الإعانات الحكومية تعزز قوة الشركات الكبرى وتضر بالصغيرة

وفقًا لتقرير حديث صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، يتضح أن الدعم الحكومي ليس مجرد وسيلة لتحفيز النمو، بل أداة تعيد رسم ملامح المنافسة في الأسواق العالمية.
تعزيز التصنيع
يركز التقرير على الشركات المدعومة حكوميًا، التي لا تقتصر على تلك المملوكة للدولة بشكل مباشر، بل تشمل أيضًا الشركات التي تحصل على تمويل أو مزايا تفضيلية غير مباشرة.
على سبيل المثال، تعتمد الصين على قروض منخفضة الفائدة عبر بنوكها الحكومية لدعم قطاعاتها الصناعية، مما يمنح شركاتها ميزة تنافسية على المستوى الدولي.
إضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أن تعريف «المؤسسة المملوكة للدولة» يختلف من بلد إلى آخر، مما يخلق تباينًا في طرق الإفصاح عن الدعم الحكومي. في بعض الحالات، يتم تقديم الإعانات بشكل شفاف، بينما تُدمج في دول أخرى ضمن برامج أوسع، مما يجعل تقييم تأثيرها الدقيق أمرًا معقدًا.
توزيع غير متكافئ
تشير بيانات قاعدة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD MAGIC إلى أن بعض القطاعات الصناعية تتلقى دعمًا يصل إلى 80% من إجمالي مبيعاتها العالمية.
ومع ذلك، ونظرًا لاختلاف طرق الإبلاغ، فقد يكون الرقم الحقيقي أعلى.
ينعكس هذا التفاوت على الاستثمار في القطاع الصناعي، حيث أظهر التقرير أن نسبة الاستثمار إلى الإعانات بلغت 15% في المتوسط عند استبعاد القيم السلبية، مما يؤكد أن الدعم الحكومي يعزز قدرة الشركات على التوسع والاستثمار في أصول طويلة الأجل.
ومن أهم القضايا المثيرة للقلق هي أن الشركات الكبرى المدعومة قد تحصل على إعانات من عدة دول، وليس فقط من الدولة التي تتخذها مقرًا رئيسًا، ما يمنحها ميزة مزدوجة على حساب الشركات الصغيرة والمتوسطة.
تأثير القوى الاقتصادية
تُظهر البيانات أن أداء الشركات الكبرى قد يؤثر على الاقتصاد الكلي للدول. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي الصدمات التي تواجهها شركات مثل «سامسونج» إلى تأثير مباشر على الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الجنوبية.
كما شهدت بعض الصناعات، مثل صناعة الصلب، تذبذبًا كبيرًا في الأرباح بسبب الإعانات، حيث بلغ متوسط العائد على الأصول للشركات الصينية في هذا القطاع -1.5% في عام 2015، مقابل 2.9% للصناعة ككل بين 2006 و2015.
صفقات الاندماج والاستحواذ
تظهر الإعانات الحكومية أيضًا في صفقات الاندماج والاستحواذ. فمثلاً، استفادت مجموعة «كرايسلر» الأمريكية من الدعم الحكومي قبل اندماجها مع «فيات»، ثم لاحقًا مع «بيجو سيتروين» لتشكيل عملاق السيارات «ستيلانتس».
كما شملت التحركات الأخيرة بيع مجموعة «Hanwha» لحصتها في «Renesas» اليابانية، وهي واحدة من كبرى شركات أشباه الموصلات.
عدالة المنافسة
يرى التقرير أن الإعانات الحكومية تسهم في إعادة تشكيل قطاع التصنيع العالمي، لكنها تثير تساؤلات حول عدالة المنافسة. فبينما تحصل الشركات الكبرى على دعم قوي، تكافح الشركات الصغيرة والمتوسطة للبقاء.
ويرى التقرير أنه من أجل تحقيق بيئة اقتصادية أكثر إنصافًا، تحتاج الحكومات إلى شفافية أكبر في تقديم الدعم، بما يضمن تعزيز الابتكار والنمو دون الإضرار بتوازن السوق.
ومع استمرار تصاعد أهمية التصنيع، سيكون من الضروري إعادة النظر في إستراتيجيات الدعم الحكومي لضمان مستقبل اقتصادي مستدام ومتوازن.