مظاهرات إسرائيل: انقسام بين الفلسطينيين في مدن إسرائيلية بشأن المشاركة في الاحتجاج ضد نتنياهو
- رودري ديفيز
- بي بي سي- سخنين وتل أبيب
أثناء المسيرة الأخيرة بمناسبة يوم الأرض، ندد الشاب الفلسطيني جميل سعيد، بالاحتجاجات الوطنية ضد خطط الإصلاح القضائي المثيرة للجدل التي هزت إسرائيل منذ بداية العام.
قال الطالب، وهو من مدينة الناصرة العربية في شمال إسرائيل “لم أشارك في أي منها ولن أشارك. لا أعتقد أن الكثير من الفلسطينيين شاركوا”.
وأضاف: “الاحتجاجات الإسرائيلية تدعو إلى استعادة الوضع الراهن “للمطالبة باستعادة الديمقراطية “. لكن في الواقع أن الأمر لم يكن سوى استبداد وفصل عنصري (ليس ديمقراطية).
وأكد أيضا أن هذا التوجه “ليس ما نريده”.
جميل هو واحد من حوالى مليوني فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية ويعيشون في إسرائيل. عرب إسرائيل هم من الفلسطينيين وأحفادهم الآن هم من يعيشون على نفس الأرض التي استولى عليها اليهود وأقاموا عليها دولة إسرائيل عام 1948.
ويشكلون حوالى 20 في المئة من سكان إسرائيل. وبينما هم مواطنون رسميون في إسرائيل، فإن العديد منهم يعرّفون أنفسهم على أنهم فلسطينيون، رغم اختلاف التقديرات واستطلاعات الرأي حول هذا.
وينزل مئات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع إسرائيل أسبوعيا، للاحتجاج ضد الإصلاحات التي اقترحتها الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو، والتي من شأنها أن تزيد بشكل جذري من سيطرتها على التعيينات والقرارات في المحكمة العليا.
وأمام هذه الضجة في البلدات والمدن الإسرائيلية، قرر تحالف رئيس الوزراء نتنياهو تعليق الإصلاحات على الأقل حتى عودة البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) للانعقاد بعد انتهاء العطلة في 30 أبريل/نيسان.
يعتقد جميل أن المسيرة التي شارك فيها في يوم الأرض، أكثر أهمية بالنسبة لحقوق الفلسطينيين من المشاركة في الاحتجاجات الجماهيرية الحالية.
ومسيرة يوم الأرض السنوية تأتي لإحياء الذكرى السنوية لقتل الجيش الإسرائيلي ستة فلسطينيين عام 1967، تظاهروا احتجاجا على مصادرة إسرائيل لأراضيهم.
وتساءل جميل أثناء المسيرة في بلدة سخنين العربية الإسرائيلية، حيث وقعت بعض عمليات القتل، عن الاختلاف الواضح بين معاملة قوات الأمن الإسرائيلية للاحتجاجات الإسرائيلية واحتجاجات الفلسطينيين.
ورد أيضا قائلا: “لو فعلنا ربع ما يفعله الإسرائيليون لكنا قُتلنا الآن”.
الشعور بالإقصاء
من بين المظاهرات التي جرت ضد الحكومة الإسرائيلية وبمشاركة منخفضة من المواطنين الفلسطينيين تلك التي خرجت بشكل أساسي في المناطق العربية الإسرائيلية في الشمال.
يسعد البعض برؤية الأزمة القضائية تتفاقم، أو يعتقدون أنها نتيجة منطقية لدولة ونظام يشعر الكثيرون أنه استبعد دائما مجتمعهم من المعاملة الديمقراطية الكاملة.
يجادل الكثيرون بأن قرارات المحكمة العليا السابقة التي ميزت ضد الفلسطينيين، الذين يعيشون في كل من إسرائيل وفي الأراضي المحتلة، لا تستحق الدفاع عنها. على سبيل المثال، دعمت المحكمة قانون الدولة القومية عام 2018، الذي نص على أن حق تقرير المصير في إسرائيل هو حق فريد للشعب اليهودي.
كما وافقت المحكمة مؤخرا على طرد 1000 فلسطيني من منطقة في الضفة الغربية المحتلة حتى يستخدمها الجيش الإسرائيلي كمنطقة تدريب. وحذر خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة من أن هذه الخطوة، التي تأتي بدون ضرورة عسكرية في أرض محتلة، يمكن أن تشكل جريمة حرب.
بعد سلسلة من الانتخابات غير الحاسمة في إسرائيل، وسقوط حكومة ائتلافية واسعة النطاق لم تدم طويلا، أعادت انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي نتنياهو إلى السلطة على رأس الحكومة اليمينية الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل.
مع وجود تحالف من الأحزاب القومية والدينية في السلطة، يشعر العديد من الفلسطينيين في إسرائيل والأراضي المحتلة بمخاطر متزايدة من قوتها التشريعية والثقافية والسياسية.
اثنان من أبرز الوزراء في الائتلاف الحالي وهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، هما نفساهما كانا مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.
في الشهر الماضي، أثار سموتريتش عاصفة من ردود الفعل الغاضبة عندما قال إنه “لا يوجد شيء اسمه” الشعب الفلسطيني.
تكهن محللون في وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن التحالف سيحاول إزالة القيود القانونية لضم بعض المناطق في الضفة الغربية أو ضم الضفة. إذا حدثت مثل هذه الخطوة، فمن المحتمل أن تشهد احتواء أو طرد الفلسطينيين.
“لسنا بمفردنا”
قوبلت الدعوات التي أطلقها اليهود الإسرائيليون من أجل الحقوق الفلسطينية، الاحتلال والسلام، بمشاركة الفلسطينيين في الاحتجاجات ضد حكومة نتنياهو، بلامبالاة من جانب التيار الرئيسي للمظاهرات، الذي تحجج بضرورة الاستمرار في التركيز على قضاياهم الخاصة لتحقيق النجاح.
لكن على الرغم من السياق الحالي، يدفع بعض العرب الإسرائيليين بضرورة المشاركة بشكل أكبر في الاحتجاجات الإسرائيلية.
في مسيرة يوم الأرض، قالت العضوة العربية بالكنيست عايدة توما سليمان: “البعض ينضم، لكن ليس بالقدر المتوقع من أولئك الذين سيتضررون أكثر من هذه الإصلاحات”.
وأضافت “الذين يتم تسييسهم مثلنا، نحاول الضغط من أجل إيصال أصواتنا سواء بلقاء من يقودون التظاهرات أو بالمشاركة في التظاهرات ضمن الكتلة المناهضة للاحتلال”.
تظهر هذه الكتلة بشكل متزايد في الاحتجاجات الأكبر، مثل الاحتجاجات في تل أبيب والقدس، وهي تلوح بالأعلام الفلسطينية وتردد الشعارات بالعبرية والعربية. رغم أنها لا تزال صغيرة مقارنة بالعدد الإجمالي للمتظاهرين.
يرى بعض الفلسطينيين في إسرائيل في الاحتجاجات فرصة لتعزيز مطالبهم بالمساواة.
قال يوسف جبارين، عضو عربي سابق في الكنيست ومحاضر في القانون: “نحن نقول إن الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن توجد مع استمرار الاحتلال لشعب آخر، الشعب الفلسطيني، وأن الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن تكون تمييزية ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل”.
وعبر عن اعتقاده بأن “هناك حاجة للدفاع عن مبادرات أخرى لتعزيز الديمقراطية الحقيقية.”
وهذا يشمل العمل مع اليهود الإسرائيليين.
في أول احتجاج يوم السبت في تل أبيب خلال عطلة الكنيست، كان آلون لي غرين، من بين مجموعة من المتظاهرين يرتدون قمصانا أرجوانية يتجمعون معا تحت أشعة الشمس على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
وغرين هو المدير الوطني المشارك لحركة “لنكن معا”، وهي حركة شعبية تهدف إلى الجمع بين اليهود والفلسطينيين في إسرائيل لتحقيق السلام والمساواة.
وقال إن تخصيص مساحة لأصواتهم كان أمرا صعبا، ولكنه أصبح ممكنا الآن بشكل أكبر.
وأضاف: “هناك جدل كبير داخل الاحتجاج (حول الدعوات من أجل حقوق الفلسطينيين)”.
وقال إن قسما كبيرا من الجمهور لم يرغب في طرح موضوعات الاحتلال أو العدالة الاجتماعية أثناء الاحتجاجات ضد حكومة نتنياهو.
وأكد غرين أنه بينما كان يمكن رؤية العلم الإسرائيلي في كل مكان، أصبح بإمكان الناس الآن التلويح بالأعلام الفلسطينية بحرية (أثناء الاحتجاجات).
وأوضح أنه كان في السابق “الكثير من الهجمات وكذلك هجمات عنيفة على أشخاص كانوا يرفعون العلم الفلسطيني داخل تلك الاحتجاجات”.
كان إبراهيم أبو أحمد، الذي يعمل في منظمة غير حكومية، هو واحد من حفنة من الفلسطينيين في إسرائيل الذين تحدثوا في المسيرات الاحتجاجات الإسرائيلية.
على هامش احتجاجات يوم السبت، قال الشاب أبو أحمد، 30 عاما، إن الرغبة في الحصول على حقوق فلسطينية كاملة وفورية وإقامة دولة فلسطينية غير واقعية، بل هناك حاجة إلى اتخاذ خطوات صغيرة.
فضل أبو أحمد بناء الشبكات أولا في إسرائيل وتقوية الدور الاجتماعي والسياسي للفلسطينيين.
وشدد على أنه، “لدينا حليف في هذا المجتمع الإسرائيلي، لسنا وحدنا، هناك أناس يؤمنون بهذا التغيير… يجب أن نستغل هذه الفرصة ليكونوا في صفنا. ولا ننأى بأنفسنا عن كل شيء”.
وأوضح أنه بعد حل الأزمة يمكننا أن نقول: “لقد وقفنا إلى جانبكم. حان الوقت الآن لمناقشة قضايانا”.
وأضاف أبو أحمد أن الفلسطينيين “يجب ألا ينتظروا الإذن” للتعبير عن آرائهم. قائلا: “يجب أن نقتحم الموقف (نركل الباب)”.