“قضية البرلماني مبدع” تحرك المياه الراكدة .. حالة معزولة أم مرحلة للمحاسبة؟

حركت قضية البرلماني الحركي الوزير الأسبق محمد مبدع الكثير من المياه الراكدة في الساحة السياسية المغربية، وأطلقت العنان للنقاش العمومي لطرح كثير من القراءات والتحليلات حول خلفيات المتابعة ودوافعها وتوقيتها، مما فتح الباب على مصراعيه أمام تكهنات تتحدث عن بوادر حملة “محتملة” لجر العديد من الأسماء السياسية المشتبه في تورطها في قضايا فساد إلى القضاء، تفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ومنذ انتشاره، تعيش وسائل التواصل الاجتماعي بالمغرب حالة تفاعل كبير مع خبر اعتقال الوزير الأسبق؛ فقد استبشر به خيرا كثير من النشطاء وأشادوا به، مطالبين في تدوينات مختلفة بأن تشمل المتابعة جميع الوجوه والأسماء التي تحوم حولها الشكوك بخصوص التورط في قضايا فساد واختلاس المال العام.
البهجة التي عمت معظم المغاربة يرجع سببها إلى رمزية القضية وقوتها المرتبطة بطبيعة الشخص المتابع ووزنه السياسي والاقتصادي، والحاجة إلى مشاهدة عمليات ملموسة تنزل عمليا شعار ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي ظل كثير من السياسيين والمسؤولين يرددونه على مسامع المغاربة.
رسالة ردع
إسماعيل حمودي، محلل سياسي أستاذ القانون العام بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، يرى أن الاعتقال الذي يواجهه البرلماني والوزير الأسبق، هو رسالة إلى مبدع نفسه وإلى أمثاله.
وقال حمودي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “متابعة مبدع تشكل رسالة واضحة إليه وأمثاله ممن ألفوا النعمة في كنف السلطة، ثم زينت لهم أنفسهم إمكانية تجاوزها والخروج عن الخطوط المرسومة سلفا التي يعرفونها حق المعرفة”.
واعتبر المحلل السياسي ذاته أن الاعتقال يشكل “لقطة معزولة، لن تتعدى مبدع إلى غيره من المفسدين”، مؤكدا أن المعطيات الحالية “لا تسعفنا في أن ندرج القضية ضمن حملة للسلطة على المفسدين، بل رسالة إلى مبدع”.
وذهب حمودي في قراءته للواقعة التي مازالت تثير لغطا كبيرا إلى أن الاعتقال “ردع لمبدع، لأنه تجاوز حدودا معينة تتعلق أساسا بترشحه لرئاسة لجنة العدل التشريع”، وذلك في إشارة إلى أن الذي جرى ما كان ليتم لولا هذه القضية.
وتابع أستاذ القانون العام بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس بأن “الراجح عندي هو أن اعتقال مبدع لن يتعداه إلى غيره من المفسدين، وما أكثرهم، بالمؤسسات المنتخبة القائمة، وهذا إلى أن يتأكد العكس وما لم تتوال أحداث مماثلة في المستقبل القريب والمتوسط، وما لم تكن ترغب به السلطة”.
امتصاص الغضب!
حمودي قال في رده إنْ كان الاعتقال وسيلة لجأت إليها السلطة لامتصاص غضب المجتمع المتزايد من الغلاء وارتفاع الأسعار، إن “اعتقال مبدع لن ينفس الأزمة القائمة، ولن يكون له أي أثر على الأزمة أو تأثير على المجتمع، بل الغرض منه ردع مبدع”.
وأضاف: “إذا كانت السلطة جادة في شن حملة ضد المفسدين ولها نية لاعتقال كل المفسدين، أعتقد أن هذه الحملة ستحدث فراغا في كثير من المؤسسات القائمة”، في إشارة منه إلى أن الفساد ينخر كثيرا من المؤسسات.
من جهته، عبر المحلل السياسي محمد شقير عن رأي مشابه لما ذهب إليه حمودي، إذ قال: “ربما كانت قضية مبدع قد أثيرت قبل هذه الفترة، واعتقال مجموعة من المتعاونين في المرحلة الأخيرة كان يستدعي التحقيق معه”، موردا أن المناورة التي كان يقوم بها مبدع، بتقديم شهادات طبية متكررة، “ربما كانت مسؤولة عن تأخير هذا التحقيق”.
وأفاد شقير، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن الانتقادات التي طالت مسألة انتخاب مبدع على رأس لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، “أعادت الملف إلى دائرة الضوء واستؤنفت التحقيقات”.
الاعتقال لن يتجاوز مبدع
شقير استبعد أن تكون قضية مبدع مقدمة لملفات أخرى سيفتحها القضاء ضد الريع والفساد، موردا أن “هذه قضية لا يمكن منحها أكثر من حجمها. صحيح أن مبدع لاعب مرتبط بالسلطة والنفوذ، لكن القضية لن تتجاوزه؛ لأن الفساد منظومة قائمة على الريع واستغلال النفوذ ولن يطالها شيء”.
واستشهد شقير بكون كل الإجراءات التي اعتمدتها الدولة في محاولة احتواء الفساد “لم تر النور بالشكل المطلوب ولم تحقق النتائج المرجوة، وبالتالي مسألة مبدع ستبقى معزولة، وإلى حد الآن لا توجد إرادة سياسية مرتبطة بمجال محاربة الفساد والريع”.
ومع كل ذلك، اعتبر شقير أن متابعة مبدع مسألة “صحية بالنسبة للمجتمع وإشارة سياسية تفيد بأن مكونات النخبة السياسية ليست بالضرورة منزهة عن المساءلة”، مشددا على أن الحاجة ماسة داخل المجتمع ليعرف أن كل “مكوناته سواء أمام القانون وهناك استشراء للفساد، لكن في المقابل تتم محاكمة ومساءلة نخب سياسية فاسدة وإحالتها على القضاء، رغم أنها تبقى فقط حالة شخصية”.