الفائزين” في الصناعة، يختبر بشدة من خلال واقع أن معظم حلفاء مجموعة الدول السبع يفعلون ذلك فحسب، بسبب الضغط لخفض انبعاثات الكربون، ومخاوف بشأن سلسلة التوريد بعد الوباء، ورغبة في الانفصال عن الصين.
“الوقوف على الهامش”
رئيس شركة يونيبارت الصناعية الكبرى في بريطانيا، جون نيل يقول إن مجموعة الحوافز التي تقدمها الولايات المتحدة والخطط الحكومية والإقليمية المماثلة يمكن أن تصل إلى 10 تريليونات دولار – خمسة أضعاف حجم الاقتصاد البريطاني بأكمله.
“المخاطرة هي أننا نقف على الهامش بينما تتنافس هذه التكتلات الكبيرة…تدخل في اللعبة. لست متأكدا إن كان أحدهم (في السياسات البريطانية) قد عاير مقياس التغيير التي سيحدثه قانون خفض التضخم وقوانين أخرى مثل قانون تصنيع الرقائق الإلكترونية على الأراضي الأمريكية.
وكُتبت مسودة خطة الولايات المتحدة أثناء فترة الجائحة. على هامش اجتماع وزراء مالية صندوق النقد الدولي في قمة مجموعة السبع أواخر عام 2021، اخترعت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين كلمة جديدة تماما: “دعم الصديق”.
الفرنسيون كانوا منزعجين عندما توسع الرئيس جو بايدن في الحديث عن الخطة.
وفي دلالة واضحة، تحدث وزير المالية الفرنسي برونو لومير حينها عن تقليل الاعتماد ليس فقط على الصين، بل على حلفاء شرق آسيا أيضا.
في العام الذي سبقه، صدم لومير سراً عندما علم من مسؤوليه أن سلسلة توريد بطاريات السيارات الكهربائية الأوروبية كانت تعتمد بنسبة 85 في المئة على الصين. وبالنسبة لألواح الطاقة الشمسية كان الاعتماد بنسبة 95 في المئة.
في الواقع أنه خلال ذلك الأسبوع، وعد بايدن بألا يعتمد من جديد “إطلاقا” على دولة أخرى في الصناعات الحيوية.
هل ستقود الولايات المتحدة العالم؟
في إطار الترويج لخطوته، قال بايدن لعمال صناعة السيارات أمام حشد في كانون الثاني /يناير: “ترون أنني أتعرض لانتقادات على المستوى الدولي لتركيزي كثيرا على أمريكا. لتذهب (الانتقادات) إلى الجحيم. أين كتب أن أمريكا لا تستطيع قيادة العالم في التصنيع مرة أخرى؟”.
ويقول المطلعون إنه على الرغم من أن التركيز ينصب على الصناعات الخضراء، إلا أن الاستراتيجية تدور حول دعم الوظائف ذات الدخل المتوسط والأجور في المناطق المتخلفة – وهي المناطق التي تقرر فيها الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وقد فاز الرئيس السابق دونالد ترامب في ولاية كنتاكي بفارق ضئيل عام 2016، ووعد بتحرير الصناعة والتخلي عن جهود مكافحة تغير المناخ والسماح بإعادة فتح المناجم. لكن ذلك لم يحدث.
ويدرك رئيس نقابة عمال المناجم ستيف إيرل الطبيعة، المستهدفة لحملة الاستثمار في البيت الأبيض، حيث توجه الصناعات الجديدة للإقامة بالقرب من مكان إغلاق مناجم الفحم، وصولاً إلى دفع أجور نقابات عمال المناجم السابقين.
قال إيرل لبي بي سي: “نرحب بالتمويل، نرحب بالوظائف، لكني أريد أن يأتي الرئيس بايدن من واشنطن إلى هنا، ليرى مباشر كيف عانى هؤلاء الأشخاص لسنوات عدة”.
وبينما يبدو أن إيرل وزملاءه عمال المناجم من أنصار ترامب، هم يبدون شكوكهم من هذا العالم الجديد من التكنولوجيا الخضراء والسيارات الكهربائية.
لا يزال “القلق الجماعي” في ولايات مفتوحة على مصراعيها وفارغة مثل ولاية كنتاكي كامناً، لا سيما بالنسبة للمزارعين.
فقد صمم قانون خفض التضخم ليواكب الانتقال إلى الطاقة النظيفة وتوجيه فوائد هذه التغيرات إلى مناطق تركت منسية.
وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين أطلقت على ذلك وصف “اقتصاديات حديثة مدعمة” وتعتمد في الأساس على عكس ما يفعله الرئيس بايدن الآن. فهي تركز على فوائد التجارة الحرة والأسواق الحرة والضرائب المنخفضة وإلغاء الضوابط.
وتقول يلين إن هذه السياسات قادت “سباقاً نحو القاع”.
وبدلا عن ذلك، قالت في خطاب ألقته العام الماضي: ” “في الأساس، نحن لا نركز فقط على تحقيق نمو مرتفع- بل نهدف بدلاً من ذلك إلى تحقيق نمو شامل وبيئي”.
تغيير الاستراتيجية
المطلعون على الشأن الداخلي في واشنطن يقولون إن هناك تغييرا مهما في الاستراتيجية بشأن السياسة البيئية. إذ كانت سياسة المناخ تركز منذ فترة طويلة على التنظيم، مثل وضع حد للانبعاثات، وهي تركز على نطاق واسع الآن على الحوافز. الأمر الذي أدى إلى جلب الأعمال.
وعن الانتقادات حول العالم بأن ذلك يحول الاستثمار من أوروبا وآسيا إلى الولايات المتحدة، قال نائب وزير الخزينة والي أدايمو إن الولايات المتحدة تريد أن تحذو دول العالم حذوها، وتشيد بإعلان كندا عن حوافز غير عادية مماثلة لصانعي السيارات الكهربائية.
ويقر بوجود فقرات “صنع في أمريكا”، لكنه يقول إنها تمثل “عنصرا صغيرا” في حزمة الدعم.
ويشير مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي فالديس دومبروفسكيس إلى أن دول الاتحاد الأوروبي لم تكن لتحلم باستثناء شركة “تسلا” المصنعة الأمريكية من إعفاءات السيارات الكهربائية.
ويقول إن “لدى العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خططا أيضا لدعم السيارات الكهربائية، لكنها غير تمييزية. ما تفعله الولايات المتحدة … التمييز ضد المنتجين الآخرين، وعدم فاعليتها في التحول نحو بيئة خضراء، لأن أفضل التقنيات لن تكون متاحة دائما “.
أخبرني زعيم أوروبي في إحدى المرات أن الولايات المتحدة قالت إن استهداف الصناعة الأوروبية كانت “حادثة كبيرة” ولم تكن “العدوانية” مقصودة.
المطلعون في الولايات المتحدة قالوا إن قانون خفض التضخم أنشأه فريق بايدن البيئي بدلا من فريقه التجاري، الذي افترض للتو أن هناك بالفعل صفقة تجارية ذات صلة مع الاتحاد الأوروبي. ولكن لم تكن هناك صفقة.
وتهدف السياسة إلى ضمان منح المنتجين في الاتحاد الأوروبي نفس البدلات التي ينالها الحلفاء الآخرون مثل كندا. ومع ذلك، إذا كانت هناك حروب دعم، فستكون دول الاتحاد الأوروبي الكبيرة قادرة على المنافسة، وتجنب الدول الأصغر، مما يضع ضغوطا كبيرة على السوق الأوروبية الموحدة.
إذا أين تقف بريطانيا من كل هذا؟ وهي ليست منخرطة رسميا في المحادثات الأمريكية – الأوروبية.
وزير التجارة والأعمال كيمي بادنوش “قارن الملاحظات” مع دومبروفسكيس. قد تكون هناك اتفاقية بشأن المعادن لمساعدة مصدري السيارات في بريطانيا على الاستفادة من حوافز السيارات الأمريكية.
الخط الرسمي الذي أوضحه كل من المستشار ووزير الطاقة، هو أن الولايات المتحدة تلعب دورا في اللحاق بأوروبا وبريطانيا بشأن تغير المناخ، وأن بريطانيا تستخدم ضعف نسبة مصادر الطاقة المتجددة مثل الولايات المتحدة.
لكن يبدو أن اللهجة التي تستخدمها الحكومة تتطور. في الشهر الماضي، وصف وزراء الحكومة الخطط الأمريكية بأنها “حمائية” و “خطيرة” ، وأصروا على أن بريطانيا لن تجاري الولايات المتحدة.
لكن الشركات الصناعية كانت توضح علناً عواقب الوقوف في الصفوف الجانبية ، وأكثر من ذلك في السر. وهناك حديث حاليا عن التركيز على القطاعات المستهدفة، وعادت كذلك عبارة “الاستراتيجية الصناعية” بعد عامين على نفيها من قبل من قبل وزير الطاقة كوازي كوارتنغ.
الحكومة تفرض على نفسها القاعدة المالية التي تهدف إلى تخفيض الدين القومي، وتحد من مجال المناورة والقدرة الشرائية.
وتبنى حزب العمال لغة “قانون خفض التضخم” البريطاني، ولكنه لم يلتزم حتى الآن بأموال جديدة طائلة لمثل هذه الخطط.
هل تريد وزيرة خزانة حكومة الظل راشيل ريفز الإعلان عن تخفيف القيود المالية، التي تجازف بقبول ارتفاع الدين القومي؟. في الولايات المتحدة، يواجه الرئيس بايدن ضغوطا لقطع الطريق على الجمهوريين في الكونغرس، الذين يهددون بتشريع الحد من الديون.
كانت استراتيجية بريطانيا الاقتصادية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، تركز على مجالات القوة التي قد تستفيد من تنظيم أسرع، وأكثر فعالية وأخف وطأة خارج الاتحاد الأوروبي – أي علوم الحياة والمدينة والذكاء الاصطناعي.
لكن جون نيل وآخرين يخشون أن تحشر بريطانيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي في هذا العالم الجديد، لا سيما في الصناعات التي وعدت بأن تتلقى دعما.
وتشارك الولايات المتحدة في تدخل اقتصادي كبير غير نمطي، مصمم لتغيير خريطة الإنتاج العالمي ومعالجة المناطق التي تُركت خلفها ولخوض تحدي “صفر انبعاثات”، فضلاً عن تقليل الاعتماد على الصين. هذا التدخل موجود ليبقى وستستجيب الكتل الأخرى، خاصة الاتحاد الأوروبي، الذي يتلقى بالفعل بعض المعونات.
لذا، السؤال هو هل ينبغي أن تحذو بريطانيا حذوها؟ وهل تتحمل ذلك؟ هناك مخاوف لدى الأوساط الصناعية بأن الانشغال في مناطق أخرى قد يعني أن الأوان قد فات.