السودان: هل بات القطاع الصحي على وشك الانهيار؟
في الوقت الذي ما يزال فيه وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه في السودان منتصف ليل الاثنين ساري المفعول، وهذه هي رابع محاولة لوقف القتال الذي اندلع في 15 أبريل/نيسان الجاري ولكن الطرفين لم يلتزما بالهدنات السابقة، تتعالى الأصوات محذرة من أن القطاع الصحي في البلاد بات على شفا الانهيار.
فمازال العديد من السودانيين محاصرين في المستشفيات من دون كهرباء أو مياه، بينما يتم إجلاء مرضى آخرين يحتاجون إلى رعاية طبية.
وقال موظفون في القطاع الطبي ومتطوعون لبي بي سي إنهم يعانون منذ بداية الاشتباكات ضغوطاً نفسية هائلة بسبب نقص الطعام والشراب، فضلا عن الخوف من القصف العشوائي المستمر في المناطق المحيطة.
ويقول أحد الأطباء في حديثه مع بي بي سي: “لقد تلقينا بعض المساعدات العينية لكن ذلك لا يكفي. نحاول الآن إخلاء المستشفى بالتنسيق مع السلطات المعنية، لكن لا توجد خطة إخلاء مناسبة، مما يسبب مزيدًا من المخاوف، لأننا في منطقة شديدة الخطورة وعرضة للهجمات.”
وتُعد أكثر المستشفيات تضرراً هي تلك القريبة من مقر الجيش في العاصمة السودانية. وأسفرت القذائف عن أضرار جسيمة في مستشفيات مثل مستشفى الشعب حيث أصيب سائق سيارة إسعاف وثلاثة آخرون، بحسب شهود عيان.
وكذلك تضرر مستشفى د. جعفر ابن عوف ومستشفى ابن سينا التخصصي ومستشفى بشاير ومودة، ومستشفيات أخرى في الخرطوم خرج بعضها تمامًا من الخدمة، في حين تم إفراغ مستشفى الشرطة بالكامل بعد أن استولت عليه قوات الدعم السريع.
وتظهر مقاطع الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي تحققت بي بي سي من صحتها، أشخاصًا يغادرون مستشفى، بينما تسمع طلقات نارية في الخلفية.
وفي شريط آخر يمكن رؤية عامل في المجال الصحي يحاول طمأنة الموجودين داخل المستشفى لكنه يكشف عن نفاد محتمل لإمدادات الأكسجين، كذلك يمكن سماع نساء يستنجدن ويطلبن المساعدة. وفي فيديو آخر حصلت عليه بي بي سي من داخل أحد المستشفيات عدد من النساء يحضرن وجبات الإفطار في الطابق السفلي من المبنى، بينما يجلس آخرون في الظلام داخل إحدى الغرف.
تحذيرات داخلية
كشف هيثم محمد إبراهيم، وزير الصحة السوداني، النقاب مؤخرا عن أن 125 مستشفى في الخرطوم قد تأثرت جراء الاشتباكات، وتضررت أنظمة الكهرباء والماء فيها، بالإضافة نقص كبير في المعدات اللازمة لمستشفيات الأورام.
وقد حذرت وزارة الصحة السودانية من إمكانية انهيار القطاع الصحي مع استمرار الاشتباكات.
ودعت الوزارة في بيان صحفي إلى إيجاد حل دائم لنقص إمدادات الطاقة في المرافق الصحية وتوفير المستلزمات الصحية. وشددت على أهمية إيجاد سبل للتخلص من النقص المزمن في الوقود والطاقة الذي بات يضع باستمرار المرافق الصحية في الخرطوم على حافة الإغلاق.
كما أصدرت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء السودانيين بياناً عاجلاً دعت فيه إلى حماية المنشآت الصحية في السودان بعد تضرر مستشفيات عدة خلال الاشتباكات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.
وأضاف البيان: “ندعو المجتمع الدولي إلى إلزام أطراف النزاع بعدم الإضرار بالمنشآت الصحية، وفتح ممرات آمنة، والسماح بمرور سيارات الإسعاف”.
ووصفت اللجنة تعرض المنشآت الصحية للقصف بأنه انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني، مضيفة: “نكرر مناشدتنا للمنظمات الإنسانية لمد يد العون و التحرك العاجل من أجل المساعدة في اجلاء الجرحى و توفير المحاليل الوريدية وأكياس الدم و المعينات الطبية”.
تحذيرات دولية
حذرت الأمم المتحدة من أزمة إنسانية بما في ذلك اقتراب المنظومة الصحية من الانهيار.
ودعت منظمة الصحة العالمية الأطراف المتحاربة في السودان إلى التوصل إلى حل سلمي، وضمان حيادية المنشآت الصحية وحرية تنقل الكوادر الطبية والمرضى، وذلك بعد أن أثر العنف والقتال بشكل كبير على القطاع الصحي في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، مما تسبب في حالة كارثية.
وتعتبر الهجمات التي تستهدف المرافق الصحية أو العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى، انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي، والحق في الصحة بغضّ النظر عن الدافع أو السياق.
وقد دعا تيدروس أدهانوم غيبريسوس، مدير منظمة الصحة العالمية، طرفي الصراع في البلاد، إلى إتاحة إمكانية الوصول إلى المرافق الطبية لجميع من يحتاجون للرعاية، كما دعا لإتاحة الوصول إلى المنشآت الطبية لجميع من يحتاجون إلى الرعاية، محذراً من نقص الإمدادات وأفراد الطواقم الطبية في العاصمة الخرطوم.
وقال تيدروس إن بعض المستشفيات أغلقت أبوابها بالفعل، أو أوشكت أن تغلقها بسبب الهجمات ونقص الطواقم والإمدادات الطبية. وذكر أن تقارير أفادت بنهب بعض المنشآت الصحية واستخدام أخرى في أغراض عسكرية.
وأضاف أن الإمدادات الموزعة على المنشآت الصحية قبل التصعيد الأخير للصراع نفدت، وأن المستشفيات في الخرطوم تتحدث عن وجود نقص في أفراد الطواقم الطبية والإمدادات المستخدمة في إنقاذ الأرواح.
ومن جانبه، قال الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إنه يكاد يكون من المستحيل تقديم الخدمات الإنسانية في الخرطوم ومحيطها، وحذر من أن النظام الصحي في البلاد معرض لخطر الانهيار.
وقال فريد أيور رئيس بعثة الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في السودان للصحفيين: “الحقيقة هي أنه في الوقت الحالي يكاد يكون من المستحيل تقديم أي خدمات إنسانية في الخرطوم، وما حولها، لقد صدرت نداءات من منظمات مختلفة، وهناك من تقطعت بهم السبل ويطلبون بإجلاءهم”.
الهدنة
وحول الهدنة الأخيرة، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن هدنة الـ72 ساعة تم الاتفاق عليها عليها بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بعد 48 ساعة من المفاوضات.
وقُتل في المعارك الدائرة ما لا يقل عن 400 شخص.
وأعلن كلا طرفي النزاع بشكل مستقل مشاركتهما في وقف إطلاق النار.
وكانت المعارك قد اندلعت بشكل أساسي في الخرطوم بين فصائل الجيش وقوات الدعم السريع من أجل السيطرة على ثالث أكبر دولة في أفريقيا.
وجاء ذلك بعد أيام من التوتر بعد إعادة انتشار عناصر من قوات الدعم السريع في جميع أنحاء البلاد في خطوة اعتبرها الجيش تهديدا.
ويدير السودان منذ انقلاب عام 2021 مجلس عسكري بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة ورئيس البلاد في الواقع، ونائبه هو زعيم قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي.
ونشب خلاف بينهما بشأن الاتجاه الذي تسير فيه البلاد، والتحرك المقترح نحو الحكم المدني.
وتتمثل النقاط الشائكة الرئيسية في خطط دمج قوات الدعم السريع، التي يبلغ قوامها 100 ألف فرد، في الجيش، ومن سيقود القوة الجديدة بعد ذلك.
واتهم دقلو حكومة البرهان بأنها “إسلامية متطرفة”، ويقول إنه هو وقواته “يقاتلون من أجل شعب السودان لضمان التقدم الديمقراطي الذي طالما تاقوا إليه”.
ويجد كثيرون صعوبة في تصديق هذه الكلام، نظرا للسجل الوحشي لقوات الدعم السريع.
وقال البرهان إنه يدعم فكرة العودة إلى الحكم المدني، لكنه لن يسلم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة.
النزوح الكبير
وهناك آمال في أن يسمح وقف إطلاق النار للمدنيين بمغادرة المدينة. وتأمل الحكومات الأجنبية أيضا في السماح باستمرار إجلاء الأجانب خارج البلاد.
وسارعت العديد من الدول إلى إجلاء دبلوماسييها ومدنييها مع احتدام القتال في الأجزاء الوسطى المكتظة بالسكان في العاصمة.
وأعلنت حكومة بريطانيا أنها ستبدأ في إجلاء حاملي جوازات السفر البريطانية وأفراد الأسرة المباشرين اعتبارا من الثلاثاء.
وتشير التقديرات إلى أن عشرات الآلاف من الأشخاص، من بينهم مواطنون سودانيون ومن دول مجاورة، فروا بسبب الاضطرابات.
وكان من هؤلاء الفارين حسن إبراهيم البالغ 91 عاما. ويعيش الطبيب المتقاعد بالقرب من المطار الرئيسي في الخرطوم، حيث دارت بعض أسوأ المعارك، لكنه خاض منذ ذلك الحين رحلة محفوفة بالمخاطر إلى مصر مع أسرته.
وقال لبي بي سي إنه هو أسرته نجوا من الوقوع في الاشتباكات بين مقاتلي الدعم السريع والجيش، لكن سيارة كانت تسير خلفهم أصيبت.
واستقلت الأسرة بعد ذلك حافلة متجهة إلى الحدود، واستغرقت رحلتهم 12 ساعة، ثم ووجهوا بمشاهد “مزدحمة وفوضوية” حينما كان الناس ينتظرون السماح لهم بالدخول.
وقال إبراهيم: “كان هناك الكثير من العائلات التي لديها أفراد مسنون وأطفال ورضع. السودانيون يفرون من البلاد – إنها حقيقة محزنة”.
أما إيمان أب جارجة، طبيبة أمراض النساء البريطانية-السودانية التي تعمل في المملكة المتحدة، فكانت تزور الخرطوم مع أطفالها عندما بدأ القتال، وأجليت إلى جيبوتي على متن رحلة نظمتها فرنسا. ومغادرتها السريعة تعني أنها لم تكن قادرة على توديع والدها المريض ولا والدتها أو أختها.
وقالت إيمان لبي بي سي: “البلد متسخ، وهناك نفايات تنتشر في كل مكان. مياه الصرف الصحي تفيض برائحتها، وسينشر هذا المرض، ولن يكون هناك مستشفى للذهاب إليه”.
وأضافت: “نحن لا نرى سوى الموت والدمار والعوز”.
هل بات القطاع الصحي في السودان بالفعل على وشك الانهيار؟
هل المسؤول عن ذلك هو الاقتتال الداخلي الأخير فقط، أم أن هناك عوامل أخرى أيضا؟
كيف يؤثر الاقتتال الداخلي في السودان على الوصول إلى الخدمات الصحية هناك؟
ما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها للحيلولة دون الانهيار الكامل للقطاع الصحي في السودان؟
وما هي العواقب المحتملة لذلك الانهيار على الاستقرار الإقليمي؟
سنناقش معكم هذه المحاور وغيرها في حلقة الأربعاء 26 أبريل/ نيسان 2023
خطوط الاتصال تفتح قبل نصف ساعة من البرنامج على الرقم 00442038752989.
إن كنتم تريدون المشاركة عن طريق الهاتف يمكنكم إرسال رقم الهاتف عبر الإيميل على nuqtat.hewar@bbc.co.uk
يمكنكم أيضا إرسال أرقام الهواتف إلى صفحتنا على الفيسبوك من خلال رسالة خاصة Message
كما يمكنكم مشاهدة حلقات البرنامج من خلال هذا الرابط على موقع يوتيوب