أخبار العالم

اقتناء المغرب منظومة “هيمارس” .. توجسات إقليمية وأبعاد جيوستراتيجية



بموافقة الإدارة الأمريكية على بيع المغرب لأنظمة صواريخ المدفعية عالية الحركة “هيمارس”، سيكون هذا الأخير أول دولة في القارة الإفريقية وثالث دولة عربية تحصل على هذه الصواريخ التي لا تمنحها الولايات المتحدة الأمريكية إلا وفق شروط خاصة. مما يستدعي التساؤل عن الملابسات الجيوستراتيجية التي واكبت إبرام مثل هذه الصفقة بين المملكة والولايات المتحدة وما حركته من توجسات عسكرية لبعض دول الجوار الإقليمي للمغرب.

توجسات إقليمية

حظيت موافقة الإدارة الأمريكية على تزويد القوات المسلحة الملكية بأنظمة الصواريخ المدفعية عالية الحركة والمعدات ذات الصلة باهتمام خاص، من طرف صناع القرار العسكري بدول المحيط الإقليمي للمغرب وعلى رأسها كل من الجزائر وإسبانيا.

في إطار التوتر السياسي المتزايد بين المغرب والجزائر والذي عكسه أخيرا تصريح الرئيس الجزائري لقناة الجزيرة بوصفه علاقات البلدين بأنها بلغت حد مرحلة اللاعودة، كان من الطبيعي أن تتوجس القيادة الجزائرية من اقتناء المملكة لهذه المنظومة الدفاعية بتوجس كبير انعكس من خلال ما نشرته بعض وسائل الإعلام الجزائرية.

وعلى الرغم من التحامل الذي طبع الإعلام الجزائري إلا أنه وضع هذا الاقتناء المغربي لهذه المنظومة في سياق التسابق نحو التسلح بين البلدين، عندما أشار إلى أن “المغرب كان قد طالب منذ سنوات من البنتاغون بضرورة حصوله على صواريخ “هيمارس” بعدما حصلت الجزائر على صواريخ “إسكندر وكالبير”، ورغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر منها المغرب، والتي دفعته إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ملايير الدولارات، إلا أنّه لم يتخلَ عن مطالبه، بل على العكس تماما، بدل أن يوجه قروضه إلى تخفيف ضغط المعيشة عن الشعب المغربي، عمل على تسريع الصفقة في أعقاب زيارة رئيس الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مايك ميلي إلى الرباط مارس الماضي، ومن المنتظر أن تمر الصفقة على الكونغرس الأمريكي للمصادقة عليها قبل تفعيلها. وكان المغرب قد طالب الجنرال مايك ميلي وقتها، أن تتبنى المؤسسة العسكرية الأمريكية نفس استراتيجية روسيا تجاه الجزائر، أي تمكين المغرب من نسخ متقدمة من السلاح وليس نسخة ثالثة ورابعة، ومن ضمن الأمثلة، توصل المغرب بمقاتلات “أف 16” من النسخة الثالثة التي تتطلب الآن التحديث رغم أنّ اقتنائها يعود إلى عقد فقط من الزمن، وفي مثال آخر، سهلت روسيا للجزائر الحصول على أنظمة “إس 400” المضادة للطيران والصواريخ، بينما واشنطن تماطل في تمكين المغرب من نظام الباتريوت، وإن كان المغرب قد وجد ضالته في منظومة الدفاع الصيني “FD2000B” وتاريخيا، كان المغرب لا يجد تفهما عميقا من طرف الكثير من السياسيين، سواء من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، وكانت المؤسسة العسكرية الأمريكية هي التي تنقذ العلاقات من التراجع”.

ولم يقتصر التوجس من اقتناء المغرب لهذه المنظومة الدفاعية الأمريكية على الجار الشرقي للمملكة، بل شمل أيضا بعض الأطراف العسكرية بإسبانيا. وهكذا أشارت صحيفة “إلكونفيدينسيال” الإسبانية، بأن التسلح المستمر الذي يقوم به المغرب لصالح ترسانته العسكرية، باقتناء أسلحة لا تمتلكها إسبانيا وهي في حاجة إليها، يثير قلق الأوساط العسكرية في مدريد، خاصة أنه يساهم باستمرار في تقليص الفارق أو الفجوة العسكرية التي مازالت إلى حدود الآن لصالح إسبانيا. مضيفة أن توجه المغرب أخيرا لاقتناء أسلحة مدفعية من الولايات المتحدة الأمريكية، كقاذفة الصواريخ “هيمارس” وعتاد عسكري متمثل في صواريخ تكتيكية طويلة المدى وقنابل أثبتت قدراتها في الحرب في أوكرانيا، يؤدي بلا شك إلى تقليص ميزان القوى بين الرباط ومدريد، وهذا مثير للقلق في إسبانيا.

وعلى الرغم من ربط اقتناء المغرب لهذه المنظومة الدفاعية المتطورة بالتوترات المتصاعدة مع الجزائر بسبب قضية الصحراء، إلا أنها لم تخف التوجس الإسباني من طموح المملكة بأن تصبح قوة مهيمنة في شمال إفريقيا والمنطقة، حيث أشارت عدة تقارير إعلامية إسبانية بأن المغرب دخل إلى “نادي الحلفاء المقربين” من الولايات المتحدة الأمريكية بعدما وافقت وزارة الدفاع الأمريكية، على بيع هذا النوع من الأسلحة للمغرب خاصة بعدما أثبتت نجاعتها العسكرية في أوكرانيا ضد القوات الروسية مما اعتبر تغليب لكفة الرباط على حساب مدريد في علاقات الولايات المتحدة بالبلدين التي تنظر إلى المغرب الآن كحليف موثوق فيه أكثر من إسبانيا، بالرغم من أن إسبانيا عضو في حلف “الناتو”. ويبدو أن اقتناء المغرب لهذه المنظومة قد زاد من قلق المؤسسة العسكرية الإسبانية من التحديث المتواصل الذي يقوم به المغرب لترسانته العسكرية، وصفقات التسلح التي يبرمها، خاصة بعد تطبيع الرباط للعلاقات مع تل أبيب، وتوجيه المملكة المغربية أنظارها نحو إسرائيل لعقد اتفاقيات تسلح جديدة لتقوية الأنظمة الدفاعية للمملكة. كما يمكن تفسير أسباب التوجس الإسباني بعاملين إضافيين يتمثل الأول في “اتساع مدى هذه الصواريخ القادرة على إصابة مختلف الأهداف في الجنوب الإسباني، وبعض النقط العسكرية الحساسة في الجارة الشمالية”، والثاني يكمن “في أن موافقة الجانب الأمريكي على بيع هذا النوع من الصواريخ للمغرب من شأنه أن يفتح الباب من أجل بيعه المزيد من الأسلحة المتطورة التي من شأنها تقليص الفوارق بين الجيشين الإسباني والمغربي”.

أبعاد جيوستراتيجية

يبدو أن موافقة الإدارة الأمريكية على طلب الحكومة المغربية باقتناء قاذفة صواريخ M142 عالية الحركة. و40 وحدة من أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش M57 (ATACMS)؛ و36 من أنظمة صاروخ الإطلاق المتعددة الموجهة M31A2 (GMLRS) أحادية؛ و36 M30A2 موجهة، و40 M28A2 منخفضة التكلفة منخفضة المدى حافظة صواريخ LCRRPR؛ وأجهزة راديو ذات قدرة “SINCGARS” مماثلة كان يستجيب بالأساس إلى دوافع استراتيجية أمريكية في المنطقة الشيء الذي رشح من خلال تصريح رئيس الأركان المشتركة الأمريكية خلال زيارته للرباط في مارس 2023 الذي أكد بعد عقد هذه الصفقة العسكرية، بأن (المغرب شريك وحليف كبير للولايات المتحدة وبأنه بلد مستقر للغاية في قارة ومنطقة تحتاج إلى الاستقرار) مشيدا باحتضان لمناورات الأسد الإفريقي في نسختها 19. وبالتالي يلخص هذا التصريح دوافع الولايات المتحدة إلى الإسراع في عقد هذه الصفقة والتي تتمثل في البواعث التالية:

– تحسين الوضع العسكري والسياسي للمغرب كحليف استراتيجي للولايات المتحدة في منطقة شمال إفريقيا، وهكذا أعلنت وكالة التعاون الأمني الدفاعي (DSCA) عن أن الصفقتين العسكريتين اللتين أبرمتا مع المملكة: “الأولى التي تشمل 18 قاذفة “هيمارس”، و36 صاروخ “ATACMS”، و72 أنظمة صاروخ موجهة “GMLRS” في نسختين، بالإضافة إلى أنظمة بيانات المركبات والمدفعية بمبلغ إجمالي قدره 524.2 مليون دولار والثانية التي تشمل 40 صاروخ “JSOW” ومعدات أخرى بمبلغ 250 مليون دولار “ستدعم السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة من خلال المساعدة في تحسين أمن حليف رئيسي من خارج الناتو لا يزال يمثل قوة مهمة للاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في شمال إفريقيا”.

– الاحتواء الأمريكي للوضع العسكري والأمني المعقد في منطقة شمال – إفريقيا، بالنظر إلى العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر حيث تعد قاذفات الصواريخ “هيمارس” أسلحة متقدمة ونوعية يحتاج إليها بالفعل الجيش المغربي لدعم آليات الردع في إطار ارتفاع وتيرة التسلح بمنطقة شمال إفريقيا، بعدما رفعت الجزائر من ميزانية دفاعها لتصل هذه السنة إلى 23 مليار دولار”، وأيضا بالنظر إلى التقاطبات الشديدة مع إيران وروسيا الشريك الثابت والموثوق للجزائر، إذ ترتقب زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى موسكو الشهر المقبل، وقد يتم التوقيع حينها على اتفاقية تزود الجزائر بأنظمة دفاعية وهجومية جديدة. وبالتالي فتزويد القوات المسلحة الملكية بمنظومة “هيمارس” الأمريكية المدمرة ستجعل المملكة قوة إقليمية في المنطقة المتوسطية بامتلاكها أنجع الصواريخ والأسلحة الثقيلة.

– الاحتواء الأمريكي للوضع المشتعل بمنطقة الساحل جنوب الصحراء، حيث يعتبر تسليح الجيش المغربي بهذه المنظومة الدفاعية ضرورة عسكرية لتطوير ترسانته الردعية، خاصة وأن المغرب يشكل البلد المنظم لمناورات الأسد الإفريقي في دوراتها المتعاقبة، وبالأخص بعدما أبدى المسؤولون العسكريون المغاربة رغبتهم في اقتناء قاذفات “هيمارس” بعدما عاينوا نجاعتها العسكرية خلال المناورات الأسد الإفريقي التي نظمت ببعض مناطق المملكة في سنة 2022. ولعل هذا ما دفع ببعض الأوساط العسكرية الإسبانية إلى التأكد من أن الولايات المتحدة اختارت المغرب كشريك مفضل واستراتيجي لتزويده بأسلحة من الصعب أن تجدها في دولة إفريقية منافسة له، نظرا لأن “دولة المغرب في المنظور الأمريكي أصبحت عنصرًا أساسيًا في الحفاظ على توازن القوى في المنطقة، وخاصة في محاربة الجهاديين، من خلال العمل على كبح جماح محاولات العصابات الإرهابية توجيه هجماتها ضد الغرب”.

– الاستباق الأمريكي لأي صفقة عسكرية للمغرب مع الصين، حيث أن تسريع واشنطن إتمام صفقة راجمات صواريخ “هيمارس” جاء ليس فقط نتيجة الزيارات والاتفاقيات الثنائية بين البلدين، لكن أيضا لخشية الولايات المتحدة من جذب الصين للمغرب في شأن الصفقات العسكرية، لا سيما بعد تسجيل مماطلة سابقة من الإدارة الأمريكية في تسليم نظام “الباتريوت” إلى الرباط. حيث سبق لمسؤولي قيادة القوات المسلحة الملكية المغربية أن أجروا في سنة 2022 مفاوضات حثيثة مع شركة الصين لعلوم وصناعة الطيران CASIC)) للحصول على صواريخ متطورة وقنابل دقيقة التوجيه، وذلك بعدما تسلمت القوات المسلحة الملكية دفعة من أنظمة الدفاع الجوي الصيني بعيدة المدى “FD-2000B” في سنة 2021.

من هنا، يظهر بأن بيع هذا النوع من الأسلحة للمغرب لا يدخل فقط في إطار توطيد الشراكة العسكرية الأمريكية مع المغرب كشريك موثوق به عسكريا وأمنيا، بل يدخل أيضا في إطار استراتيجية التنافس الأمريكي مع روسيا وعدد من القوى داخل المنطقة الإفريقية، سواء بشمال إفريقيا أو منطقة الساحل جنوب الصحراء. لكن هذا لا ينفي بالطبع أن هناك حاجة للقوات المسلحة الملكية إلى زيادة قدراتها الدفاعية والأمنية في ضوء البيئة الإقليمية الحساسة والرغبة في التخطيط لأنواع مختلفة من السيناريوهات التي تشمل سيناريوهات أسوأ الحالات التي تنطوي على انهيار العلاقات مع الدول المجاورة مهما كانت احتمالية حدوث ذلك منخفضة”، خاصة بعدما تصاعدت التوترات بين المغرب والجزائر في السنوات الأخيرة، وتزايدت تصريحات المسؤولين الجزائريين بشأن القطيعة السياسية بين البلدين الذي وصلت حسب الرئيس الجزائري إلى مرحلة اللاعودة. وكذا بعد الإعلان عن اتخاذ خطوات أحادية تمثل آخرها في الإعلان عن استغلال منجم الحديد بتندوف في تناقض صريح مع ما تنص عليه اتفاقية 1972 حول الاستغلال المشترك لثروات هذا المنجم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى