أخبار العالم

ورقة سياسات تنبه إلى مخاطر “الإجهاد المائي” على الأمن الغذائي في المغرب



“المغرب، على مدى أكثر من ستة عقود، سار إلى تحقيقَ الاكتفاء الذاتي في السلع الغذائية الاستراتيجية”، كانت تلك خلاصة ورقة سياسات حديثة الإصدار، التي أكدت في أبرز استنتاجاتها أن “الحكومات المتعاقبة نجحت في ضمان توافر هذه السلع وإمكانية الحصول عليها من قبل الفقراء والضعفاء، لتُحافظ، بذلك، على الاستقرار الاجتماعي من خلال الوفاء بعقد اجتماعي أساسي مع الشعب”.

الورقة التي ألّفتها الباحثة والأستاذة في قضايا التنمية ومُحلِّلة السياسات، إيزابيل تساكوك (Isabelle Tsakok)، ونشرها مركز السياسات للجنوب الجديد (PCNS) باللغة الإنجليزية مطلع شهر ماي الجاري، وصفت ما تم بـ”الإنجاز الكبير في منطقة كان الاضطراب الاجتماعي فيها يمثل خطراً دائما”، قبل أن تستدرك قائلة: “لكن التكاليف المالية والاقتصادية والبيئية عند انتهاج مقاربة “الاكتفاء الذاتي الغذائي” تبقى هائلة”.

وبحسب الورقة المعنونة بـ”نقص المياه والضغط المتزايد لتحقيق الأمن الغذائي.. الاعتبارات السياساتية الرئيسية- حالة المملكة المغربية”، فإن المغرب يتعرض، الآن، إلى “ضغوط متزايدة لإعادة النظر في هذه التكاليف في ظل التهديد الوجودي لتغير المناخ”.

“ما هي الطريقة الأكثر استدامة وفعالية من حيث التكلفة لضمان الاستقرار الاجتماعي في الأوقات العجاف، وتحقيق الأمن الغذائي للجميع في معظم الأوقات؟”، تتساءل ورقة السياسات قبل أن تحاول الإجابة: “في عالم ما بعد الجائحة، المعرض للأزمات، وتغير المناخ، يقف المغرب على مفترق طرق من حيث نهجه تجاه الأمن الغذائي ودور الزراعة والسياسة الغذائية داخله”.

من الندرة إلى الأزمة

قالت تساكوك في ورقتها إن “ندرة المياه، بالطبع، ليست مشكلة جديدة بالنسبة لبلد شبه قاحل هو المغرب، لكن تغيُّر المناخ يهدد بتحويل ندرة المياه إلى أزمة مياه”.

وأكدت الباحثة عينها، التي تشغل منصب “زميلة أولى بمركز تحليل السياسات من أجل جنوب جديد”، أنه “على الرغم من أن الحكومات التي تعاقبت بالمغرب استثمرت بكثافة في السدود والهياكل الأساسية للريّ وتكنولوجيات الري الدقيق (أو السقي بالتنقيط)، ونجحت في بناء قطاع كبير للزراعة المعتمدة على السقي؛ لا تزال لحالات الجفاف المتكررة آثار سلبية كبيرة على نمو الناتج المحلي الإجمالي وسبل عيش الأغلبية من “مُلَّاك أو مُستغلي الأراضي الصغيرة”، فضلا عن معظم الفقراء والضعفاء في المناطق القروية”.

“على الرغم من الإنجازات الكبيرة والمعتبرة التي حققها مخطط “المغرب الأخضر” مع الزراعة المَسقية، لا تزال الفلاحة المغربية مزدوجة”، تسجل الورقة البحثية سالفة الذكر، منبهة إلى أن “الزراعة البورية” لا تزال تَشغَل الحيز الأعظم من المساحة المزروعة (بنسبة 80 في المائة)، كما أنها تُوظف معظم القوى العاملة الفلاحية، وتعتمد عليها غالبية صغار المزارعين والفلاحين، الذين لا يزال معظمهم يشاركون في الزراعة منخفضة الإنتاجية.

إدارة الطلب على الماء

استنتجت الورقة أنه “مع التهديد بزيادة ندرة المياه وتقلباتها في ظل تغير المناخ، فإن الاعتماد المستمر على بناء المزيد من السدود وتعزيز استخدام المياه بشكل أكثر كفاءة، عبر توسيع الري بالتنقيط، ليس كافياً لمواجهة هذا التحدي الوجودي بنجاح”.

واستحضر المستند توصية من لجنة النموذج التنموي الجديد ليقول إن ” الحاجة ملحة لنظام تسعير يعكس القيمة الحقيقية للمَورد المائي ويشجع على ترشيد استخدامه وإدارة ندرته”.

“يجب أن تتغير الحوافز والسلوكيات”، توصي الباحثة في ورقة سياساتها، قبل أن تختم بضرورة “تنفيذ التركيز المتجدد على إدارة الطلب في إطار شامل لتحويل الزراعة المزدوَجة في المغرب إلى قطاع شامل؛ حيث يتمتع صغار المُلّاك والفلاحين في الزراعة البورية بالمرونة المناخية والإنتاجية المربحة والأمن الغذائي. وبالنظر إلى تعهدات مساهمة المغرب المحددة وطنياً لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، يجب وضع هذا التحول على أساس مرن ومنخفض الكربون”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى